أصدرت شركة كابيتال ستاندردز للتصنيف الائتماني تقريراً أخيراً حول قطاع تأمين السيارات الكويتي. وجاء فيه أنه بفضل النمو السريع في الاقتصاد الكويتي خلال العقد الماضي، شهد قطاع التأمين المحلي نمواً غير مسبوق منذ عام 1999. وفي حين أن الناتج المحلي الإجمالي الكويتي ارتفع بمعدل نمو سنوي مركب في 11 عاما بنسبة 13.46 في المائة، حتى 2010، إلا أن معدل إجمالي أقساط التأمين المكتتب بها زاد بمعدل نمو سنوي مركب بلغ 11.92 في المائة.

وقال التقرير انه ورغم معدل هذا النمو الهائل، فإن سوق التأمين في الكويت لا تقارن حتى الآن بحجم أسواق التأمين المتطورة بالعالم. بإلقاء نظرة سريعة على المكونات الأساسية للتأمين يتضح أن سوق التأمين المحلية أمامها طريق طويل كي تبلغ مستوى الأسواق العالمية كمعدل وسطي. فمعدل نفاذ التأمين في الكويت الذي يقاس وفق إجمالي الأقساط المكتتب بها إلى الناتج المحلي الإجمالي، خلال عام 2010، بلغ 0.58 في المائة فقط، وهي نسبة مخزية أمام المتوسط العالمي الذي يبلغ 6.86 في المائة. الأمر ذاته ينطبق على كثافة التأمين التي تقاس بمجموع الأقساط المكتتب بها إلى عدد السكان، إذ تمثل جزءا يسيرا من المعدل العالمي، حيث بلغ متوسط كثافة التأمين في العالم خلال 2010 نحو 625.20 دولارا، بينما كان في الكويت خلال الفترة المذكورة 235.30 دولارا فقط.

من جانب آخر، لفت التقرير إلى أن سوق التأمين الكويتية شهدت خلال العقد الماضي تدفق كميات كبيرة من رؤوس الأموال، بفضل إمكانية نموها المشار إليها وفق أساسيات قطاع التأمين، ومعد

أما أداء القطاع فتدهور في جميع شرائحه. ومع ذلك، بدا قطاع تأمين السيارات الأكثر تضررا في الصناعة، خاصة أن المنافسة في هذا الحقل مستعرة جدا. وجدير ذكره هنا أن شركات تأمين السيارات الأربع الكبرى في الكويت، وهي شركة الكويت للتأمين، والخليج للتأمين، والأهلية، ووربة، خسرت من حصتها السوقية بسبب المنافسة الحادة.

 

الضغوط التنافسية

يقول التقرير ان شريحة تأمين السيارات تشكل الركن الأساسي لجميع مزودي التأمين في الكويت، خاصة الجديدة منها. في بعض الحالات، تعد المساهمة في شريحة تأمين السيارات لإجمالي الأقساط المكتتب بها في كل الشركات مرتفعة وتصل إلى 90 في المائة. ويمكن تفسير اعتماد الشركات الحديثة بشكل كبير على شريحة تأمين السيارات من خلال التنوع المحدود في صناعة التأمين الكويتية، وسهولة دخول هذه الشريحة.

من جانب آخر، قال التقرير ان تأمين السيارات مهم لأصحاب السيارات، بسبب التكاليف المرتفعة ربما المتعلقة بالحوادث. وبالتالي، وفق معظم السلطات القضائية، يتحمل صاحب السيارة وفق القانون تكاليف تغطية بعض أنواع التأمين.

في الكويت، تعتبر وثيقة التأمين ضد الغير التي تغطي جميع الأضرار تسبب بها الطرف الآخر لحامل بوليصة التأمين إلزامية على جميع أصحاب السيارات. وهذا الإجراء القانوني، إلى جانب كثافة السيارات العالية، حيث ان كل 2.8 فرد يملك سيارة واحدة، يبرهن على أن شريحة تأمين السيارات هي أكبر شريحة تأمين على غير الحياة في سوق التأمين الكويتية.

في 2010، ارتفعت الأقساط المكتتب بها في سوق تأمين السيارات بالمجمل إلى 56.28 مليون دينار من مجموع سوق التأمين، و39.33 في المائة من سوق التأمين على غير الحياة. ومن حيث عدد بوليصات التأمين، يقول التقرير ان شريحة السيارات شكلت 86.29 في المائة من إجمالي عدد بوليصات التأمين على غير الحياة المكتتب بها محليا في 2010. وفي الأشهر التسعة الأولى من 2011، بلغت مساهمة قطاع تأمين السيارات إلى إجمالي أقساط التأمين المكتتب بها على غير الحياة وعدد البوليصات 43.20 في المائة، و88.18 في المائة على التوالي، مما يترك مجالا صغيرا أمام تنوع الصناعة.

كما لفت التقرير إلى أن فرص التنوع تبدو اصغر حتى بالنسبة لشركات التأمين التكافلي، لانها لا تقدم خدمة التأمين على الحياة. وبالتالي، الاعتماد المفرط في تأمين السيارات يظهر أكثر عند شركات التأمين التكافلي مقارنة بنظيرتها التقليدية. وبناء على ذلك، تعزز شركات التكافل بقوة من مركزها في شريحة تأمين السيارات.

ولهذا، وبسبب الافتقار إلى فرص التنوع، فإن عددا كبيرا من مزودي التأمين يعتمدون كثيرا على شريحة السيارات في أنشطتهم وأعمالهم التجارية، لتستعر المنافسة بطبيعة الحال في هذا الحقل.

 

قاعدة متجزئة

يقول التقرير انه إضافة إلى حجم القطاع، فإن طبيعته تساهم هي الأخرى في المنافسة الحادة بين الشركات على قطاع تأمين السيارات. وأورد التقرير صفتين اثنتين تميزان القطاع ولهما أهمية كبيرة وهما كالآتي:

1 – قاعدة العملاء في شريحة السيارات متنوعة جدا ومجزأة مقارنة مع شرائح التأمين على غير الحياة. علاوة على أن العملاء الأفراد في تأمين السيارات يراعون السعر جيدا، ولا يهتمون بالولاء إلى الاسم التجاري مقارنة بالعملاء في شرائح أخرى من الصناعة، وبالتالي، يعد تأمين السيارات أسهل شريحة لدخول شركات تأمين جديدة إلى السوق.

2 – بوليصات التأمين المكتتب بها في شرائح التأمين على غير الحياة الأخرى في السوق مكلفة بطبيعتها. على سبيل المثال، يعد متوسط المبالغ التي يؤمن عليها الفرد في شرائح مثل الحرائق والحوادث العامة أعلى بكثير من بوليصات التأمين على السيارات. وبما أن شرائح التأمين على غير الحياة أخطر من غيرها بسبب الالتزامات الأكبر، فإن شركات التأمين التي لديها قاعدة رأسمال كبير، وإمكانات اكتتاب قوية يمكنها العملل نمو الصناعة التاريخي، وإيرادات النفط المزدهرة. وحتى أواخر التسعينات، كانت هناك فقط 4 شركات تأمين محلية في البلاد هي شركة الكويت للتأمين التي تأسست سنة 1960، وشركة الخليج للتأمين، والشركة الأهلية للتأمين اللتان تأسستا عام 1962، وشركة وربة للتأمين التي تأسست سنة 1976. في الوقت الحالي، وصل عدد شركات التأمين إلى 32 شركة، من ضمنها 21 شركة محلية، تتنافس كلها على كعكة التأمين التي تبلغ 206.45 ملايين دينار (إجمالي الأقساط المكتتب بها في 2010 وفقا لوزارة التجارة والصناعة). أما أحدث شركة تأمين تنضم للسوق فكانت الشركة المتحدة للتأمين التي بدأت عملياتها التشغيلية في أواخر 2011. ويرى التقرير أن عدد الشركات في هذه الصناعة قد يزداد، خصوصا أن إدارة التأمين تحت لواء وزارة التجارة والصناعة، الهيئة الرقابية، لا تزال مستمرة بإصدار تراخيص التأمين.

من جانب آخر، ورغم التوسع السريع في إجمالي أقساط التأمين المكتتب بها، فإن عددا كبيرا من شركات التأمين في السوق تعد مصدر قلق، خصوصا أن نمو عدد اللاعبين في السوق يبدو أنه تجاوز معدل نمو الصناعة منذ 2005، إذ تضاعف عدد شركات التأمين مرتين خلال الفترة 2005 و2010. وبالتالي، انخفضت ربحية الصناعة بشكل حاد في العقد الماضي.

وتحقيق ربحية في هذه الشرائح. ولان قواعد رأس المال في الكثير من الشركات الجديدة في السوق صغيرة نسبياً، وممارساتها في ادارة المخاطر والاكتتاب أقل تطوراً مقارنة بالقديمة، فإن أغلب شركات التأمين الجديدة تتجنب الاكتتاب ببوليصات في شرائح محفوفة بالمخاطر. علاوة على أن حاملي بوليصة التأمين في قطاعات التأمين على غير الحياة المكلفة عادة ما يفضلون اللاعبين الكبار المدرجين في البورصة، الذين لديهم سجل حافل مقارنة مع الجدد، مما يجعل هذه الشرائح غير مطروقة لأغلب شركات التأمين المحلية في السوق. وجدير ذكره أن 6 من أصل 21 شركة تأمين محلية في الكويت مدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية.

 

تأمين ناضج

من جهة أخرى، لفت تقرير «كابيتال ستاندردز» الى أن سوق تأمين السيارات في الكويت ناضج، ومتصف بمعدل نمو ضعيف. فاجمالي عدد البوليصات المكتتب بها في الكويت خلال عام 2010 بلغ 1.17 مليون، في حين أنه بلغ 0.95 مليون في الأشهر التسعة الأولى من 2011. ومتوسط معدل نمو عدد بوليصات التأمين في السنوات الأربع الماضية كان 2.11 في المائة. ونمت الشريحة بمعدل نمو ثابت بلغ أكثر من ثلاثة في المائة بين 2007 و2009، قبل أن ينكمش بمعدل هامشي بلغ 1.46 في المائة في 2010. والتقلب المحدود التاريخي في معدل النمو هو مؤشر على أن السوق ناضج.

إلى هذا، تشكل وثائق التأمين ضد الغير حوالي 90 في المائة من اجمالي بوليصات التأمين على السيارات المكتتب بها في الكويت، وهي الجزء الأكثر استقراراً في الشريحة. أما امكانية ارتفاع شريحة وثيقة التأمين ضد الغير فتبقى محدودة، خصوصاً أن هذه البوليصات إلزامية من قبل القانون بالنسبة لسوق السيارات المزدحم جداً في الكويت. أما شريحة التأمين الشامل من جانب آخر، فلديها القدرة على النمو، لان عدد البوليصات الشاملة المكتتب بها يشكل جزءا صغيرا فقط من بوليصات التأمين ضد الغير المكتتب بها في الكويت. ومع ذلك، سجل سوق التأمين الشامل منذ عام 2007 نمواً محدوداً، حيث بقي معدل النمو أقل من متوسط النسبة 2.92 في المائة في الأعوام الثلاثة الماضية.

 

التراخيص الجديدة

في سياق آخر، لفت التقرير الى أن سرعة اصدار تراخيص التأمين التي زادت المنافسة خصوصاً في مجال الأسعار، الى جانب امكانية النمو المحدودة في شريحة التأمين على السيارات، خفضت من ربحية القطاع خلال العقد الماضي. ولم يكتب لمشاريع التأمين الشامل والتأمين ضد الغير النجاح في السوق الكويتي. ويعزو التقرير الأداء الباهت للقطاع الى السوق المتجزئ والعوائق التنظيمية.

أما بالنسبة للمنافسة الحادة بين اللاعبين فقد أدت الى تأثيرات مضاعفة على ربحية قطاع التأمين الشامل على السيارات، مما قلّص قوة التسعير، في وقت زادت تكاليف أنشطة الاستحواذ والتأثيرات كما يلي:

1 – قوة تسعير الصناعة المقدرة وفق حجم أقساط التأمين لكل مبلغ مؤمن عليه، انخفضت بحدة في الأعوام الأربعة الماضية. وفي عام 2007، بلغ متوسط الالتزام في كل وحدة قسط تأمين مكتتب به 24.85 دينارا كويتيا. وفي 2010، ارتفع هذا الرقم بنسبة 10.07 في المائة ليصل الى 27.36 دينارا. وبالتالي، كل وحدة من الايرادات في بيان دخل شركة التأمين أخطر وملزمة بالكثير من المطالبات مقارنة مع السابق قبل 4 سنوات.

2 – التأثير الثاني ينجم عن العمولة المرتفعة لوسطاء التأمين. اذ ان عددا قليلا من شركات التأمين المحلية التي لديها شبكة عمل واسعة من الأفرع في أنحاء البلاد، وذلك بسبب التكاليف الادارية والتوظيفية العالية المصاحبة لتشغيل المكاتب في مواقع مختلفة. وبالتالي، فان الأغلبية العظمى من شركات التأمين تعتمد بقوة على وسطاء التأمين في جذب الأنشطة التجارية. ولهذا، ومع ارتفاع عدد شركات التأمين، فان الطلب على وسطاء التأمين يرتفع، مما يقيد قوة مساومة شركات التأمين، وتدفع عمولة الوسطاء للارتفاع.

 

تسعير المخاطر

يقول التقرير إنه في حالة التأمين ضد الغير، فان التسعير يشكل نقطة ضعف مجددا. ومع ذلك، فإن المخاوف الأساسية التي تتعلق بالتأمين ضد الغير مرتبطة بتشريعات التأمين القديمة أكثر من موضوع المنافسة ذاته. فالتسعير ضد الغير تتحكم فيه الحكومة، ولا تستطيع شركات التأمين نفسها التدخل كثيرا في دراسة احصائيات المطالبات التاريخية، وعمر السائق، ونوع المركبة، وعوامل المخاطر الأخرى عند تسعير البوليصات. وبناء على ذلك، وعند الاكتتاب في بوليصة التأمين ضد الغير، قد تواجه شركة التأمين التزاما غير محدود من دون التسعير المستند الى المخاطر.

علاوة على أن التسعير الذي تحدده الوزارة، والذي يستند بشكل كبير على تشريعات صادرة عن سنة 1961، نادرا ما يتوافق مع زيادة أسعار قطع الغيار الناجمة عن تضخم الاقتصاد، وتطور تكنولوجيا المركبات. ووفق ما تقول مزاعم فان وزارتي التجارة والصناعة والداخلية وهما الجهتان المسؤولتان عن تأمين السيارات لم تقوما بأي مراجعة رئيسية للأسعار في العقدين الماضيين. ولان أقساط التأمين المفروضة ضئيلة جدا، شكلت وثيقة التأمين ضد الغير 29.99 في المائة من مجموع الأقساط المكتتب بها على السيارات، في حين شكلت 88.27 في المائة من مجموع عدد بوليصات التأمين على السيارات في الأشهر التسعة الأولى من 2011. ولهذا، فان الأغلبية العظمى من شركات التأمين الكويتية تكبدت خسائر كبيرة في وثائق التأمين ضد الغير.

 

رفع رؤوس الأموال.. بداية طريق إصلاح القطاع

 

يرى تقرير كابيتال ستاندردز أن الربحية الباهتة التي تسجلها شركات التأمين المحلية مؤشر على أن الصناعة بحاجة ماسة إلى إصلاحات. ويتوقع السوق من خطة التنمية الكويتية المؤجلة أن تحيي القطاع الخاص، بما في ذلك قطاع التأمين المحلي، حال البدء في تطبيقها بأقرب فرصة. ومع ذلك، إلا أن تحسن قطاع تأمين السيارات غير مرجح في المستقبل المنظور، إذا ما تمت معالجة تلك القضايا المتجذرة في هذه الشريحة.

في خطوة منها نحو إدراك المشاكل التي تؤرق صناعة التأمين، اتخذت وزارة التجارة والصناعة خطوة مهمة في عام 2011 لتعزيز مستوى القطاع. فرفعت متطلبات الحد الأدنى من رأس المال لشركات التأمين العام الماضي. وحتى إصدار المرسوم الوزاري رقم 510 الصادر في نوفمبر 2011، كان الحد الأدنى من رأس المال المطلوب دفعه منخفضا جدا، إذ بلغت متطلبات رأس المال المدفوع 150 ألف دينار فقط، وارتفعت متطلبات رأس المال إلى 15 مليون دينار لشركات إعادة التأمين، و5 ملايين دينار لشركات التأمين. هذه الزيادة الحادة في متطلبات رأس المال قد تشكل عائقا أمام دخول الشركات الجديدة، وتستأصل تدفق الشركات الجديدة في السوق المحلية. إضافة إلى أن السوق قد تشهد خروج بعض اللاعبين الصغار، إذا ما أخفقوا في التوافق مع التشريعات الجديدة ضمن الإطار الزمني المحدد. ومؤخرا ،أجبرت الوزارة شركة تأمين أجنبية على الخروج من السوق لعدم توافقها مع بعض التشريعات والقوانين. وإذا تراجع تجزؤ السوق نتيجة هذه التشريعات الأخيرة، فإن ضغوط التسعير قد تتقلص، وتحسن من ربحية القطاع.

إلا أن الصناعة بحاجة إلى المزيد من الإصلاحات على الصعيد التنظيمي. فتشريعات التأمين القديمة فيما يخص تسعير بوليصات التأمين على المركبات والمراقبة يجب مراجعتها وتعديل التسعير بما يتطابق مع أرض الواقع. في غضون ذلك، تقول «كابيتال ستاندردز» في تقريرها أن شركات التأمين ذاتها تركز على طرق لتنمية سوق تأمين السيارات الشامل، وتحسين كفاءة التكلفة لدعم الربحية، وتحفيز الشركات على ابتكار منتجات لمواجهة حرب الأسعار والمنافسة.