08-06-2023 – في يوم من الأيام تقابلت مع صديق قديم لي بالصدفة في مكان عام، وكان يجلس مع أحد رجال الأعمال ومدير في إحدى الشركات وفي ثنايا الحديث جاء ذكر عمليات التأمين، وهنا وجدت رجل الأعمال يقول إنه لولا أنه إجبارياً لما لجأ إلى عمل تأمين على شركته لا الموظفين ولا حتى السيارات، وحينها اندهشت من وجهة نظر الرجل خاصة أنه ليس رجلاً عادياً، وإنما رجل أعمال أي أن ماله في السوق أو أنه “ابن سوق” كما يقولون، وعندما سألته عن سبب استيائه من عمليات التأمين سواء كان إجبارياً أو اختيارياً، أجابني وكله ثقة “هي مجرد أعباء مالية على الشركة لا طائل منها، وهناك العديد من البدائل الأفضل”، ولما سألته عن البدائل؟ قال: إن بإمكانه التعاقد مع إحدى المستشفيات الكبرى والتي من الممكن أن يأخذ منها خصماً كبيراً نظراً لعدد المشتركين، وبالتالي يوفر قصة العلاج للموظفين، أما بخصوص السيارات فكان يرى أنه ومن نفس المنطلق يمكن التعاقد مع إحدى ورش الصيانة، وبالتالي لا حاجة في هذه ولا تلك لقصة التأمين، وفي الحقيقة كانت وجهة نظره صادمة بالنسبة لي، وطرأ حينها على ذهني تساؤل مفاده.. هل التأمين ترف أم ضرورة؟

وللإجابة على السؤال الذي ربما طرأ على أذهان العديد من القراء وأنا أحكي هذا الموقف، سأقوم أولا بسرد تعريف التأمين وما المقصود به، والتأمين حسب تعريف البنك المركزي السعودي هو “تحويل أعباء المخاطر من المؤمن لهم الى شركات التأمين”، ولكن ربما يسأل صاحبنا وبعض القراء الأعزاء وما العائد المباشر علينا نحن وبشكل مباشر، والجواب حسب المركزي السعودي أيضاً الهدف أو العائد من التأمين هو “إعادة المؤمن له إلى وضعه المالي الذي يسبق الخسارة مباشرة”، ولتبسيط المصطلحات، أقول، نفترض أن شركة ما تعرضت لا قدر الله لحريق” وكلامي كان لرجل الأعمال، ونتج عنه خسائر بخمسة ملايين ريال على سبيل المثال، فهل من الأفضل أن تُدفع الخمسة ملايين دفعة واحدة أم أن يتم دفعها على أقساط؟، وهل من الأفضل أن أكون قد تحوطت لمثل هذه الظروف قبل وقوعها أم أن أنتظر حتى تقع؟، وربما لا يتوافر معي هذا المبلغ من المال، وربما تقع مثل هذه الكارثة في وقت أحتاج فيه إلى توسع أو أن يكون أمامي وقتها فرصة استثمارية لو تأخرت عنها لضاعت من بين يدي، وهنا أعتقد أن أي واحد يعمل في السوق لابد وأنه يرى هكذا أن التأمين ضرورة لحماية أمواله ومدخراته واستثماراته في وقت الخطر، وعندما طرحت هذه الأسئلة البديهية على رجل الأعمال لم يكن لديه إجابة مقنعة.

وأقول هنا وهذا فضلا عن ما يوفره قطاع التأمين من فرص عمل ومساهمة في الناتج المحلي الإجمالي للدولة وغير ذلك من المنافع العامة التي ربما قد يستبعدها البعض من حساباته الخاصة.

وهنا أتطرق إلى نقطة أخرى وإن لم تكن من اختصاصي وهي الحكم الشرعي في قصة التأمين وبشكل عام دون الدخول في تفاصيل أنواع التأمين، حيث أثار صديق صديقي هذه النقطة، وفي ردي عليه ذكرت له قصة سيدنا يوسف الذي أمَّن لأهل مصر والعالم حينها حياتهم باحتفاظه بجزء من القمح في سنابله، حتى إذا جاءت السنوات العجاف وجد الناس ما يأكلونه، فسيدنا يوسف ونحن معه كلنا يقين بأن كل ما يحدث لنا هو من تقديرات الله، ولكن ديننا علمنا أن نعقلها ونتوكل.

وفي الأخير ومن وجهة نظري أرى أن التأمين لا يُعد ترفاً وإنما وله فوائد عدة اقتصادية ومجتمعية، خاصة وعامة، تجعل منه ضرورة، وفي الوقت ذاته أرى أن هناك قصوراً كبيراً جداً من جانب شركات التأمين والمشرع للنظام في عمل ثقافة توعوية عن  قطاع التأمين وكيف أنه أصبح ضرورة وليس ترفاَ، وكيف أنه أحد الأعمدة الرئيسية التي قامت عليها الاقتصادات القوية في العصر الحديث، وقديماً لنا في سيدنا يوسف وقومه العبرة.

 

أحمد ابو الغيث