06-06-2023 – في ظل انفتاح المملكة العربية السعودية على العالم، والذي بدوره يقود الى محاكاة النظام العالمي لمواكبة التطور الذي تشهده دول العالم، وخصوصا الدول المتقدمة. من أوجه مواكبة التطور، هو الاهتمام بالاستثمار و بالانسان والمجتمع، بالاضافة الى المحافظة على النمو الاقتصادي. والاستثمار اليوم ليس كما كان في الماضي. في الماضي، المستثمر يتحمل مخاطر الخسارة بشكل كامل. أما اليوم، المستثمر هدفه الربح، مع تحمل نسبة من المخاطر من ضمنها مخاطر الخسارة المعقولة، أما الخسارة التي تكون بسبب ظروف وعوامل وكوارث خارجية، فيحاول قدر الإمكان تجنبها. ومن هنا تأتي اهمية تطوير انظمة قطاع التأمين في المملكة.

عند الحديث عن التأمين من حيث تطبيقاته الواسعة، فنجد أن الكثير من جوانب الحياة يمكن التأمين عليها، يمكن التأمين على الحياة مثلا، يمكن ايضا التأمين على الجسد كما هو الحال مع اللاعبين الرياضيين الذي يعتبرون قوتهم وصحتهم الجسدية هي مصدر دخلهم واستثمارهم، التأمين على الممتلكات، التأمين على النقل، تأمين الممارسين الصحيين، التأمين الصحي، التأمين في القطاع المالي والمنتجات البنكية والبطاقات الائتمانية ..الخ. وهذا يعني وجود قوانين، لوائح، سياسات، وادلة استرشادية من اجل ضبط العملية التأمينية وضمان حقوق كلا من المستفيدين وشركات التأمين.
في المملكة، وعلى الرغم من العمل الدؤوب لتطوير المنظومة التشريعية، والأخذ بيد البيئة الاستثمارية، وبناء نظام متكامل لرفع جودة حياة المواطن والمقيم، فقطاع التأمين يعتبر من أكثر القطاعات التي تعاني بشدة من الغموض في قوانينه، وعدم تنظيم الكثير من مجالات التأمين على الرغم من أن بعض شركات التأمين لدينا تقدم خدماتها في هذا الجانب.

عند البحث عن اللوائح المنظمة لقطاع التأمين في السعودية، يوجد نوعان من التأمين والتي يوجد لهما لوائح تنفيذية واضحة “إلى حد ما”، وهما التأمين الصحي التعاوني والتأمين على المركبات. ولنلاحظ، أن التأمين الصحي التعاوني يشمل فقط العاملين في القطاع الخاص، كما انه يحتاج الى اعادة مراجعة وصياغة. كما انه بالتأكيد لن يكون صالحا للتطبيق بعدما يتم خصخصة القطاع الصحي والذي يستدعي التأمين لجميع المواطنين. كما أن لائحة التأمين على المركبات فهي لائحة مختصة بالمركبات الحكومية. أما المركبات الخاصة فلها إطار تنظيمي للتأمين الشامل، ووثيقة التأمين الإلزامي للمركبات، والتي بدورها بها الكثير من المواضع التي تعاني من الغموض وعدم الوضوح. مثل الإجراءات اللازم تطبيقها للحصول التأمين في حالة تعرض المركبة لقوة قاهرة أدت إلى تلفها مثل الكوارث الطبيعية. كذلك، يوجد مدونة السوابق القضائية للجنة الاستئنافية للفصل في المنازعات والمخالفات التأمينية، والتي بدورها تعتبر مساعدة للممارسين القانونين والمستفيدين من خدمات التأمين، إلا أنها لا تزال هزيلة خصوصا في أنواع التأمين التي تعاني من عدم وضوح في القواعد الاساسية التي تحمي طرفي العلاقة العقدية في عقود التأمين مثل التأمين على الحياة التأمين على الإصابات الجسدية، التأمين على النقل ..الخ.

مثلا، التأمين الرياضي، والذي يقصد به أن اللاعب يقوم بالتأمين على جسده، و بالاخص على قدميه وركبتيه، ليس موجودا وعلى حد علمي، لايوجد لاعبين لدينا لديهم هذا النوع من التأمين. ولنفترض أن هناك لاعبا أراد التأمين على قدمه مثلا، فعلى اي اساس سوف تبني شركة التأمين البوليصة التأمينية التي تحمي حقوق المؤمن و المؤمن له. نقل البضائع ايضا لا يوجد به قواعد واضحة تنظمه، وهلما جرا. الضعف التشريعي بما فيه ضعف القواعد النظامية للتسعير على المنتجات التأمينية، والذي يعانيه القطاع التأميني هنا يؤدي الى خسارة من جانبين. من جانب شركات التأمين، فنجد أن كثير من شركات التأمين السعودية تكافح من أجل الاستمرار في السوق، وقوائمها المالية تتحدث عن خسائر و قليل من شركات التأمين السعودية تحقق أرباحا، على الرغم من أن شركات التأمين تعتبر من أكثر الشركات الرابحة في العالم، اذا ان نسبة العملاء عالية، في حين أن نسبة التعويضات لا تقارن بدخل الشركة. بالطبع هذا الامر يمتد لقواعد التسعير، ومنها الى انظمة المنافسة، ومنها الى المنازعات التأمينية. من الجانب الآخر، العميل ايضا يتخوف من التأمين خصوصا في ظل عدم وضوح القواعد الصادرة من المشرع والتي توضح ماله وماعليه، عدم وجود الوعي باهمية التأمين خصوصا في ان الشخص لديه استثمار سواء كان هذا الاستثمار في مشروع، او مهنة، او رياضة، او ممتلكات ذات قيمة متزايدة مع مرور الوقت.

اعلم أن قطاع التأمين يعتبر من القطاعات المتشعبة، وربما من أكثر القطاعات التي تحتوي على تفصيلات تمثل تحديات قانونية جوهرية تقف في وجه المشرع. ولكن القاعدة التشريعية في قطاع التأمين تعتمد على ركنين. الركن الاول يقف على التشريعات اساسية توجه سياسات التأمين، و الركن الثاني هو لوائح تنفيذية وسياسات وادلة استرشادية لتنظيم التفاصيل الكبير والصغيرة التي تواجه القطاع وأصحاب المصلحة في هذا القطاع. لذلك من المهم بمكان الالتفات لتنمية قطاع التأمين لا سيما وأنه سيكون رافدا قويا للاقتصاد في ظل انفتاح المملكة على العالم.

 

د. نجلاء عبد الرحمن الحقيل