في البداية علينا أن نلقي نظرة على طبيعة تركيبة شركات التأمين في الأردن دون النظر لمفهوم كلمة مساهمة عامة ، لأن هذا المفهوم يوقعنا في متاحة البحث عن أسباب غير الاسباب الفعلية التي أدت بهذه الشركات لهذا الوضع المالي المحرج والذي جعلها تقف على حافة الإفلاس .
هنا علينا العودة للتاريخ لأن بداية شركات التأمين في الأردن أخذت صفة العائلية منذ تأسيسها ، وإستمرت هذه الصفة إلى أن تم تعديل قانون تأسيس الشركات في عام 1994 ، وأدى ذلك إلى ظهور مجموعة من الشركات تم إنشائها برغبة من مجموعة من رجال الإقتصاد والمال بغية الدخول في هذا السوق المالي وتحصيل حصة من أرباحه التي إستمرت ولسنوات تصب في إيدي عائلات محددة .
وفي نفس الوقت كانت النتيجة وبعد سنوات بسيطة من تعديل القانون إلى بروز الشكل الثالث من هذه الشركات وهو يتمثل في الجمع ما بين الخدمة المصرية ( البنوك ) وتقديم خدمات التأمين ، وهذا الشكل من شركات التأمين جاء بقيام مؤسسات بنكية بالدخول بشراكة مع شركات قائمة بغية رفع سوية عملها ومحفظتها المالية ، وفي نفس الوقت أن تقوم هذه الشركات المالية ( البنوك ) بممارسة خدمات التأمين من خلال أفرعها المنتشرة في كل أنحاء المملكمة ، وكذلك الإستفادة من قدرتها على تمويل الإعتمادات البنكية والتسهيلات التجارية وبالتالي إكمال الخدمة التأمنية للعملاء على قاعدة ( زيتنا بدقيقنا ) .
وهنا نجد أن لدينا ثلاثة أنواع من شركات التأمين الأول يتمثل في الشركات العائلية والثاني يتمثل في الشركات ذات الصفة البزنزية الشخصية والثالثة الشركات ذات الصفة المالية البنكية ، وكانت النتيجة 28 شركة تأمين تعمل في سوق تأميني محدود جدا ولاتتجاوز حجم أقساطه السنوية عن 500 مليون دينار ، وفي وسط إقتصادي يرتعش لأي حدث سياسي بسيط سواء داخلي أو خارجي ، ومجتمع يمتلك ثقافة تأمنية شبه معدومة ويتم التعامل مع التأمين على أساس أنه ملزم به بصفة حكومية وليس كحاجة لحماية أصوله المالية من الخسارة لأي حدث ما يصيبه .
ونتيجة لكل ما سبق كانت طبيعة تركيبة هذه الشركات من نتاج أسس إنشائها ، فالشركات ذات الصفة العائلية وهي تمثل أكثر من الثلث تحرص على عدم خروج المنفعة المالية لشخصيات الإدارة من يد أبنائها ومعارفها وبالتالي فأن أية طرح يؤدي إلى دمج هذه الشركات معا تكون نتيجته الفشل ، لأنها أي هذه العائلات لن تتفق على الكيفية التي سيتم من خلالها تقسيم المناصب بين أبنائها وبالتالي يصعب الدمج .
وأما النوع الثاني فأن أي فكرة للدمج بالنسبة له مقبوله جدا لأنه يعاني من منافسة قوية من قبل النموذجين الأخريين من شركات التأمين ( العائلي والبنكي ) ، ولكن هذا النموذج من شركات التأمين أصبحت تسيطر عليه شيئا فشيئا الصفة العائلية السابقة الذكر ، وقد وجد بهذه الصفة طوق النجاة من الوقوع في فخ الدمج بعد أن رفض من قبل النموذجين الأخريين .
والنوع الثالث يرفض الدمج نهائيا وذلك لأنه مؤسسات مالية قائمة بمحافظ كبيرة تستند بها على قاعدتها المصرفية ، وهو ينظرلنفسه بأنه المنتصر بنهاية هذا المعركة على السوق التأميني في الأردن وبالتالي فأن أي فكرة للدمج إذا لم يكن هو صاحب القرار المالي والأداري بها ستكون مرفوضة تماما من قبله .
والأسباب الأخرى لعدم قدرة هذه الشركات على القيام بدورها في المجتمع من ناحية إقتصادية وحمائية ونتيجة لما سبق نجدها تعود الى أن هذه الشركات تذهب أكبر نسبة من مصاريفها الإدارية من رواتب وبدلات تعود الى أقل من عشرة بالمائة من عدد موظيفها ، وبقية الموظفين يتقاضون أقل نسبة من هذه المصاريف وذلك يعود لطبيعة التركيبة الإدارية للمناذج الثلاثة من هذه الشركات ، والجانب الأخر يعود إلى طبيعة أكثر أقسام التأمين تحقيقا للخسائر بها وهو قسم حوادث المركبات ، فهذا القسم يسمى مقبرة شركات التأمين لأنه يأخذ أكبر نسبة من مبالغ التعويضات المباشرة من عقود التأمين المختلفة التي تصدرها هذه الشركات ، وهو يقع تحت ضغوط عدة منها عدم إمتلاك موظفيه الخبرة الكافية للتعامل مع الحوادث ، ولأنه يخضع لقاعدة تعامل سيئة مع المراجعين وهي قاعدة أن الزبون دائما سيء النية ( وأن الشر يعم والخيريخص ) وهو كقسم يتعامل مع أصناف عديدة من البشر بدء بالكراجات وما يحيط تعاملها مع هذا القسم من شبهات سمسرة وعمولات ، ومحلات قطع الغيار الذي أيظا لايخلوا من هذه السمسرة والعمولات بالاضافة إلى الحوادث المفتعلة التي تؤدي بالشركات إلى دفع مبالغ مالية بغير وجه حق .
والقسم الأخر من التأمين الذي يوقع الشركات في فخ الخسائر هو التأمين الصحي وما يتعرض له هذاالقسم من منافسة حادة بين الشركات يؤدي بالنهاية إلى توقيع عقود خاسرة من بدايتها والشركات تعلم ذلك ، والجانب الأخر الذي يحقق خسائر في هذاالقسم طبيعة العلاقة القانونية التي تربط هذا القسم مع الجهات التي تقدم الخدمات الطبية من مستشفيات ومختبرات ومراكز علاج ، وكل هذه الجهات تريد أن تحقق الربح بأقل تكاليف ممكنة وإن كانت على حساب هذا الشركات ، ونجد أن عدم وجود صفة الإلزامية على التأمين الصحي على الشركات الخاصة لموظفيها يفقد شركات التأمين القدرة على تجميع أقساط تأمينية في هذا النوع من التأمين وتكتفي في العقود الإختيارية مع هذه الشركات وإرتفاع التنافسية بين الشركات يجعل هامش الربح في هذاالنوع من التأمين معدوم كليا.
وفي النهاية يستمر هذا الوضع من العلاقات التنافسية بين جميع الشركات داخل سوق تأميني صغير جدا تحكمه علاقات عائلية وتجارية ضيقة تمنعها من مجرد التفكيربالدمج أو بالبحث عن حلول من الجهات ذات الصفة الرسمية ( وزارة الصناعة والتجارة وهيئة التأمين ) للخروج من هذا المأزق ويبقى المواطن هو الطرف الأضعف في كل هذه التشابكات المالية .