سلسلة من القرارات اتخذتها وزارة الصحة على مدى العامين الاخيرين افرغت التامين الصحي الحكومي من مضمونه. فمن جهة ادت تلك القرارات الى رفع كلفة التامين على الموظف، وبشكل يقترب من كلفة القطاع الخاص.

ومن جهة ثانية ادت الى حدوث تدن واضح في مستوى الخدمات المقدمة للمشترك. سابدأ من اخر القرارات، حيث قررت الوزارة قبل ايام رفع نسبة التحمل للمؤمن صحيا الذي يراجع مستشفيات القطاع العام المتعاقد معها مباشرة الى ثلاثين بالمائة بدلا من عشرين. حجتها في ذلك ان الوزارة تؤمن الخدمة لمن يراجعها من المؤمنين دون تحمل اية مبالغ. وهي الحجة التي لا تصمد امام شكاوى المؤمنين من محدودي الدخل الذين يؤكدون ان مراجعة مستشفيات ومراكز الوزارة تحولت الى عقوبة بحكم المواعيد الطويلة جدا والتي تصل الى ستة اشهر من اجل مقابلة الاخصائي. وتنتهي بفحص من قبل طبيب مقيم فقط. بحكم نقص الاخصائيين وكثرة الضغوط عليهم.

ومن القرارات التي تعزز فرضية افراغ التامين من مضمونه ما سبق ان اتخذ بشان رفع اجور المعالجات الطبية حيث شمل قرار الرفع كافة الاجراءات الطبية واثمان الادوية. ومن بعد ذلك الزام مراجعي الطوارئ بدفع كلفة المعالجة بحجة ان غالبية الحالات المراجعة ليست طارئة. وترافق القرار مع هامش واسع لتحديد ماهية الحالة الطارئة من غيرها. وهامش اكثر للتعامل مع هذا الملف من زاوية المحسوبية والواسطة. كل ذلك تزامن مع شح في مجال الادوية، فلا يكاد يمر يوم دون تلقي شكاوى من ان عدم توفر بعض انواع الادوية، والزام المريض بشراء حاجته من السوق، من خلال التهرب من مسؤولية تأمينه له على حساب التأمين الصحي. وعدم قدرة الوزارة غلى توفير نماذج بطاقات التامين الصحي، والاستعاضة عنها بورقة عادية تصرف مؤقتا للمشترك مقابل رسم يصل الى ثلاثة دنانير.

بالطبع هناك امثلة كثيرة يمكن الاشارة لها في معرض الحديث عن هذا الملف. الا ان قمة ما يحدث هو الهدر الواضح في مقدرات التامين الصحي. فسواء تم انفاق هذه المقدرات على متنفذين ووزراء ومسؤولين، او كنفقات لاستحداث اقسام لاجراء عمليات كبرى في بعض المستشفيات، كلها اوجه هدر ليست ضمن الاولويات. فنحن نتمنى ان يكون لدى كل مستشفى القدرة على زراعة الاعضاء. لكننا قبل ذلك بحاجة الى تامين دواء لمرضى السكري والقلب. وبحاجة الى تسديد ديون مستشفيي الجامعة والملك المؤسس وهما على وشك الافلاس بسبب مماطلة وزارة الصحة في تسديد ما عليها من التزامات لصالح المستشفيين. وقبل ذلك نحن بحاجة الى توظيف اطباء من مختلف التخصصات لتمكين المراجع من الحصول على الخدمة في زمن معقول. وبالتالي الحد من مراجعات المرضى لمستشفيات القطاع العام المتعاقد معها.