25-09-2023 – بانوراما التامين
جاء الإعلان التاريخي لسيدي صاحب السمو الملكي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، عن توقيع مذكرة تفاهم بشأن مشروع “الممر الاقتصادي” بين الهند و الشرق الأوسط و أوروبا، في كلمته خلال الاجتماع على هامش قمة العشرين، التي عقدت في الهند؛ ليؤكد ريادة المملكة العربية السعودية على جميع الأصعدة (الإقليمية، و العربية، و الإسلامية، و العالمية).
و يتزامن هذا الإعلان الهام مع صدور قرار مجلس الوزراء بإنشاء هيئة التأمين، و اعتماد أنظمتها. وهو ما أراه من سعد الطالع للهيئة الوليدة. فمثل هذا المشروع العالمي هو فرصة – قل أن تتكرر – من أجل صياغة إستراتيجية جديدة لصناعة التأمين السعودية (محليا، و إقليميا، و عالمينا)، تبني على ما تم التخطيط له مسبقا بالنسبة لقطاع التأمين ضمن مستهدفات “رؤية السعودية 2030”.
فالمطلع على “برنامج التحول الوطني” يدرك أن قطاع التأمين لم يحظى بملف مستقل في البرنامج، بل تم ضمه إلى برنامج التحول المالي و برنامج التحول الصحي – مما قد يضعف المخرجات المنشودة من هذا القطاع المالي الهام، حيث اقتصرت على جانبين فقط هما: رفع الأقساط التأمينية للمركبات و التأمين الصحي، و زيادة نسبة مشاركة قطاع التأمين في الناتج المحلي الوطني غير النفطي. و هي مستهدفات ذات مدى قصير في خضم تطور القطاعات الأخرى وتنامي ايراداتها ومشاركتها الاقتصادية.
و هنا تأتي الفرصة التي سنح بها “مشروع الممر الاقتصادي” من أجل إبراز دور صناعة التأمين الوطنية، و تعظيم دورها. فالمشروع – بحسب الخبراء الاقتصاديين – يتسم بأبعاد تجارية، و لوجستية، و اجتماعية، و اقتصاد رقمي، مع المحافظة على الاستدامة البيئية. كما أن هدفه الأساس هو تعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول المشاركة فيه، و توفير فرص عمل جديدة، ذات نوعية عالية؛ مما سيحقق مكاسب طويلة الأمد للجميع، إضافة إلى استتباب السلم و الأمن في المنطقة. ناهيك عن تكامل البنية التحتية بين جميع الدول التي سيمر بها، بما سيؤسس له من خدمات مساندة في النقل البري و البحري و الدعم اللوجيستي و من ضمنها الخدمات التأمينية.
إن قطاع التأمين من القطاعات المهمة في تقديم الخدمات التأمينية خاصة فيما يتعلق بالمخاطر، وتجنبها، أو التقليل من حدوثها، أو تعويض المستفيدين (في حال الخسائر والاضرار) – خاصة في ضوء حجم حركة الصادرات والواردات للبضائع على هذا الممر الاقتصادي التي ستكون – بإذن الله – ذات أرقام كبيرة وقيم عالية، مما سيجعلها تحتاج إلى تغطيات تأمينية متنوعة (بدءً من التغطية البحرية ومخاطر النقل والحريق والطاقة والمسؤولية المدنية وتعطل الأعمال وفقدان الأرباح).
و نحن عندما نقول: أن مشروع “الممر الاقتصادي” يعد فرصة تاريخية لهيئة التأمين الوليدة لبلورة إستراتيجية جديدة لقطاع التأمين في بلادنا الحبية؛ فإننا نعني بذلك أنه لا بد من عمل تنسيق، وشراكات مع القطاعات الأخرى والشركات العاملة في قطاع التأمين؛ من أجل أن نكون على يقين أن “برنامج التحول الوطني” سيواكب في مخططاته هذه المشاريع العالمية الكبرى، و من أهمها وجود كيانات تأمينية قادرة ماليا وبشريا على استيعاب مثل هذه الأخطار والاحتفاظ بحصة كبيرة من أقساط التأمين (بدلا من الاعتماد على إعادة التأمين الأجنبية، و حرمان المنظومة المالية الوطنية من المليارات التي ترسل إلى الخارج).
إن انشاء كيان وطني لشركة تأمين كبيرة، برأس مال يفوق 25 (خمسة و عشرون مليار ريال) على أقل تقدير، بات مطلبا ملحا في ظل المشاريع الحكومية المتعددة (مثل: مشروع نيوم، و البحر الأحمر، و القدية، و ذا لاين، و مفاعل الأبحاث منخفض الطاقة، و مشروع الممر الاقتصادي)، الأمر الذي سيجعل من مثل هذه الشركة رافدا كبيرا؛ لزيادة التدفقات النقدية، و ايجاد فرص العمل، و استقطاب الاستثمارات الأجنبية، و دعم رواد الاعمال. و لا مفر من أن تتعاظم مشاركة قطاع التأمين في مثل هذه المشروعات من خلال طرح منتجات تأمينية تلامس حاجة مثل هذه المشاريع الجبارة.
و هنا يجب على المنصف أن يعترف بأن على هيئة التأمين أن تطور إستراتيجيات متوسطة المدى، و أخرى طويلة المدى (إضافة إلى الإستراتيجية قصيرة المدى المعمول بها في القطاع حاليا)؛ من خلال ربط أهدافها بمشاريع مستدامة، ذات استثمارات مربحة، و أدارة الأخطار بشكل متوازن يكفل وجود برامج تأمينية اجتماعية و اقتصادية.
و مشروع “الممر الاقتصادي” قد يرسم الملامح الرئيسة لخارطة طريق لهيئة التأمين لتطوير وتنمية قطاع التأمين، الذي نتمنى أن يكون للهيئة مشاركة ودور في وضع الأطر الرئيسة لهذا المشروع التاريخي الهام.