01-11-2012 – بانوراما التأمين
فلسطين – خلال مشاركتي في الحكومتين الثانية عشرة والثالثة عشرة، قمنا بفتح النقاش حول نظام التأمين الصحي الذي نحتاج والأسلوب الأنجع لتوفير تمويل للخدمات الصحية؛ من أجل ضمان تطوير جودتها واستدامتها.
لقد تم عقد ما يزيد على عشرين لقاء وورشة عمل ونقاشات فنية مع هيئات فنية دولية مثل منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي حتى وصلنا إلى صيغة مشروع قانون تأمين صحي توافقي أقره مجلس الوزراء، لتبدأ بعد ذلك حرب خفية ضد مشروع القانون من جهات وفئات بعض أفرادها للأسف لم يكلف نفسه عناء مطالعة مشروع القانون أو الاطلاع عليه.
عنوان رفض مشروع القانون أن هناك نظاماً قائماً منذ سنوات ولا داعي لاستبداله الآن بقانون في ظل غياب الهيئة التشريعية، وعليه فليؤجل طرح المشروع لحين إعادة اللحمة للأرض والشعب وإنهاء الانقسام وإجراء انتخابات تشريعية تفرز ممثلين جدداً للشعب يناقشون موضوعة التأمين الصحي ويقرروا شكل نظام التأمين الصحي الذي نريد أو نحتاج أو نرغب.
وكان للمعارضين ما أرادوا، وطوي موضوع قانون التأمين الصحي وكل ما قد يترتب عليه، وكفى الله المؤمنين القتال.
ومرّت الأيام وانتهت بحبوحة ضخ أموال المانحين بسخاء في موازنة السلطة، فخلت نتيجة ذلك العيادات والمستشفيات من الأدوية، وتراكمت الديون للموردين وللمؤسسات الصحية التي يتم شراء الخدمات منها في داخل البلاد وخارجها، ليعود السؤال الأهم يطرح نفسه، كيف نوفر التمويل اللازم لضمان استدامة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين والحفاظ على جودتها، وتلك كانت حجتنا وغايتنا عندما فتحنا باب النقاش، وقلنا بضرورة وجود قانون للتأمين الصحي إلزامي يوفر التمويل المطلوب للخدمات الصحية التي يحتاجها المواطنون أو على الأقل الجزء الأكبر منها.
الحوار الديمقراطي في كافة القضايا مطلوب، بل ضروري وواجب، وتوسيع قاعدة المشاركة في الحوار تثريه وتقود للوصول إلى نتائج أفضل وأكثر نضجاً، ومشروع قانون مثل قانون التأمين الصحي يحتاج إلى نقاش مستفيض ومشاركة أوسع من كافة شرائح المجتمع وهيئاته وتشكيلاته، والأهم أن يبقى الحوار قائماً، لا أن تطوى الصفحة ويؤجل الموضوع إلى إشعار آخر.
إن إلزامية التأمين الصحي تعني أن كل مواطن يجب أن يكون مؤمناً "صحياً" ولا يشترط ذلك أن يكون خاضعاً" لنظام تأمين صحي واحد موحد، وهذا ربما كان جزءاً من سوء الفهم أو التفاهم حول مشروع القانون الذي كان قد طرح، المطلوب أن تكون هناك تغطية بالتأمين الصحي لكل مواطن وأن يساهم كل مواطن في تمويل نظام التأمين الصحي، بمعنى أن يدفع المواطن وهو في كامل صحته ليوم مرضه، وأن يغطي المقتدر جزءاً من كلفة غير المقتدر، بما يحقق معنى التكافل الاجتماعي، وهذا ممكن تحقيقه من خلال وجود أكثر من صندوق للتأمين الصحي، فصندوق التأمين الصحي الحكومي قائم فعلاً، ولكنه يعمل دون ضوابط ولا تغذي إيراداته صندوقاً واضحاً محدداً، فكل موظف حكومي يقتطع من راتبه إلزاماً نسبة لا تقل عن أربعين شيكلاً ولا تزيد على سبعين، وهذه المبالغ على ضآلتها تدخل ضمن واردات الحكومة وليس ضمن صندوق خاص مخصص لتمويل الخدمات الصحية أو جزء محدد منها.
التأمين الصحي الحكومي الحالي إلزامي لموظفي الحكومة، لكن تنتفع منه كافة فئات الشعب وشرائحه، دون تحديد لسلة الخدمات التي يغطيها هذا التأمين، وبالتالي فإن عائدات هذا التأمين وبشكله الحالي لا تغطي أكثر من 10% من ميزانية وزارة الصحة وأكثر من 3% من مجموع الإنفاق العام على الصحة، وعليه فإن النظام القائم غير ذي جدوى في ضمان جودة واستدامة الخدمات الصحية المقدمة للمواطن الفلسطيني ولا بد من إعادة طرح موضوع قانون تأمين صحي إلزامي شامل على بساط البحث والنقاش حتى يتفق الجميع أو يتوافقوا على شكل القانون الذي يضمن إعمال الحق في الوصول إلى خدمات صحية جيدة ومستدامة لكل مواطن، وإلا فسيأتي اليوم الذي لا نجد فيه في مرافقنا الصحية حبة دواء، هذا إن استطاعت هذا المرافق ضمان المحافظة على شكلها ومحتواها كمرافق صحية.