13-12 2013 بانوراما التأمين

سأبدأ من حيث انتهت ثلاث مرجعيات رسمية في معرض تفكيرها بحل مشكلة التأمين الصحي للمشتركين في الضمان الاجتماعي. فالمشروع الذي تدرسه وزارتا الصحة والعمل، بالتعاون مع مؤسسة الضمان الاجتماعي يقوم على فكرة تكليف وزارة الصحة بتامين المشتركين في الضمان الاجتماعي من غير المؤمنين؛ والذين يصل تعدادهم الى ما يقل بعض الشيء عن مليوني شخص مقابل اشتراكات يدفعها العمال واصحاب العمل.

الفكرة ـ من حيث المبدأ ـ عظيمة، وتستحق التقدير، فمن الضروري ان تخطو مؤسسة الضمان الاجتماعي تلك الخطوة، بحيث توفر التامين الصحي للمشتركين تحت مظلتها. غير انها تبدو مسبقا كفكرة خالية من المضمون وتندرج ضمن ما يمكن تسميته «احلام اليقظة» فيما لو تم تكليف وزارة الصحة بها. السبب في ذلك ان الوزارة اثبتت عجزها في التعامل مع ملف التامين الصحي بشكل عام. ولكي لا اتهم بالمبالغة اقول ان الوزارة توسعت في اطلاق الوعود من اجل توسيع مظلة التامين الصحي، وخطت خطوات في هذا المجال دون ان تعمل على زيادة مرافقها بما يتلاءم مع الترتيبات الجديدة.

وبصورة اكثر وضوحا، اعلنت وزارة الصحة عن تامين كبار السن في مستشفياتها ومراكزها الطبية. ثم اعلنت عن تامين الاطفال دون سن السادسة، ومثل ذلك الفقراء الذين يستفيدون من صندوق المعونة الوطنية. وبالتالي اضافت اكثر من مليون منتفع جديد. لكنها اضطرت للتراجع عن تلك القرارات وتجميدها بعد ان اكتشفت انها غير قادرة على ذلك. وتركت هذه الفئات في حيرة من امرها، لانها ـ من جهة ـ صدر قرار بتامينها صحيا. ومن جهة اخرى فإن القرار موقوف بحكم عدم توفر الامكانية لتطبيقه.

وبالتزامن، فإن مرافق وزارة الصحة من مستشفيات ومراكز صحية باتت غير كافية لتقديم الحد الادنى من الرعاية الضرورة للمشتركين بالتامين الصحي الذين يمولون صندوقه. فمن جهة تذهب موجودات الصندوق لمعالجة متنفذين في المستشفيات الخاصة وفي الخارج. ومن جهة ثانية هناك شح في الكوادر الطبية وفي التجهيزات والادوية. لدرجة ان الشكاوى تتزايد من عدم توفر ادوية لاصحاب الامراض المزمنة.

المهم هنا ان تكليف وزارة الصحة بتامين المشتركين بالضمان الاجتماعي يعني ايرادات اضافية لصندوق التامين الصحي. ولكن دون خدمات يحصل عليها المؤمنون. والافضل هنا ان يدير الضمان الاجتماعي تامينه الصحي بمفرده. او ان يطرح عطاء لتنفيذه من قبل القطاع الخاص. وبعكس ذلك فإن ذلك المشروع سيولد ميْتا. وستكون نتيجته ارتفاع وتيرة الازمة في مستشفيات وزارة الصحة والمراكز الصحية. وتدني مستوى الرعاية للمؤمنين. وفي احسن الاحوال سيتحول الى «تنفيعة» لمجموعة من المستشفيات الخاصة التي تجهز نفسها منذ الآن للتعامل مع تلك «الهبرة».