22-07-2013 – الرياض

طالب خبراء ومهتمون في مجال التأمين وزارة الصحة أن لا تعتمد على الشركات التجارية في تطبيق برناج التأمين الصحي للمواطنين؛ لأنّ هدفها الربح، وصحة المواطنين لا تقبل المزايدة والدخول في مسائل الربح والخسارة، مستدلين بفشل التجارب العالمية في التأمين الطبي الذي تولته شركات تجارية، وخير مثال على ذلك الكادر الصحي في «أميركا»، حيث إنّ التأمين الصحي لم يشمل جميع المواطنين رغم جودة الخدمات، إذ لا يستفيد منه إلاّ الأغنياء فقط؛ مما يعني أنّ هذا النظام قد لا يضمن الشمولية والعدالة في الخدمات الصحية؛ لأنّه يعتمد على الأسس التجارية، ومن لديه مقدرة مالية كافية سيحصل على أعلى الخدمات، بينما من لا يملك هذه المقدرة لا يمكّن من الحصول على الخدمة المناسبة.

تجارب عالمية أثبتت فشل «الشركات التجارية» وأكبر دليل الكادر الصحي في «أميركا»

وبيّن الخبراء أنّ تأجيل التأمين الصحي أفضل من التسرع في تطبيقه، على الرغم من وجود وضع ملح لتفعيله في المستشفيات العامة لتطال جميع المواطنين؛ لأنّ السلبيات التي ستنشأ ستكون أكبر بكثير من الفائدة المرجوة منه، خصوصاً أنّ القطاع الصحي ممثلاً في الجانب الحكومي في الوقت الراهن يملك إمكانات أكبر بكثير من القطاع الخاص، الذي يحوّل في بعض الحالات المرضى إلى مستشفيات الدولة الحكومية، التي تمتلك الكفاءات الطبية التخصصية والاستشارية التي أثبتت كفاءتها في المجال الطبي.

خطوات حكيمة

ورأى «سعود المدعج» -عضو اللجنة الصحية في الغرفة التجارية خبير في مجال التأمين- أنّ التأخير في تطبيق التأمين الصحي على المواطنين مقبول؛ لتلافي العجلة والأخطاء التي قد تفشل المشروع لو لم تعالج كل خطواته بحكمة، مبيناً أنّ المشروع إن طبق بعيوبه سيتعذب المواطن حتى يأخذ الخدمة الطبية التي وُعِدَ بها، كما سيتعذب القطاع الخاص كي يأخذ مستحقاته من شركات التأمين، وسنجد أنفسنا داخلين في مشاكل لا حصر لها، وسيكون الوضع الطبي الحالي أفضل بكثير، معتبراً أنّ التروي ومعالجة النقاط السلبية كفيل بنجاح المشروع.

وقال إنّ وجود تجربة للتأمين الصحي مع الوافدين يفترض أن يتم النظر في سلبياتها وتحاشيها، قبل إقرار نظام التأمين الصحي للمواطنين، مضيفاً: «يفترض أن تعالج جميع السلبيات حتى لو تأخرنا عاماً آخر، ليست هناك مشكلة، لكن المشكلة أن ينزل تطبيق التأمين الصحي وهو غير مكتمل»، مشيراً إلى أهمية أن يكون الجميع عارف بتفاصيل النظام، حتى يتمكن من الإفادة منه بشكل كامل، ويحقق البرنامج الهدف من إقراره.

وأضاف أنّ المستشفيات التخصصية في المملكة يجب أن لا تدخل في موضوع التأمين؛ لأنّ هذه خدمة تقدم للمواطن من الدولة، كما أنّ تحويل المستشفيات التخصصية إلى عامة يعود بنتائج سلبية، حيث تظل تستقبل الحالات التخصصية، أمّا الخدمات الطبية ذات الطابع الاعتيادي، مثل: المنظار، وعيادات الأنف والأذن والحنجرة، وكل ما لا يحتاج للتحويل للمستشفيات التخصصية يكون على التأمين، منوهاً بأنّ المواطن له الحق في الحصول على العلاج التخصصي من دون أي تأمين.

وأشار إلى أنّ الفارق بين الوضع الحالي والوضع الذي سيستجد بعد تطبيق نظام التأمين الصحي على المواطن يكمن في التخفيف عن الدولة في الخدمات المقدمة من وزارة الصحة، والمستشفيات العسكرية للمواطن، مشيراً إلى أنّ التأمين سيفتح الخيارات أمام المواطن، فمثلاً لدينا(530.000) معلم ومعلمة، وهذا الجزء المهم لو تمت تغطيته بتأمين، وفتحت له الخيارات سيحد كثيراً من الأعباء التي تتكفلها الدولة في علاجهم وأسرهم، وكذلك بالنسبة للقطاعات الأخرى.

خصخصة المستشفيات

وقال «فؤاد المشيخص» -خبير في مجال التأمين-: «شركات التأمين لا تزال غير مهيئة، كما أنّ وزارة الصحة تتسلم المال الكثير لتنفقه على الخدمة الطبية التي تريدها أن تكون مثالية، بيد أن الشركات لا تتمكن حالياً في صنع الرؤية المثالية، ويلزمها الوقت؛ مما يدّل على أهمية التأجيل وفقاً لهذه الظروف، وحتى ننجح في الخطة الاستراتيجية للتأمين الصحي للمواطن يجب أن يسبق التطبيق مجموعة من الخطوات بالغة الأهمية، منها: تخصيص القطاع الصحي، إذ لا نتمكن من تحويل المرضى على الشركات وأنت لديك الكثير من المستشفيات، إلاّ إنّ أجرتها أو خصصتها».

وأضاف: «لا تزال شركات التأمين لا ترتقي لمستوى الطموحات، من خلال الخدمات التي تقدم للمواطن، ونحن نرى بأنّ الأشخاص العاملين في القطاع الخاص الحاصلين على تأمين صحي يعانون من شركات التأمين، كأن يطلب منهم الموافقة على إجراء أشعة، وقد تأخذ يوماً أو ساعات، في حين أنّ المريض يريد أن يحصل على الخدمة سريعاً، وهذا لا ينسجم مع طموحات العاملين في الشأن الطبي في المملكة؛ لأنّ الخدمات الطبية تقاس بالثواني وليس بالدقائق فضلاً عن الساعات».

وأشار إلى أنّ شركات التأمين لا تستوفي الشروط المثالية حالياً، حيث آليات العمل فيها بطيئة جداً، وإن استلمت تلك الشركات الخطة الاستراتيجية وهي على حالها ستخلق الكثير من المشاكل الطبية مستقبلاً، وهو ما لا يريده الجميع بطبيعة الحال، مبيّناً أنّه إذا لم تتغير الذهنية الإدارية للشركات العاملة لن نستأمنها على صحة المواطن، خاصةً أنّ أمثلتها الحالية شاخصة أمام الأعين، لافتاً إلى أنّ الهدف النهائي لدى الشركات ليس صحة المواطن، بل الربح المادي، وهو نقيض لما تصبو إليه وزارة الصحة، مطالباً بإيجاد حلول واقعية لكبح جماح تلك الشركات قبل استئمانها على صحة المواطنين.

خطط زمنية

وأكّد «المشيخص» على أنّ التسرع غير المدروس لبرنامج التأمين له نتائج عكسية على الصحة في بلادنا، مضيفاً: «لا أتوقع أن تلجأ وزارة الصحة لخطوات مستعجلة في تطبيق التأمين بدون وجود دراسة كاملة وترتيبات مسبقة، ومن الممكن أن يتم التأمين على شكل دفعات، كأن يتم الابتداء بموظفي الصحة، أو العامل الخاص، فإن تصورنا وجود ملايين العمال وفرض التأمين وعالجنا السلبيات، واكتشفنا بأن الأعداد الكبيرة هل يمكن استيعابها؟، أو أنّ الشركات غير قادرة على ذلك عندها سنعرف كيف نصحح الأخطاء على شكل دفعات وليس تركها لتتفاقم»، منوهاً بأهمية وضع خطط زمنية لتطبيق أي خطة استراتيجية، مشدداً على أنّ تحويل كل السعوديين لتأمين صحي يعني أن نكون قادرين على تقديم كل الخدمات الصحية لهم، ولن يكون هناك ما يعرف ب»التأمين المتدرج»، فكلهم سيكونون في درجة واحدة وعالية، وذلك يجبر شركات التأمين على تقديم خدمات كبيرة توازي البطاقة التأمينية التي تسعى لها الدولة.