الحديث ذو شجون عن قطاع التأمين في اليمن والذي عملت فيه لأكثر من ستة أعوام. هذا السوق القديم (تأسيساً) الحديث (منظوراً) مازال يُعاني من تعثرات كبيرة جداً رغم أهميته في رفد الإقتصاد اليمني وتقليل العبء على الحكومة عند وقوع الكوارث والحوادث الجسيمة. عندما حضَّرت رسالة الماجستير في إمكانية مواجهة هذا القطاع للمنافسة العالمية في حال دخلت اليمن في منظمة التجارة العالمية، أثبتت الدراسة أن السوق غير قادر على مثل تلك المواجهة بسبب عدد كبير من المعوقات الإقتصادية والإجتماعية والتجارية في البلد. ولعل أهم ما يُميز هذا القطاع ما يلي:
· سوق التأمين اليمني صغير جداً مقارنة بأسواق الدول حتى في منطقتنا العربية بحيث لا تتجاوز أقساط هذا السوق كاملة (لعدد 15 شركة عاملة) أقساط شركة واحدة في الخارج (حوالي 75 مليون دولار للعام 2010م)!
· المنافسة في هذا القطاع تتم على نفس الشركات، حيث الإستثمار متعثر ولا توجد برامج تسويق حقيقية للشركات الجديدة. ناهيك عن أن الشركات العملاقة كالنفطية لا تثق في أداء الشركات المحلية وتقوم بالتأمين على أعمالها خارجياً (رغم وجود قانون ينظم هذه العملية)! ولا توجد دراسات تأمينية حقيقية عند المنافسة في سوق التأمين اليمني! فدراسة الخطر وتحديد القيمة التأمينية بناء على هذه الدراسة شبه معدوم، ولا توجد إدارات حقيقية للبحوث والتطوير، ولا إدارات قانونية في هذه الشركات، وتتم المنافسة بناء على العلاقات الشخصية، وسعر المنافس، ونسبة العمولة، وغيرها من النقاط التي لا ترقى بمستوى العمل التأميني الحقيقي.
· التشريعات الخاصة بهذا القطاع تتم في الغرفة التجارية من قبل أشخاص لا علاقة لهم بالتأمين، والاتحاد اليمني للتأمين الذي تم تأسيسه لهذا الغرض يقوم فقط بدور الوسيط في حل النزاعات بين الشركات المحلية ولم يستطع أن يحقق نجاحاً في إصدار تشريعات تحمي هذا السوق من الزوال!
· 95% من موظفي شركات التأمين حصلوا على خبراتهم داخل شركات التأمين حيث لا يوجد تخصص في جامعة صنعاء يدرس هذا العلم، وتقوم شركات التأمين المحلية بالتنافس فيما بينها على نفس الكادر الموجود حيث تتضارب وتتقاطع مصالحها بسبب هذا الشيء.
· الوعي التأميني لدى المواطن اليمني ضعيف جداً ولا تقوم شركات التأمين بدورها في رفع هذا الوعي بهذا القطاع المهم إقتصادياً للبلد. والتأمين يُعد للمواطن العادي من الكماليات، ناهيك عن العادات والتقاليد المرتبطة بالدين والتي تعتبر التأمين من المحرمات شرعاً.
· برامج التأمين المحلي برامج ضعيفة لا ترقى إلى المنافسة في السوق العالمية فكثير من بوالص وعقود التأمين مجرد عقود مكتوبة ومنقولة عن عقود وبوالص من الخارج ولم يتم تطبيقها في البلد وليست ذات جدوى حقيقية، كما أن شركات التأمين تحاول التملص من إلتزاماتها عند وقوع كوارث وحوداث مؤمن منها وهذا هو الشعور الثابت بين المواطنين، ولذلك لم تستطع هذه الشركات الترويج الحقيقي لبرامجها تلك.
· بالرغم من إفتتاح شركات ونوافذ إسلامية محلية إلا أن فكرة التأمين بحد ذاتها فكرة ما زالت بعيدة عن خاطر التاجر اليمني، والدليل على ذلك أن كبار التجار مازالوا غير مقتنعين بالعملية التأمينية لمشاريعهم تحت مقولة "المؤمن الله سبحانه وتعالى". كما أن بنود وشروط بوالص وعقود التأمين التي تصدرها الشركات التجارية والشركات الإسلامية هي نفس العقود، لا يفرقها إلا لفظ الجلالة في أعلى بوليصة التأمين الإسلامية!!
· أغلب شركات التأمين المحلية ليست شركات بالمفهوم الحقيقي تقوم بالتأمين الذاتي، بل هي عبارة عن وسطاء لشركات غربية تأمين وإعادة تأمين، حيث تقوم هذه الشركات فقط بالتأمين على أعمالها في الخارج وتأخذ العمولة وبذلك فأكثر من 60% من أقساطها تذهب لخارج البلد ولا يستفيد منها الاقتصاد المحلي!
· شركة خاصة واحدة في السوق اليمني تستحوذ على حوالي نصف أقساط السوق، بينما هناك شركات أقساطها لا تتعدى أقساط بقالة كبيرة في العاصمة صنعاء وتستمر بأداء أعمالها ببركة "الحنجل والمنجل"!! كما أن عدد كبير من الشركات المحلية تعاني من ظروف مادية بالغة السوء ولا تستطيع الإيفاء بإلتزامتها أمام المؤمنين، وهذه الشركات إما حكومية "تستمر بأداء نشاطها بدعم من الدولة كي لا يُقال أن الدولة غير قادرة على التأمين على مشاريعها" أو خاصة "تتبع مجموعات إقتصادية صغيرة كان الأساس في تأسيسها حماية مشاريع تلك المجموعات من الكوارث والحوادث"!! فإحدى أولى شركات التأمين في اليمن والتي تم تأسيسها في عدن في أواخر ستينات القرن الماضي تعاني من تعثرات هائلة ولم تقم بتوفير رواتب موظفيها منذ أمدٍ طويل، كما أنها تقوم بالتأمين على السيارات "طرف ثالث" عبر الإدارة العامة للمرور بالجمهورية بسعر زهيد (3500 ريال) لا يمكن أن يحقق أي ربح (وهو بالمناسبة تأمين حبر على ورق حيث لا يتم تعويض أي مؤمن بشكل حقيقي كون التأمين الحقيقي للطرف الثالث حسب الدراسات يعادل 20000 ريال)!! ومثل هذه الشركات تمثل عائق أمام نمو بقية الشركات العاملة كونها تؤثر سلباً على أداء هذا القطاع وترسل صورة وسمعة سيئة عنه لدى التجار والعامة، إضافة إلى الظلم الذي يعانيه موظفوها من أبناء البلد المؤهلين تأهيلاً عالياً ويمثلون ندرة في الهيكل الوظيفي للدولة!
· في العام الماضي 2011م بالرغم من فرضية زيادة أقساط التأمين نتيجة للحراك السياسي والإقتصادي بالبلد الذي أدى إلى وجود حوادث وكوارث جسيمة بالبلد كان يُفترض أن يتم التأمين منها، إلا أن الواقع أن شركات التأمين باشرت برفض كل الحوادث المتعلقة بالإضطرابات والشغب والتملص من إلتزاماتها، كما أن توقف عددا من المشاريع الصناعية والعقارية والسياحية وشل حركة التجارة في عدد من المدن اليمنية بسبب الاضطرابات الأمنية أدى إلى انخفاض الأقساط التأمينية لشركات التأمين اليمنية بحوالي نسبة 50% عن العام 2010م.
وعليه ولكي يعود هذا القطاع الحيوي إلى سابق عهده، بل لكي يتم تطويره ليستوعب حجم التحديات التي تواجهها البلد إقتصادياً، لابد من القيام بعدد من الخطوات التصحيحية والوقائية مثل:
· قيام الدولة بفتح قسم في جامعة صنعاء لتدريس علم التأمين لندرة هذا التخصص بدلاً من المخرجات العادية التي ملئت أسواق العمل وشكلت بطالة رهيبة في هذه الأسواق.
· إعادة هيكلة شركات التأمين ودمج بعضها فليس من الحكمة أن توجد شركات بعباءة مالية صغيرة لا تستطيع أن تؤمن على مصنع صغير وتمارس أنشطتها وتسيء لسوق التأمين أكثر مما تنفعه.
· أن تقوم وزارة الصناعة بإعادة هيكلة الإدارة العامة للرقابة على شركات التأمين كي تقوم هذه الإدارة بدورها الحقيقي في الرقابة على برامج هذه الشركات والرفع بالمخالف منها، والتأكد من حجم إعادة التأمين، ومتابعة إستصدار قوانين ملزمة بالتأمين في البلد.
· إلزام شركات التأمين المحلية برفع رؤوس أموالها بما يتناسب وحجم التحديات والتأمينات التي تواجهها، فما زالت بعض الشركات لديها رأسمال 100 مليون ريال فقط وهو مبلغ لا ينفع لفتح مطعم متوسط الحجم ناهيك عن شركة تأمين تقوم بالتأمين على مشاريع عملاقة بالبلد يمكن أن تتعدى ملايين الدولارات!!
· إلزام شركات التأمين بالإيفاء بإلتزامتها تجاه موظفيها وعملائها، وعدم السماح لها بالتلاعب الضريبي!
هذه هي بعض الألولويات التي يجب القيام بها حتى لا نفاجأ بشركة تأمين تشهر إفلاسها كما حصل مع البنك الوطني وحتى لا تفقد هذه الشركات البقية الباقية من عملائها وسمعتها في هذا السوق البكر!