اعتبر العضو المنتدب الرئيس التنفيذي لشركة الخبير المالية عمار شطا أن عدم احترام المواطن للملكية الفكرية، والكثير من التداخل بين أعمال الجهات الحكومية في مرجعية أنشطة شركات الاستشارات المالية، يشكلان أكبر مشكلة تواجه صناعة الاستشارات المالية في المملكة.

وقال شطا في حوار مع "الوطن"، إن عدد شركات قطاع التأمين في مؤشر السوق السعودية أصبح مماثلاً تقريباً لعدد الشركات في قطاع البتروكيماويات، واصفاً ذلك بـ"المصيبة"، داعياً في ذات الوقت إلى إعادة هيكلة قطاع التأمين وإلغاء تراخيص الشركات التي لا تقوم بواجبها.

وإلى نص الحوار:

في البداية كيف تقيِم أداء شركات الاستشارات المالية في السعودية؟ وما هي أبرز التحديات التي تقف أمامها؟ وكيف تنظر إلى المنافسة في هذه السوق؟

أعتقد أن الأداء يرتبط بعمر الصناعة، وهذه الصناعة قديمة في العالم ويتجاوز عمرها أكثر من 200 سنة، ولكنها للأسف حديثة العهد في السعودية إذ لا يتجاوز عمرها عدة سنوات فقط، وفي رأيي الشخصي، أن أكبر مشكلة تواجه هذه الصناعة هنا هي أمران، الأول عدم احترام المواطن السعودي للملكية الفكرية، فصناعة البنوك الاستثمارية والمشورة تعتمد أصلاً على الفكر، تعتمد على الإنسان ومهنيته وعلمه، ولأن أغلب الشركات السعودية هي شركات عائلية بدأت من الصفر، فهناك إيمان راسخ لديهم بأن أفضل وسيلة لتحقيق الربح هو خفض التكاليف، وهذا صحيح نظرياً إلا أن عملية خفض التكاليف سلاح ذو حدين فقد تكون دواءً وقد تكون سُماً لأي شركة تجارية، فإذا افترضنا أن شركة ما خفضت التكاليف في قطاع الموارد البشرية وعينت من هم ليسوا بمستوى نمو الشركة وما وصلت إليه، وهذا للأسف ما يحدث في بعض الشركات العائلية، فإن ذلك يؤدي في النهاية إلى تصفية الشركة وفشلها ودخولها في مشاكل مالية وتشغيلية جمة. أما الأمر الآخر المؤثر على هذه الصناعة فهو المعوقات الحكومية والرقابية المعيقة لها، فمثلاً نحن كشركة استثمارية نعود في أنشطتنا للعديد من المرجعيات منها وزارة التجارة وهيئة السوق المالية والهيئة العامة للاستثمار ومصلحة الزكاة والدخل والعمل والعمال. ومن خلال التعامل نكتشف أن هناك الكثير من التداخل بين أعمال هذه الجهات، والتي تشكل في مجملها معوقات صعبة جداً لنجاح صناعة وليدة. ولعل أصعب أوجه المنافسة هو كيف توصل معلومتك للمستثمرين وكيف تقنع المستثمر بجدوى المنتجات التي تطرحها والمشورة التي تعرضها، وهذه الصناعة كما ذكرنا وليدة وحديثة العهد وإذا كان حجم رأس المال مناسبا فالمنافسة لن تكون بالصورة التي تثير المخاوف ونؤكد أن المعوقات الحكومية أكثر وأشد خطراً على هذه الصناعة من المنافسة.

كيف ولماذا أسست شركة الخبير المالية؟ ومتى أصبحت الشركة مرخصة من قبل هيئة السوق المالية السعودية؟

أُسِسَت الخبير المالية على خطة عمل وهيكل تشغيلي حديث يعتمد على هيكلة وابتكار وتطوير منتجات إسلامية لا يتم عرضها على المستثمرين إلا بعد إثبات جدواها وذلك عن طريق قيام الشركة باستثمار رأسمالها في هذه الصناديق الاستثمارية. وبمعنى آخر، إذا وُجِدت فرصة استثمارية فنحن نُنشئ حولها صناديق أو محافظ استثمارية، ومن ثم نستثمر رأسمال "الخبير" فيها ويشاركنا في الاستثمار فيها مستثمرون آخرون، وبالتالي يصبح المستثمر على يقين أن الاستثمار مدروس دراسة كافية من قبلنا وأن لدينا اهتماما كبيرا به كما لديه هو.

هل تعتقد أن شركات الوساطة في وضع مستقر حالياً بالرغم من الأحداث السياسية التي تعصف بالمنطقة؟

أعتقد أن وضع شركات الوساطة في السعودية لا يسر، فهذه صناعة ناشئة بدليل أنها من أكثر من 100 شركة استثمارية، هناك تقريباً 8-10 شركات كبرى فقط هي التي استطاعت أن تقف على أقدامها وتحقق أرباحا. أما على مستوى دول مجلس التعاون، فإن البنوك والشركات الاستثمارية البحرينية والإماراتية وحتى الكويتية في وضع مؤلم ولم تُكشف كثير من الوقائع والحقائق عن وضعها المالي حتى الآن. وأعتقد أنها ستعاني في الفترة القادمة لاقتراضها بنسبة عالية جداً باستخدامها الرافعة المالية أضعافا مضاعفة واستثمارها في مشاريع طويلة الأمد غير مدرة للتدفقات النقدية وبالتالي أعتقد أنها في أزمة. وبنظرة أوسع، نجد أن شركات الاستثمار المصرية تعاني أيضاً نفس المصاعب بسبب الوضع السياسي غير المستقر وفي رأيي الشخصي أن الوحيدة التي تستطيع في الوقت الحالي أن تقف على أرجلها في المستقبل هي الشركات الاستثمارية السعودية لاستقرار الوضع السياسي والاقتصادي بالمملكة.

ماذا عن الوضع الإقليمي للخليج، وبالأخص عن السعودية واقتصادها مع انحسار الأزمات الاقتصادية؟

أعتقد أن الوضع في العالم ككل غير مستقر، وبالتالي يؤثر هذا على الوضع في دول مجلس التعاون الخليجي، الأزمة القادمة التي يخشاها العالم هي أن تكون الصين قد دخلت في مرحلة ركود خاصةً أن هناك معلومات تفيد بأن بنوكها قد تأثرت تأثراً جذرياً من العملية التصحيحية في العقارات هناك وهذا في رأيي أهم خطر سيواجهه العالم وتواجهه الصناعة في منطقة الخليج العربي. لأن الصين لو دخلت في عملية انحسار اقتصادي فإن أسعار البترول ستنخفض وسيؤثر ذلك على الوضع المالي لدول الخليج، كما أن الوضع السياسي في بعض دول الخليج وعدم الاستقرار فيها قد يؤثر بأي شكل من الأشكال على الجارة الكبرى السعودية لأن من واجبها حمايتهم وبالتالي هناك عدم استقرار من هذه الناحية، ولكن الوضع في السعودية أفضل بكثير من الوضع في هذه الدول وهي الأفضل مقارنة بغيرها.

يمثل قطاع التأمين أحد أهم القطاعات الاقتصادية، لكنه حسب رأي الخبراء غير مستفاد منه بشكل كامل، كيف يمكن استثماره بشكل يخدم الاقتصاد السعودي؟

الحقيقة أن مؤسسة النقد العربي السعودي قد أخطأت بفتحها قطاع التأمين بالأسلوب الذي قامت به، وهي أن تحول هذه الشركات إلى شركات مساهمة، مما أدى إلى أن يصبح عدد شركات قطاع التأمين في مؤشر السوق السعودي مماثلاً تقريباً لعدد الشركات في قطاع البتروكيماويات وهذه مصيبة بحد ذاتها، وفي جانب آخر آلية اعتماد شركات التأمين دون مراعاة الكفاءة والخبرة في هذا المجال. فهناك شركات كثيرة غير عاملة أو تواجه صعوبات لعدم تملكها أو تطبيقها لخطة عمل واضحة ومدروسة وأصبح الهدف من تأسيس مثل هذه الشركات ينحصر فقط في تحقيق أرباح طائلة للمؤسسين من ورائها. وأعتقد أن هذه فقاعة ستنهار أو ستكلف المستثمرين الكثير من رؤوس الأموال، وأرى أن الحل يتمثل في إعادة هيكلة قطاع التأمين وإلغاء تراخيص الشركات التي لا تقوم بواجبها وإخراجها من السوق فوراً وتعيين الأشخاص المناسبين لإدارتها مع العمل على تطبيق أفضل وسائل الحوكمة في إدارة هذه الشركات.

يرى البعض أن قدرة الاقتصاد السعودي على استقطاب الاستثمارات جيدة، فيما يرى آخرون أنها مازالت ضعيفة، كيف تقيِّمون قدرة الاقتصاد السعودي على اجتذاب الاستثمارات العربية والأجنبية؟

أعتقد أنها أقل من ضعيفة، والسبب أيضا كبر حجم وعمق سيطرة القطاع الحكومي على القطاع الخاص، وبالتالي هناك معوقات كثيرة تؤثر على حركة القطاع الخاص بوجود كثير من الجهات الحكومية التي تعمل كل منها بطريقة منفردة وغير تناسقية. فوزارة العمل هدفها الأساسي رفع نسبة السعودة، ووزارة التخطيط توجد لديها خطط لكنها لا ترتبط بالواقع بشيء، ووزارة المالية تحمي البنوك ضد المستثمرين والمؤسسات.. إلخ، وبالتالي هذه المعوقات كبيرة جداً. ومن المعوقات أيضاً مزاجية الأنظمة، حيث يأتي هذا المسؤول ويفتح السوق على مصراعيه لكل من أراد أن يعمل في السعودية حتى لو محل فول أو محل سباكة، ومن ثم يغلق هذا الباب فجأة ويُخنق فيه الصالح والطالح وأعتقد أن هذه مزاجية والحل فيها واضح وبسيط.

من وجهة نظرك، ما هي أبرز العوائق التي تحد من فرص الاستثمارات في الدول العربية أو إعادة الأموال والاستثمارات العربية الموجودة في الخارج وخصوصاً الخليجية؟

هناك 5 أسباب رئيسية وللأسف كلها موجودة لدينا، أولاً ضعف آلية التشريع، الثاني التشريع دون مشاركة القطاع الخاص لأخذ المشورة منهم والاستفادة من خبراتهم، والثالث، المزاجية في التشريع، أضف إلى ذلك ضعف النظام القضائي الذي يؤدي إلى ضياع الحقوق أو التأخر في تنفيذها، أيضاً ضعف الجهات التنفيذية في تنفيذ الأحكام القضائية وبالتالي تضييع الحقوق. هذه مشاكل وللأسف مزمنة في الدول العربية ولا حل لها إلا بمشاركة القطاع الخاص والمواطن نفسه في مراقبة الجهات الحكومية وليس العكس صحيحاً.

ما هي نظرتك لسوق الأسهم السعودية؟

لقد أوضحت في عدة مقابلات تلفزيونية وصحفية أن سوق الأسهم سوق واعدة في هذه السنة وستحقق عوائد قد تصل بالسوق إلى 9200 نقطة إذا لم تكن 10000 نقطة، ولكن الأوضاع الخارجية المحيطة بالمملكة وخاصة بعض جيرانها تؤثر على السوق السعودية وعلى تعاملات المستثمرين وتزيد تخوفاتهم، إلى جانب الأوضاع الاقتصادية العالمية غير المستقرة، التي تؤثر الآن بطريقة غير مباشرة وقد تؤثر مباشرة على السوق السعودية. وإذا انخفضت أسعار البترول نتيجة ضعف الاقتصاد الصيني أو انهيار جزء من منظمة الاتحاد الأوروبي، فإنني أرى أننا دخلنا في مرحلة تصحيحية كما توقعت منذ نهاية العام الماضي ولن تنتهي إلا في شهر رمضان القادم وسنرى بعد ذلك صعودا قويا للسوق السعودية حتى نقطة 9200 نقطة ومن هناك لنا حديث آخر.