14-05-2014 – بانوراما التأمين
في السنوات الأولى من تأسيسها وظهورها في أسواق الشرق الأوسط, كانت شركات التأمين التكافلي قوية ورصينة ماليا, حسب ما أكدته تقارير صادرة عن مؤسسات تصنيف عالمية مثل ستاندرد أند بورز وموديز وغيرهما. هذه التقارير أظهرت أن دخول شركات التأمين التكافلي التي تعمل وفق الشريعة الإسلامية كانت قادرة على منافسة شركات تأمين تقليدية عريقة في هذه الأسواق من خلال تقديم منتجات تأمينية وفق الشريعة, مستفيدة من التوجه العام في المنطقة نحو أسلمة الخدمات المالية وتحول الكثير من المؤسسات المالية إلى العمل بالنظم الاقتصادية الإسلامية, ناهيك عن النزعة الدينية التي يتصف بها سكان هذه المنطقة.
إلا أن نفس هذه التقارير الغربية التي نشرت قبل بضع سنوات, بينت أن “التوسع المفرط” لنشاط شركات التأمين التكافلي في أسواق المنطقة كان مصدر تهديد لاستقرار مثل هذا النشاط الجديد, خاصة إننا نتحدث عن صناعة صغيرة نسبيا مثل قطاع التأمين مقارنة بالقطاعات الاقتصادية الأخرى, وشركات جديدة تحاول أن تنافس شركات تأمين عريقة في السوق. وقس على ذلك درجة تكاثر شركات التأمين التكافلي في سوق محدودة الإمكانات مثل السوق الكويتية, وهو أمر قد يحد من انطلاقة هذه الشركات ومن حماسة قياداتها.
وهذا ما حدث بالفعل في الكويت التي شهدت تطورات سريعة ومتلاحقة من حيث عدد الشركات ومن حيث نوعية الخدمات التي تقدم للعملاء, ومن حيث الأزمات الاقتصادية المتلاحقة على المستويين المحلي والعالمي. فبعد مرور سنوات معدودة على تأسيسها توقف نمو بعض شركات التأمين التكافلي, واكتفى البعض الآخر بما قدمه من خدمات هي في غالب الأحيان شبيهة بخدمات التأمين التقليدية, لدرجة أن البعض اعتقد أن لا فرق بين التأمين العادي أو التقليدي والتكافلي.
وبسبب محدودية الإمكانات الاستثمارية المتاحة في السوق المحلية, وتقلص حجم فرص النمو عبر الأداء التشغيلي لكثير من وحدات قطاع التأمين, فقد تركزت محافظ الاستثمار لغالبية شركات التأمين الكويتية بشكل ملحوظ على الأسهم والعقارات, ومثل هذه الظروف يجعل مصير أي شركة عرضة لعدد من المخاطر في سوق تعتمد انطلاقتها على وفرة السيولة البترودولارية غير المستقرة. هذا بالنسبة لقطاع التأمين بشكل عام, أما بالنسبة لشركات التأمين التكافلي تحديدا فهي تتميز بارتباطها بأمور شرعية تتجنب الاستثمار في صفقات لا تتوافق مع مبادئ الإسلام. لذلك تتقيد إمكانات أي شركة تأمين تكافلية في الاستثمار في أصول ذات مخاطر منخفضة تحمل فائدة متدنية وفي حدود الشرع.
وقد بين عدد غير قليل من قيادات شركات التأمين التكافلي في الكويت وفي أكثر من مناسبة أن هناك ملامح في سوق التأمين في الكويت ودول الخليج الأخرى تؤكد أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية تدفع نحو قدرة هذه الشركات على المنافسة في السوق الكويتية حتى وإن اتسمت هذه السوق بمحدودية إمكاناتها. فما انتشار العديد من المصارف والمؤسسات الإسلامية التي تقوم بإنشاء والمشاركة بتأسيس شركات التأمين التكافلي إلا علامات واضحة للعيان وتبشر بمستقبل واعد لصناعة مالية إسلامية مبتكرة من أجل تحقيق الاطمئنان لعملائها بشأن سلامة خطواتها الاستثمارية التي تتخذها في مجال التأمين.
وكلنا يعرف أن الشركات التي تعمل في مجال التأمين التكافلي في السوق المحلية تواجه نفس المخاطر التي يواجهها التأمين التقليدي, كالتعويضات التي تدفع مقابل التأمين على السيارات مثلا والتي ارتفعت تكلفتها, كما أن الأصول والمحافظ الاستثمارية لشركات التأمين التكافلي قد تتعرض لنفس المخاطر التي قد تتعرض لها أصول ومحافظ شركات التأمين التقليدية. فكل ما ينطبق من إيجابيات أو سلبيات على شركات التأمين التقليدية تتقاسمها شركات التأمين التكافلي في غالب الأحيان.
ونحن نقر, ويؤيدنا في هذا التأمينيون أنفسهم, بأن قطاع التأمين الكويتي بأكمله تنقصه (KNOWHOW) أو الكفاءات المتخصصة في قطاع التأمين عموما, فما بالك بقطاع التأمين التكافلي الذي استحدث قبل سنوات معدودة فقط?. فشركات التأمين الكويتية التقليدية وإن تأسست قبل أكثر من خمسين سنة, إلا إن الخبرات الكويتية وذوي المهارات البشرية المتخصصة هي في واقع الحال قلة قليلة وتعد على أصابع اليدين. ولهذا أيضا يرى التأمينيون أنفسهم أنه إذا كانت عملية إعداد الكفاءات الكويتية لقيادة قطاع التأمين التقليدي قد استغرقت عقود من الزمن, دون أن يكون لدينا ما يغطي كل شركات التأمين التقليدية, فكم سنة نحتاج لإعداد كفاءات كويتية متخصصة ومن ذوي الخبرة لقيادة دفة التأمين التكافلي?.
وإذا كنا نتحدث عن مجال ابتكار وتصميم المنتجات التأمينية التقليدية, فمثل هذه المهارات نادرة الوجود في الكويت. نقول هذا لأن أغلبية المنتجات التأمينية ليست كويتية المنبع. أما إذا تناولنا موضوع الخبراء الاكتواريين أو خبراء التأمين الكويتيين فهذا أيضا غير موجود أصلا. فكيف نستطيع تطوير قطاع التأمين التكافلي حديث التأسيس, إذا كنا قد عجزنا عن تطوير قطاع التأمين التقليدي خلال العقود الطويلة الماضية?. ولهذا يجب الاعتراف بأن مثل هذه الظروف تشكل عقبة كأداء أمام تنمية قطاع التأمين بأكمله, وليس أمام تطور قطاع التأمين التكافلي وحده.
كما إننا نؤمن بأن التأمين التكافلي يتمتع بجاذبية عالية في المجتمع الكويتي لكونهم مسلمين, فإن ما نتمناه في الواقع هو أن لا نكون محامين فاشلين لقضية ناجحة. فنحن بحاجة ماسة إلى التسويق الجيد لفكرة التكافل الجديدة التي يتوقع أن تلقى قبولا جيدا في المنطقة بسبب التوجه الديني الملحوظ كما أسلفنا, الأمر الذي سوف يعطي دفعة قوية لنمو قطاع التأمين بشكل عام.
لهذا كله وبناء على ما جاء أعلاه, وإذا كان هناك من يحرص على دعم قطاع التأمين بأكمله, أعتقد أنه يجب أن تتحرك شركات التأمين بشقيها التقليدي والتكافلي ممثلة بالاتحاد الكويتي للتأمين باتباع بعض الخطوات التي من شأنها أن تسهم في تحقيق الأغراض التي من أجلها أسست هذه الشركات, ومنها:
العمل على إعداد ستراتيجية فاعلة لتهيئة الأجواء من أجل تسويق أفكار التأمين التكافلي ومنتجاته الإسلامية داخل السوق الكويتية.
الاتصال بالمؤسسات التدريبية المتخصصة لعمل دورات تدريبية مكثفة لموظفيها, في سبيل زيادة علومهم وخبراتهم وتنمية مهاراتهم التأمينية في مجال التأمين التكافلي, ومن ثم الارتقاء بأدائهم الوظيفي.
تدريب موظفي شركات التأمين التكافلي على الأساليب المتطورة للتواصل مع العملاء واكتساب ثقتهم لاستقطاب المزيد منهم.
استحداث المزيد من الوثائق التأمينية التكافلية التي تغطي مختلف منتجات وخدمات التأمين المفيدة للمواطن والمقيم, وتقديمها بشكل جاذب من خلال تبيان مزاياها للحصول على المزيد من العملاء.
طرح برامج تثقيفية تعمل على زيادة الوعي في التأمين التكافلي وأهميته في المجتمع.
حث الجهات الرسمية في الدولة على الاهتمام بالقطاع من خلال تحديث القوانين والتشريعات التي تدعم هذا النشاط التأميني للعمل على نموه وتجعله قادرا على المنافسة ليس مع قطاع التأمين التقليدي فحسب, وإنما مع شركات التأمين الأجنبية أيضا.
قيام شركات التأمين التكافلي بتوثيق علاقاتها مع مختلف وسائل الإعلام وتزويدها بمختلف نشاطاتها التأمينية بشكل متواصل مهما كانت درجة أهمية هذه النشاطات.
التنسيق مع وسائل الإعلام للعمل معا على إعداد برامج تسهم في زيادة الوعي التأميني بين كافة فئات المجتمع ومن ثم بيان أهمية التأمين في حياتهم.
تشجيع شركات التأمين الصغيرة والمتعثرة على الاندماج مع بعضها البعض أو مع شركات التأمين الكبيرة لتشكل شركات تأمين أكبر من ذي قبل من حيث الأصول والخبرة في الموارد البشرية وفي انتشارها الجغرافي, فتتمكن من البقاء لفترة أطول في ساحة المنافسة.
إعداد الدراسات الميدانية للتعرف على حاجات عملائها الحاليين والمرتقبين, حتى تتمكن من أن تطور خدماتها ومنتجاتها الحالية, وأن تطرح منتجات وخدمات تأمين جديدة.