06-05-2012 بانوراما التأمين

ثمة اسئلة تتعلق بعدد من الحيثيات المرتبطة بتطلعات الدولة وقطاع التأمين حول معالجة مشكلات عالقة منذ سنوات طويلة وواقفة بقسوة أمام خطوات تطوير القطاع.

وهذه الحيثيات متعددة وفي مقدمتها موضوع تحرير اسعار التأمين الالزامي؛ حيث اقرت الحكومة السابقة البدء بتنفيذه اعتبارا من بداية العام المقبل، وتخوّف القطاع من تعديل القرار لمجرد تغيرت الحكومة ورأس الهرم في هيئة التأمين.

والمحور الثاني هو: مشروع التعليمات الخاصة بانشاء "صندوق ضمان وثائق التأمين.. والمحور الثالث هو: مفهوم الزامية التأمين ضد مخاطر الزلازل، ومحاور اخرى كثيرة توجتها توجهات الدولة نحو دمج هيئة التأمين ضمن منظومة اسواق المال، وقصة الحوافز الضريبية التي شكلت "الشماعة" التي علقت عليها الجهات المسؤولة تطلعاتها نحو اندماج شركات التأمين المحلية!

فأين القطاع من هذه الحيثيات المقرؤة كتابة والغائبة عن التطبيق جزئيا او كليا!؟
وأين هي آلية تطبيق وتعزيز التوصيات التي انتهت اليها لجنة الحوار الاقتصادي والمتضمنة رفع نسبة مساهمة القطاع في الناتج القومي الاجمالي الى نسبة 8 %-10 % والتعويم التدريجي للتأمين الالزامي على المركبات وغيرها من التمنيات التي طالما اثارها الخبراء والإعلاميون والمختصون على مدار ثلاثة عقود زمنية ونيف!

ورغم أنني أعيش التفاؤل بأن هذا القطاع سيكون له دور محوري في برهة من الزمن، ورغم مرور أكثر من خمسة عقود زمنية على بزوغ أول نشاط تأميني رسمي في السوق الأردنية إلا ان السوق المحلية بقيت صغيرة، ومعدل النمو بطيء!

وان الحاكمية التي صدرت التعليمات لتفعيلها وتعزيزها منذ سنوات، لم تأخذ طريقها الى التطبيق لغاية الآن ضمن قطاع التأمين، الا بمواقع صغيرة وضمن بعض الشركات!
وان حوافز الاعفاءات الضريبية لم تفلح بتحقيق هدف اندماج الشركات واثبتت فشلها.
واننا أمام معضلة كبيرة وهي تفتت وضعف الملاءة المالية والكفاءة الاستثمارية لشركات تأمين متواجدة في سوق محلية متخمة باعداد الشركات وعددها 28 شركة، واقتصادنا المحلي لا يستوعب أكثر من عشر شركات مؤهلة وقوية ومتخصصة من خلال الالتزام بنوعية وجودة عالية في الخدمة فنيا ومالية واداريا وتنظيميا!

وان قلق شركات التأمين سيبقى قائما على مدار الساعة منذ هذه اللحظة حتى بزوغ فجر الأول من كانون الثاني (يناير) في العام الجديد 2013 وهو الموعد المحدد للبدء بتنفيذ قرار تعويم اسعار التأمين الالزامي!
وفيما يخص الارتقاء بمساهمة القطاع في الناتج القومي الاجمالي الى المستويات العالمية، فانه لن ولم يتحقق هذا الهدف الا بالارتقاء بمنظومة الاعلام التأميني، وتعزيز الزامية التأمين في كافة الفعاليات المجتمعية والاقتصادية. وهذا لن تؤتى ثماره الا بتحسين مستويات الدخول الفردية وسد فجوة الثقة المتجذرة بين شركات التأمين وحملة الوثائق!
والسؤال هو: متى وكيف سيتحقق ذلك!؟

وبالنسبة لصندوق ضمان وثائق التأمين، فلقد انطفأ سراجه، ولكن ما المانع ان يكون البديل العملي القابل للتطبيق قائما وهو: المجمعات التأمينية المتخصصة، وهل انشاء هذا الصندوق يحمل بين ثناياه ايجابيات ام سلبيات؟

اسئلة عديدة تبقى عالقة، حتى اذا ما اقرّت التعليمات بشكل او بآخر، فإن الجانب المضيء المتوقع في هذا التوجه، وهو حماية ضمان حقوق تعويضية للمؤمن لهم، سيبقى خاضعا للتجربة والتقييم بين النظرية والتطبيق، أما الجوانب المظلمة فهي عديدة، وفي مقدمتها الجانب الاهم وهو: اين دور الرقابة في التأكد من ملاءة شركات التأمين المالية وقدرتها على تسوية المدفوعات المستحقة عليها في المواعيد المحددة؟، واين الاجراءات القانونية الحاسمة بحق الشركات التي لا تؤهلها قدراتها المالية للاستمرار بالعمل طبقا للمعايير المتعارف عليها عالميا، والمطبقة محليا؟ واين تعليمات هيئة التأمين، التي نصت على وجوب البت في أي مطالبة مالية، عن اضرار الحوادث خلال خمسة ايام عمل ودفع المبالغ التعويضية المتفق عليها خلال يومي عمل الى الجهات المستحقة اليهم؟ واين دور الاتحاد والقيادات المتميزة ضمن القطاع في التوكيد على اهمية انشاء المجمعات التأمينية المتخصصة ومن خلالها يتم تفتيت المخاطر، وتوزيعها وضمان التعويض عنها؟، وللقطاع تجربة ناجحة في هذا المجال!!
وحيث اصبحت هيئة التأمين بعد عملية اعادة الهيكلة بالدمج ضمن منظومة اسواق المال، فإن الحل الامثل امام قطاع التأمين في سبيل ان يسير قدما الى الامام، هو ان تصدر التعليمات الناظمة والكفيلة بالمزيد من التداخل والتكامل بين البنوك والتأمين؛ حيث يتشابه القطاعان بأن كل منهما وعاء ادخاريا.

وخلاصة القول؛ حيثيات وقرارات عديدة ما تزال معلقة او مؤجلة او ربما منسية، وهي في صميم متطلبات استقرار وتواصل العمل التأميني الهادف ضمن منظومة الفعاليات الاقتصادية، فهل تقوم الجهات المسؤولة بحكم اختصاصاتها ببلورة الصورة الفعلية لهذه الحيثيات، وترجمتها الى منظومة متكاملة من القرارات الهادفة؟