الخطر في عرف التأمين هو أمر مستقبلي، محتمل الحدوث. والفرضية تقول إن أفضل مَن يفهم المخاطر ويتنبأ بحصولها حسابياً ومهنياً هي شركات التأمين. إذ إن فهم الخطر ودراسته والإحاطة به تعطي شركات التأمين مؤشرات دقيقة لكيفية احتسابها للأقساط التي تقوم بتحصيلها من العميل، وتعطي كذلك مؤشرات دقيقة لمعدل الخسارة التي ستطول شركة التأمين نتيجة قيامها بدفع تعويضات لعملائها بسبب حصول الخطر المؤمن ضده.
والفرضية الأخرى هي أنك حينما تذهب إلى شركة التأمين بقصد التأمين ضد خطر ما فإن موظف الشركة سيمطرك بوابل من الأسئلة التي يهدف من خلالها إلى التعرف على جوهر الخطر وكنهه، وقد يفاجئك كذلك بالمعلومات التي تخصك، وتكون هذه الشركة قد حصلت عليها من مصادرها النظامية. وبالتالي يكون معدل أو نسبة أو حتى مؤشر الخطر الذي يمكن أن يحصل لك ـــ لا سمح الله ـــ محسوباً بشكل دقيق ومنطقي، ثم بعد ذلك تقوم الشركة باحتساب مقدار القسط التأميني الذي يجب عليك دفعه لشركة التأمين مقابل قبولها بالتأمين عليك ضد هذا الخطر.
طبعاً هذه الطريقة هي من أبسط المعايير المهنية التي يجب أن تتبعها شركة التأمين في احتسابها لاحتمالات حصول الخطر، فهي من جهة يجب أن تكون عادلة في مواجهتك وذلك من خلال احتسابها قسطا عادلا يتناسب مع الخطر الذي رَغِبتَ بالتأمين ضده. ومن جهة أخرى يجب أن تكون الشركة عادلة مع عملائها الآخرين الذين قامت بالتأمين لمصلحتهم، حيث إن دخول عميل ما دون أن تكون شركة التأمين حريصة على احتساب المخاطر المتعلقة به على وجه الدقة سيؤثر في ملاءة الشركة في مواجهتهم، وقد يؤثر ذلك في حصولهم على التعويضات التي التزمت بها الشركة في مواجهتهم مستقبلاً. كما أن التأمين المطبق في المملكة هو تأمين تعاوني وأن عملاء شركات التأمين هم في النهاية مشتركون يحصلون على عوائد مالية من فائض صندوق التأمين، ولذلك فإن عدم مبالاة شركة التأمين في احتساب معدل الخطر لكل عميل على حدة، يجعلها مسؤولة في مواجهتهم باعتبار أنها أهملت في مراعاة مصالحهم المالية وفرطت في استخدام المعايير المهنية لاحتساب المخاطر التي تخص كل عميل يشترك معهم في هذا الصندوق.
الحقيقة المُرّة هي أن شركات التأمين لا تحرص على احتساب الخطر بشكل مهني وإنما تسير الأمور بالنسبة لها وفقا لقانون (البركة)، ففي تأمين المركبات على سبيل المثال تقوم شركة التأمين باحتساب القسط وفقاً لأسعار شركات التأمين الأخرى، وتقدم أسعارا أقل حتى تكسب مزيداً من العملاء، وبغض النظر عن اعتبارات الخطر الفعلية التي لا تكون إلا وفقاً لدراسات إكتوارية مهنية حقيقية تقوم بها شركة التأمين.
الحقيقة المُرّة الأخرى هي أن شركات التأمين تُعنى بخطر آخر وتقوم بدراسته ووضع الاحتياطات تجاهه وهو ما يمكن أن نسميه مجازاً (بخطر دفع التعويض للعميل) أو (الخطر القانوني لدفع التعويض إلى العميل)، فهذا هو الخطر الذي يؤرق شركات التأمين ويجعلها توظّف الخبراء وتحشد جموعاً من القانونيين والفنيين لتحريكهم متى ما رغبت ليثبتوا أن العميل قد اقترف ذنباً خطيراً لمجرد أنه فكّر في المطالبة بالتعويض. ولو أنها كانت تعلم أنه هكذا لما قبلت بالتأمين عليه من أصله. فمطالبة العميل بالتعويض هي بذاتها خطر قانوني يدفع شركة التأمين لملء وثيقتها بالألغام القانونية والاستثناءات الجهنمية التي تجنبها دفع التعويض للعميل. هذا بالطبع علاوة على ما تتبعه شركات التأمين من مماطلات وتأخير تجعل العميل يقبل بأي تسوية تعرضها عليه حتى وإن كانت مجحفة.