19-09-2013 – بانوراما التأمين

الكويت – تداول المواطنون هذه الأيام الحديث عن قرب وزارة الصحة من إقرار التأمين الصحي للكويتيين، أسوة بما تم اقراره في بعض الدول الخليجية.ولعل هذا الأمر جاء باعتقاد بأن ذلك سيساهم في تقديم رعاية صحية أفضل للمواطنين كما يزعم بعض أعضاء مجلس الأمة الذين يتبنون هذا الطرح دون فهم، بل ذهب البعض منهم الى ترويج ان التأمين سيكون شاملا ويغطي جميع دول العالم بحيث يستطيع الكويتي ان يتعالج في أي دولة في العالم متى شاء…..!!!

في لقائه على قناة الوطن يوم أمس الأول في برنامج تو الليل، ونشكر قناة الوطن التي دائما تلامس قلوب المواطنين في المواضيع التي تقدمها للمشاهد، ذكر معالي وزير الصحة الشيخ/ محمد العبدالله بأن هناك من أصبح «يفهم في كل مجال»، وهذا بالضبط ينطبق على من يروج للتأمين الصحي وهو أبعد ما يكون عن أهمية اقراره ومدى فائدة المواطن منه أو حتى تكليف نفسه عناء الاطلاع على تجارب الدول الخليجية المجاورة ونخص هنا بعض أعضاء مجلس الأمة الذين يجوبون الدواوين ويصرحون بأهمية التأمين الصحي، كما حدث حين اقر قانون «المدينة الطبية» في المجلس المنحل واعطائه أولوية على قوانين الاصلاح السياسي، فبسبب عدم اختصاص من تقدم بهذا الاقتراح، ومن صوت عليه، مازال غير واضح الهدف، وغير قابل للتطبيق وسيكون مصيره كمصير المدينة الطبية في امارة دبي ذات التسهيلات الكبيرة التي تمنحها حكومة الامارة، والتي لا تستطيع الكويت ان تمنح مثل تلك التسهيلات، فكان مصير المدينة الطبية في دبي الفشل.وهذا الشيء نفسه ينطبق على التأمين الصحي، فأقرب مثال حي لنا تم تطبيقه في امارة أبو ظبي التي تم فيها اقرار التأمين الصحي للمواطنين أخيرا وكانت النتيجة تزاحم المواطنين على المستشفيات الخاصة مما تسبب في تردي الخدمات بها وطول فترات الانتظار.

ان المستفيد الوحيد في حال إقرار التأمين الصحي هو شركات التأمين التي تنتظر على أحر من الجمر هذه «الكيكة»، كما حدث في عام 2000 عندما تم اقرار القانون رقم 1 لسنة 1999 في شأن التأمين الصحي على الأجانب وفرض رسوم مقابل الخدمات الصحية، والذي تم تجميده الى الآن بسبب الأخطاء الشنيعة التي ارتكبتها وزارة الصحة في ذلك الوقت من عدم جاهزية الوزارة لتطبيقه وتعيين مسؤولين غير مختصين في تطبيقات التأمين الصحي فكانت النتيجة ان شركات التأمين حققت عوائد مالية دون ان تفي بالتزاماتها المالية لوزارة الصحة والتي كان على قائمة مشاريعها بناء ثلاثة مستشفيات للتأمين الصحي من الأموال التي ستحصلها من التأمين الذي دفعه الوافدون، بحيث كان من المخطط ان ينتهي بناء تلك المستشفيات في 2007 وبذلك ستخلو كل المستشفيات الحكومية من الوافدين وستكون الخدمة فيها مقتصرة فقط على المواطنين.واليوم لدينا ادارة قائمة في وزارة الصحة للتأمين الصحي ولا ندري ما هي أهميتها؟!
وزارة الصحة تفتقر للرؤية الواضحة في تقديمها لخدمات الرعاية الصحية، فهي ما بين ان تكون نوعية وتعددية، وهو ما افقدها خصائص كلا النوعين. كذلك تعاني الوزارة من ترهل في هيكلها التنظيمي، ووجود صراعات بين مسؤوليها، والتدخل السافر لبعض أعضاء مجلس الأمة، فلا يمكن لها ان تتقدم في مثل هذه الظروف، ففي الوقت الذي تتجه فيه الوزارة الى التفكير في خصخصة بعض القطاعات والتأمين الصحي على المواطنين، نجدها تتوسع في بناء المستشفيات والمراكز الطبية، بل ان هناك توجهاً لمضاعفة السعة السريرية خلال الأربعة أعوام القادمة كما صرح بذلك معالي وزير الصحة، وهو ما يكشف عن تضارب بين الخطط المستقبلية للوزارة.ففي مارس من عام 2011 نقلت الصحافة المحلية مؤتمرا صحافيا عن شراكة بين وزارة الصحة والهيئة العامة للاستثمار ووزارة المالية لتأسيس «شركة مستشفيات الضمان الصحي» وفق القرار الوزاري رقم 26 في 14 يناير2008 لتكون باكورة خطة التنمية الاقتصادية، ولا ندري الى الآن ما مصير هذه الشركات!!

لدي قناعة منذ ان بدأت السنوات العجاف على وزارة الصحة بأنه لا يصلح لحقيبة الوزارة الا أحد أبناء الأسرة الحاكمة، ممن عرفنا عنهم الحياد وترجيح المصلحة العامة، حيث سيكون متجردا من المصالح ويضع حدا لصراع المسؤولين فيها، وسيستطيع مجابهة ابتزاز بعض أعضاء مجلس الأمة.فبداية تأسيس الكيان التنظيمي لوزارة الصحة كان على يد المغفور له باذن الله الشيخ/ صباح السالم الصباح، والذي عين في عام 1959 كأول رئيس لدائرة الصحة، قبل الدستور وتنظيم الدولة بالوزارات، فاستطاع احداث نقلة نوعية في الرعاية الصحية لتسجيل المواليد ومكافحة مرض السل وارسال فرق طبية تجوب البلاد لتوعية الناس وقبلت الكويت في عام 1960 كعضو في منظمة الصحة العالمية وافتتح في وقته أكبر مستشفى مازال قائما وهو مستشفى الصباح، ويكون –رحمه الله- بذلك قد وضع اللبنة الأساسية لما يجب ان تكون عليه الرعاية الصحية، وجاء الدستور في المادتين 11، 15 ليؤكد وجوب ان تلتزم الدولة بتقديم الرعاية الصحية.
نأمل ان يستطيع الشيخ/ محمد العبدالله ان يجنبنا كمواطنين دهاليز التأمين الصحي الذي لن يحقق ما نطمح اليه من رعاية صحية حكومية ومجانية للمواطنين فقط، وأن يعاد تطبيق قانون التأمين الصحي 1999/1 على الوافدين الذين يعمل أغلبهم في شركات خاصة هي المسؤولة عن توفير الرعاية الصحية لهم كما هو الحال في شركات القطاع النفطي، وهذا النظام الصحي معمول به في المملكة العربية السعودية، وبذلك ترتقي الخدمات الصحية بما يتواكب مع طموحات وتطلعات المواطنين وبما يقدم خدمة مميزة ونوعية في نفس الوقت، بعيدا عن المزايدات الانتخابية لبعض أعضاء مجلس الأمة، في وجود وكيل للوزارة وهو د.خالد السهلاوي، الذي عرف عنه اخلاصه وتفانيه في العمل وخدمة المواطنين وتحقيق مستويات متقدمة في الرعاية الصحية.

د.فوزي سلمان الخواري