11-11-2012 – بانوراما التأمين
"لماذا أتساوى أنا الذي أقود سيارتي منذ 35 عاما باتزان ومن دون حوادث أو مخالفات، مع شاب متهور وعابث، لا يمر وقت قصير إلا ويكون سببا في حادث جديد.. بصورة أدق: لماذا نتساوى أنا وهو أمام شركات التأمين في الدفع لتجديد سياراتنا؟".. هكذا تحدث أحد الزملاء معي بحرقة..
فإلى وقت قريب كنا لا نزال نبرر لشركات التأمين موقفها في رفع الأسعار من عام لآخر، نظرا لما تكابده هي الأخرى من زيادة الحوادث اليومية والخسائر البشرية والمادية، ولكن عندما قرأنا تقريرا يُفيدنا بأنّ النتائج المالية لشركتيّ التأمين بسوق مسقط، تحقق أرباحا صافية بلغت 4.4 مليون ريال، خلال الأشهر التسعة المنتهية في 30 سبتمبر 2012، كما ارتفعت الايرادات بشكل ملحوظ مقارنة بالعام الماضي.. وقعنا في حيرة من أمرنا.. فلماذا يتساوى الناس في دفع تأمين سياراتهم؟ ولماذا الأسعار لا تكف عن النط عاليا؟ والسؤال الأهم: لماذا لا تلعب شركات التأمين دورا حقيقيا في الحد من الحوادث عبر وسائل ترويجية، وعروض مغرية تعود بالنفع عليها وعلى المواطن أيضا ..
لنتفق أولا على القول أن شركات التأمين من حقها أن تأخذ نصيبها من الضمان، فالأمر خارج في كثير من الأحيان عن نطاق سيطرتها، ولكن لماذا لا تطرح أفكارا بديلة اخرى من شأنها أن لا تضع المتهور والمعتاد على ارتكاب الحوادث في كفة واحدة مع المنضبط والملتزم.. على سبيل المثال: لماذا لا يتم إرجاع نسبة من مبلغ التأمين السنوي إلى المواطن، إذا لم تتسبب مركبته بحادث.. الأمر الذي سينعكس إيجابيا على قيادته في المستقبل، وقد يبث الأمر من جهة أخرى نوعا من العدوى التنافسية بين الشباب.. فالمساواة في دفع التأمين تجعل الطرف الملتزم يشعر بالإحباط، في ظل الأسعار المطروحة الآن.. بالمقابل تجعل الطرف المستهتر مبالغا في استهتاره، فلا فرق بينه وغيره..
وإذا كان من الصعب أن تُرجع شركات التأمين المبالغ إلى الناس، فلماذا لا تقوم باقتراح تخفيض نسبة 1% لكل شخص يُؤمن سيارته، ويأتي في العام المقبل من دون أن يكون سببا في أي حادث يذكر، ثم ترتفع نسبة التخفيض إلى 2% في العام الذي يليه، وهكذا.. أظن أنّ هذا سيكون محرضا للشباب لأن يقللوا قليلا من التهور الذي نراه يحصد الكثير من الأرواح يوما بعد آخر..
أيضا ينبغي إعادة النظر في المساهمة التي تدفع وقت الحادث في حين أن السيارة مؤمنة أصلا.. فلماذا تُدفع المساهمة إذا كان مبلغ التأمين مبلغا كبيرا في الأساس؟.. أظن أنّ الإبقاء على مبلغ المساهمة ينبغي أن يترافق معه تخفيض في سعر التأمين، وإلا فهو عبء إضافي على عاتق المواطن..
على شركات التأمين أن لا تكتفي بدورها الربحي وحسب، وأن تعزز الأفكار التي من شأنها أن تجعل علاقتنا بمركباتنا علاقة حذرة مشحونة بحس المسؤولية..
زميلي هذا الذي يقود سيارته منذ 35 عاما من دون أن يرتكب حادثا واحدا، جعلني أفكر.. لماذا لا تكون هنالك جائزة كبيرة ومحفزة وسنوية لأفضل قائد مركبة في السلطنة، توضع لها معايير خاصة، ليتنافس عليها المتنافسون.. من يدري ربما تأتي أكلها، وتجف دماء شوارعنا المنسابة.