تعتبر صناعة التأمين في الكويت عريقة وقديمة وراسخة الاقدام مقارنة بمثيلتها في الخليج، اذ تعمل شركات هذا القطاع في الكويت منذ أكثر من خمسين عاما تقريبا، ورغم ذلك فقد استطاعت معظم أسواق التأمين الخليجية أن تسبق الكويت تشريعيا واداريا وفنيا وتسويقيا. لم يتطور قطاع التأمين في الكويت ولم ينمُ الا من حيث عدد الشركات وفروعها وأرباحها.

فهذا القطاع يعمل وفق قرارات وزارية ولوائح دولية عامة لا بقوة القانون، تماما كما الجنود الذين يقطعون ساحة معركة مملوءة بالألغام من دون الاسترشاد بخريطة لمواقع هذه الألغام، أو كأن الخريطة موجودة ولكنها مهترئة غير واضحة المعالم. وبصراحة كنا من أوائل المطالبين بتشريع القانون لهذا القطاع حتى قبل تأسيس شركة غزال للتأمين بسنوات عدة، كما كنا من أوائل الذين قدموا ملاحظاتهم الكثيرة على هذا المشروع الأخير، وللأسف لم يحدث أي تغيير حتى اللحظة.

وكما هو معروف، فانه في غياب التنافس اضافة الى غياب ظهور شركات جديدة، استطاعت شركات التأمين الأربع القديمة أن ترسخ أقدامها في السوق المحلية لسنوات طويلة. ان اجمالي عدد الشركات ووكلاء التأمين في قطاع التأمين الكويتي يقارب الأربعين شركة ووكالة، بينها عدد غير قليل من الشركات التي أسست أو دخلت السوق الكويتية خلال السنوات القليلة الماضية.

البعض من شركات التأمين الجديدة التي تأسست خلال السنوات العشر الأخيرة توقفت عن العمل لعجزها عن مواصلة التنافس وتكبدت خسائر، حتى وصل عدد هذه الشركات الخاسرة الى ما يزيد على الخمس شركات. البعض الآخر من شركات التأمين الجديدة تمكن من مزاحمة شركات التأمين القديمة ومن المنافسة على كعكة السوق الكويتية. أما البقية فهي شركات تأمين تعيش على الهامش أو تعمل على الكفاف، ان جاز التعبير، أو هي تعاني ضعفا عاما في جهازها الاداري أو الفني أو التسويقي بسبب محدودية السوق المحلية من حيث المساحة أو الامكانات أو لغياب الابداع، بالاضافة الى انعكاسات الأزمة المالية العالمية.

هذا التنوع في أوضاع شركات التأمين المحلية أوجد صعوبة بالغة في الفصل ما بين شركات التأمين المحلية الرصينة وتلك التي تعاني مشاكل مالية لانتقاء الجيد منها للمساهمة بفاعلية في الخطة الحكومية للتنمية.
فغالبية الجهات التي ستساهم بخطة التنمية الحكومية لا تعرف الكثير عن أحوال شركات التأمين، ولا تدري ان كانت بينها شركات خاسرة أم لا، ولا ما اذا كانت هذه الشركة أو تلك تواجه مصاعب مالية أو ادارية، ولا تدري ان كان بامكان أي شركة تأمين خاسرة أو تعاني أزمة سيولة خانقة أن تشارك في أي مشروع من مشاريع خطة التنمية بمجرد تقديمها وثائق قد تكون غير واقعية ولا تعكس الأوضاع المالية والادارية الحقيقية لهذه الشركة ولا حتى نشاطاتها التشغيلية الفعلية.

لهذا، فان دور وزارة التجارة والصناعة يبرز في هذه الجزئية عن طريق ادارة التأمين التي يجب أن تتابع مسيرة شركات التأمين طوال العام وتتعرف على خطوط سيرها الحالية والمستقبلية، والتمييز بين الغث والسمين من شركات التأمين، بدل الاعتماد على أرقام ميزانيات سنوية للحكم على القدرات المالية لشركة التأمين.

وما يثير الانتباه أنه وعلى الرغم من ازدياد عدد شركات التأمين العاملة في السوق وتمكن بعضها من اثبات قدراتها التنافسية مع شركات التأمين الكويتية القديمة ورسخت أقدامها بخبرات فنية لا يستهان بها، الا أن الحكومة تواصل محاباتها للشركات القديمة وتمييزها عن الشركات الحديثة التأسيس دون النظر الى امكاناتها الفنية والخبراتية، وكأن هذه الحكومة تتعمد عدم المساواة بين الشركات لاشراك كل الشركات الجيدة القديمة والجديدة في المنافسة على كعكة السوق المحلية.

ومن يدري فقد يكون أحد أو بعض أسباب خسائر شركات التأمين الكويتية
ناتجا عن الأسلوب الحكومي في التعامل مع شركات التأمين الوطنية. وما يثير الدهشة والاستغراب أن أغلب أعضاء مجلس ادارة اتحاد شركات التأمين ينتمون الى شركات تأمين كويتية حديثة الانشاء، وتعاني شركات بعضهم التمييز العنصري غير المنصف، كما يعاني بعضها أيضا خسائر واضحة، ورغم ذلك لم يحرك الاتحاد ساكنا طوال السنوات الماضية وكأن الأمر لا يعنيه.