عمان- وقفة بتمعن أمام الحديث الإعلامي الهادف الذي أجرته صحيفة الغد مع الزميل الدكتور علي الوزني؛ حيث قال: "إن غياب الحوافز لاندماج شركات التأمين ضاءل من فرصة تشكيل كيانات قوية في القطاع لرفع مساهمته الاقتصادية!".

في البعد العلمي، إن الدعوة لتعظيم الحوافز هي الطريق الممهدة أمام الشركات للاندفاع نحو الاندماج، لكن الواقع أن الحوافز لم تنفع على مدار أكثر من عقدين من الزمن.

وما أزال أتذكر العاصفة الإعلامية التي قادها البعض في منتصف العام 1996 عندما ألغيت المادة التي كانت تقضي ببلوغ الأقساط الإجمالية المحققة أربعة أضعاف رؤوس الأموال المستثمرة في قطاع التأمين، حتى يتم السماح بدخول شركات جديدة الى القطاع.
وبناء عليه، أصبح الباب مفتوحا منذ ذلك التاريخ لتأسيس شركات جديدة في سوق التأمين، وفعليا تضاعف عدد الشركات من 17 الى 28 شركة على مدار السنوات الخمس عشرة الأخيرة!

ويجب أن نعترف أن هناك شركات جديدة تميزت وأثمرت وتبوأت الصدارة، والبعض الآخر شكل حملا ثقيلا على السوق المحلية، وكما تمكن المشرّع من إلغاء المادة التي وقفت عائقا أمام إمكانية دخول شركات جديدة قبل العام 1996، فإنه بإمكان المشرّع الآن أن يضع حوافز إلزامية بدلا من أن تكون اختيارية لتنظيم عملية الاندماج كأساس لخلق كيانات تأمينية قوية!
ورغم مرور أكثر من خمسة عقود زمنية على بزوع أول نشاط تأميني رسمي في السوق الأردنية، إلا أن القطاع ما يزال يعاني من ظاهرة التزايد المستمر في عدد الشركات المتواجدة في السوق المحلية، وحاولت هيئة التأمين تقديم حوافز مثل الإعفاءات الضريبية لتشجيع الاندماج، لكنها لم تفلح!

وإن الاندماج بالتأكيد سيؤدي الى التخلي عن بعض الكراسي الوظيفية، وبما أن أصحاب هذه الكراسي هم أصحاب المال، فإن الموافقة على إجراء الاندماج لم ولن تحصل! وإن الحاكمية التي صدرت التعليمات لتفعيلها وتعزيزها منذ سنوات، لم تأخذ طريقها الى التطبيق لغاية الآن ضمن قطاع التأمين، إلا بمواقع صغيرة وضمن شركات لا تتجاوز في عددها أصابع اليد الواحدة! وهذا يعني بقاء أصحاب المال في المناصب القيادية والإدارية التنفيذية، ما يخالف كليا أصول الحاكمية الرشيدة!

وإن حوافز الإعفاءات الضريبية لم تفلح بتحقيق هدف اندماج الشركات، والبديل الأصح هو وضع قواعد وأسس مالية واقتصادية بمثابة مقاييس معيارية اذا حققتها الشركة فتكون مؤهلة للاستمرار، وإذا لم تحققها، فإن البديل هو الاندماج مع شركة أخرى! ومن ضمن هذه المقاييس المعيارية: المحفظة الإنتاجية ومدى توازن هذه المحفظة؛ أي تحقيق نسب معينة كحد أدنى من إنتاج (بيع) وثائق تأمينية لكل نوع مصرح لشركة التأمين بممارسته، ومعدل الريع الاستثماري (الكفاءة الاستثمارية) وتحديد الحد الأدنى المطلوب تحقيقه، ونسبة الأرباح الفنية الى صافي الأقساط المحققة!
هذا إضافة الى جانب فني ومالي مهم ورئيسي هو الملاءة المالية، وإن الجانب الأهم فيها هو نسبة الذمم المدينة الى صافي الأقساط المحققة، وعمليا توجد تعليمات من هيئة التأمين في هذا الشأن، لكن السؤال هو: هل إجراءات التدقيق شمولية على سجلات الشركات والمعلومات المقدمة منها بخصوص الذمم المدينة؟

وإن الأساس أن تتم المحافظة على مستوى الملاءة المالية، وأن لا يتم استخدام الفائض المالي في استثمارات جامدة ليس لها مردود مالي، وأن لا تكون هناك ذمم طالما اعترفنا أن التدفق النقدي هو أساسي لتوفر السيولة لدى شركة التأمين، ولطالما ترتبت على شركة التأمين المصدرة للوثيقة مسؤوليات قانونية منذ اللحظة الأولى لسريان مفعول الوثيقة، سواء سددت أقساطها المستحقة أم بقيت في عداد الذمم المالية!
والسؤال المطروح هو: كيف تستمر شركة تشكل أقساط تأمينات المركبات وعلى الأخص أقساط التأمين الإلزامي على المركبات لديها نسبة تصل إلى 75 % فأكثر من إنتاجها العام، وبدون تمكنها من تحقيق أي إنتاج في تأمينات أخرى؟ والجواب بالتأكيد يبرر الجزم بأن مثل هذه الشركات يجب أن تخضع للاندماج، وأن لا يكون لها الخيار في الاستمرار بمفردها؛ لأن المصلحة القومية للاقتصاد القومي هي دمج هكذا شركات ضعيفة مع الشركات القوية الناجحة!

إن الجهود متواصلة، والحوافز يتم تقديمها، منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، في سبيل تكوين مجمعات قوية ومليئة ماليا، عن طريق دمج الشركات في السوق المحلية الصغيرة، ولكن للأسف بدون جدوى!
وإننا أمام واقع واضح الرؤية، وإن الدروس والعبر التي يمكن أن نتعلمها، تقودنا الى أهمية فتح السوق المحلية أمام المستثمرين الأجانب في قطاع التأمين وإعادة التأمين، ما سيؤدي الى إنماء البعد التنافسي، وبالتالي سوف يسهم بطريقة غير مباشرة في قيام الشركات المحلية بالاندماج، وتشكيل تجمعات قوية أمام المستثمرين الأجانب.

وعندئذ، تخضع السوق تلقائيا لمنظومة المبادئ الاقتصادية التي تقول: "إن البقاء للأصلح"، و"إن الحلقة الأقوى تطرد الحلقة الأضعف وتحل محلها"، وهكذا نستطيع الخروج من عنق الزجاجة ودفع العجلة الى الأمام نحو هدف تكوين كيانات تأمينية قوية!

مثقال عيسى مقطش
mithqal.muqattash@algha