09-11-2013 – بانوراما التامين
مع نمو الاعمال التجارية والمؤسساتية في الدول الخليجية فان أهمية تأمين المعاملات التي تهم الافراد والمؤسسات تزداد هي الأخرى، بحيث تتطلب بعض المعاملات قيام شركات التأمين بإعادة تأمين ما لديها من البوليصات لدى شركات أجنبية نظرا لضخامة قيمة التأمين لتلك المعاملات والمنتجات. وعليه فان المنطقة الخليجية أصبحت اليوم بحاجة إلى مثل هذا النوع من الشركات التي بدأت تظهر بعضها على الساحة الخليجية، ولكن بقدرات ضعيفة لا تلبي إحتياجات المنطقة، في الوقت الذي تتزايد وتيرة مشاريع البنى الأساسية التي تشهدها المنطقة كل عام.
واليوم، ووفق البيانات الرسمية للشركات المعنية في هذا القطاع، فان حجم الأقساط التأمينية في دول مجلس التعاون الخليجي يقدّر بحوالي 15 مليار دولار خلال العام الحالي 2013، بعد أن حققت نموا بنسبة 16٫6% عما كانت عليه في 2012، في الوقت الذي يتوقع الخبراء في قطاع التأمين بأن تتجاوز أقساط التأمين في الأسواق الخليجية حاجز الـ37 مليار دولار عام 2015. فهذه الصناعة أصبحت اليوم تتمتع بإمكانات نمو هائلة، بعد أن أثبتت قدرتها على التصدي لعواصف الأزمات الاقتصادية العالمية، مما جعل سوق التأمين الخليجي سوقا جاذبا للكثير من شركات التأمين وإعادة التأمين العالمية.
وفي نفس هذا الاتجاه، فان الكثير من الخبراء يتفقون على أن موضوع إعادة التأمين سيظل تحديا استراتيجيا ينبغي التعامل معه بجدية كبيرة، حيث يتزايد تشدد بعض معيدي التأمين والوسطاء العالميين في اتفاقيات إعادة التأمين وفرضهم شروطا تعجيزية ومجحفة جديدة على شركات التأمين في المنطقة وذلك على عقود الإعادة وأسعارها من دون مبرر. وكما هو معروف فان إعادة التأمين يعني القيام بشراء التأمين من قبل شركة تأمين أخرى أو أكثر كوسيلة لإدارة الخطر أو التخفيض من قيمة الضرائب أو لأسباب أخرى. وهذا يعني بأن تدفع شركة التأمين جزءاً من أقساط التأمين التي تحصل عليها من المؤمن عليهم لشركة إعادة التأمين تضمن لها في مقابل ذلك جزءاً من الخسائر في حالة حصول أي مكروه أو خطر، فإذا وقع الخطر المؤمن ضده لجأ المؤمن عليه إلى شركة التأمين التي تدفع له تعويضا عن الخسارة ، ثم تقوم شركة التأمين بدورها بمطالبة شركة إعادة التأمين بدفع جزء من التعويض حسب الاتفاق المبرم بينهم.
واليوم نرى أن قطاع التأمين وإعادة التأمين ما زال يعتمد على الخبرات الأجنبية في إدارته، حيث هناك نقص كبير في الكوادر الوطنية الخليجية التي تدير صناعة التأمين في دول المجلس، بالرغم من الجهود التي تبذل في تعليم وتدريب وتأهيل الكوادر الخليجية للعمل في هذا المجال. كما أن جميع المؤشرات توحي بأن سوق التأمين وإعادة التأمين الخليجي سوف تشهد تنام مستمر خلال المرحلة المقبلة، وسيكون النصيب الأوفر من الأعمال للشركات الأوروبية الضخمة العاملة في مجال إعادة التأمين، حيث إن هذه الشركات ما زالت تهيمن على الأسواق الخليجية، فيما تشكل شركات إعادة التأمين الوطنية جزءا صغيرا من السوق الخليجي، الأمر الذي يؤدي إلى تكرار الدعوات بضرورة الاهتمام بهذه الصناعة وإنشاء المزيد من شركات إعادة التأمين الضخمة التي تستطيع لاحقا تلبية متطلبات الأسواق والافراد، بل تتمكن أيضا من منافسة الشركات الأجنبية.
ووفقا للبيانات المعلنة من قبل الشركات العاملة في هذا القطاع، توجد هناك اليوم 12 شركة تأمين عربية وخليجية تعمل في مجال إعادة التأمين، إلا أنها ضعيفة مادياً ومعنوياً وبشرياً، ولا تستطيع تلبية احتياجات بنود إعادة التأمين في المنطقة، في حين نرى أن شركات التأمين المحلية في الدول العربية يصل عددها 150 شركة ، وتتحمل فقط 30% أو أقل من مخاطر التأمين، بينما تستحوذ شركات إعادة التأمين العالمية على 70% وأكثر من تلك العمليات في معظم الدول العربية، وتذهب معظم العوائد والايجابيات على الاقتصادات الغربية والاجنبية، الأمر الذي يتطلب ضرورة النظر في هذه المسألة، ورأي الخبراء العاملين في هذا القطاع يؤكد على ذلك. فهؤلاء سبق لهم أن اقترحوا أهمية وضرورة إيجاد شركة خليجية أو عربية ضخمة لإعادة التأمين تستطيع القيام بتلك المهام، كما يمكن تحقيق هذا الأمر من خلال اندماج شركات إعادة التأمين العربية القائمة في شركة واحدة لمنافسة الشركات العالمية، خاصة وأنهم يؤكدون في جميع المناسبات على أهمية وجود شركة ضخمة في مجال إعادة التأمين. فتأسيس مثل هذه الشركة العملاقة والقوية سوف تتمكن من تغطية عمليات التأمين الكبيرة التي تتزايد في المنطقة نتيجة للمشاريع الضخمة التي يتم تدشينها سنويا في جميع القطاعات، وسوف تعزز أيضا سوق التأمين وخدمات التسويق، بالاضافة إلى زيادة حجم السوق من المعاملات، والقدرة على الوصول لأسواق اخرى، الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى تحسين مستوى الأداء والربحية أيضا، وبالتالي ستقلل من قيمة الاقساط التأمينية الخارجة من المنطقة، ويتيح لمثل هذه الشركات لاحقا بالتوسعة والوصول إلى الأسواق الأخرى خاصة القريبة من دول المجلس.
لقد شهدت المنطقة الخليجية في السنوات الماضية تأسيس بعض شركات إعادة التأمين، ولكن ما زال أداؤها متواضعاً مقارنة بالشركات الأجنبية العاملة في هذا القطاع، ولا تتحمل الكثير من مخاطر إعادة التأمين، خاصة في قطاعي النفط والبتروكيماويات اللذين يشهدان سنويا توسعات كبيرة في البنية الأساسية. فنشاط شركات التأمين في المنطقة لا يمتد اليوم على النشاطات التأمينية فحسب، بل يمتد ليشمل القطاعات الاستثمارية المتنوعة في مجال العقارات والبنوك والاتصالات، وغيرها. كما أن هذا القطاع بشكل عام ووفق رأي الخبراء العاملين في قطاع التأمين الخليجي أنه بحاجة إلى المزيد من التنافسية، باعتبار أن المنافسة الحرة العادلة والفعالة بين شركات التأمين سوف تصب في صالح الزبائن والاقتصاد المحلي ولا سيما مع توفير أفضل الخدمات التأمينية وبأسعار وتغطيات مناسبة وتوطين الوظائف في السوق التأمينية المحلية.
وهناك اليوم دعوات عديدة لدعم هذا القطاع من خلال العمل على رفده بالكوادر البشرية المؤهلة، وتغطية النقص من العاملين للقيام بمهامهم في إدارة قطاع التأمين الاعتيادي والتكافلي من جهة، وضرورة النظر في مسألة إصدار قانون التأمين الخليجي الموحد، ليتيح لشركات التأمين الوطنية حرية دخول أي سوق من أسواق التأمين الخليجي بهدف تعميم الفائدة على دول الخليجية، ومعاملة الشركات والمستثمرين كشركات وطنية من جهة أخرى. وفي جميع الحالات فان هذا القطاع محتاج إلى مواصلة تحديث القوانين الرقابية والاستمرار في تطوير البيئة التنظيمية من أجل تعزيز جاذبية أسواق المنطقة وتنافسيتها على مستوى العالم، وضرورة تطوير الملاءة المالية وإدارة الأصول والمخاطر وتحسين بيئة العمل والأداء وتحقيق النمو المستدام والربحية المتواصلة، في ضوء دخول منتجات تأمينية جديدة إلى المنطقة.