30-12-2012 – بانوراما التامين
عمان – تميل المتطلبات التأمينية في السوق المحلية إلى الارتفاع بكيفية متزايدة، تتناسب طرديا مع تسارع الانتشار، أفقيا وعموديا، للمشاريع والأعمال ذات الصبغة الصناعية والتجارية. إذ إن مؤسسات الأعمال هي التي تدفع التنمية الاقتصادية، طالما واكبها تطور في النمط الفكري والتركيبة الاجتماعية والقدرات المالية للإنسان الذي يشكل المحور في العملية التطويرية. وتلك المؤسسات، بدورها، تحتاج إلى غطاء تأميني متطور ومناسب.
وعلى الجهة المقابلة، يتوزع التركيز في الدول الصناعية المتقدمة في التأمين بشكل أكبر على مؤسسات الأعمال المتطورة، والتأمين على الحياة، والصحة، وضد الحوادث، وتعويضات العمال. وكل ذلك يرتبط بوجود سكان يتمتعون بقدرات اقتصادية عالية، بالإضافة إلى قناعات بأهمية ودور التأمين في المجتمعات المتحضرة، وأن هناك حاجة ملحة تجاه "التأمين الفردي" كوسيلة ادخارية ضمن برامج إنماء حقيقية وشمولية.
وفي دول العالم المتطور، حيث يتبوأ التأمين مكانة محورية بين مقومات الاقتصاد الوطني، هناك مقاييس يؤخذ بها عند تقييم أوضاع شركات التأمين. وإضافة إلى الجهات الرقابية المركزية، فإن الوضع يؤكد وجود مؤسسات متخصصة في دراسة أوضاع وإمكانات هذه الشركات استنادا إلى أسس معيارية، يتعين بلوغها كحد أدنى لاعتبار أي من هذه الكيانات التأمينية مؤهلة وقادرة على الاستمرار. وفي مقدمة هذه المعايير ما يطلق عليه "الملاءة المالية".
تعيش أسواق التأمين المحلية مرحلة انتقالية نحو النهوض بواقعها وتنظيمها ومقوماتها، بما يتواكب مع متطلبات برامج التصحيح الاقتصادي. وهذا يتطلب التعريج على الحقائق التالية:
أولا: إن التبرير التقليدي لتنظيم الملاءة المالية في شركات التأمين يكمن في وجوب حماية حقوق المؤمن لهم. وفي المفهوم الاقتصادي العام، فإن الملاءة المالية تعني مقدرة الأنشطة الاقتصادية على تجاوز مطلوباتها اعتمادا على موجوداتها. وفي شركات التأمين وإعادة التأمين، فإن الملاءة المالية يتم احتسابها بالعودة إلى مقدرة هذه الشركات على الوفاء بالتزاماتها كاملة عند المطالبة بها، ومدى استعداد وجاهزية هذه الشركات لدفع مبالغ التعويضات المالية الكبيرة بدون أن يؤثر ذلك سلبا باتجاه حدوث أي من أشكال التعثر أو التوقف أو الإفلاس.
ثانيا: في سبيل أن تبقى شركات التأمين على شاطئ الأمان، وبما يمكنها من الإيفاء بالتزاماتها تجاه عملائها في أي وقت، فإنه يتوجب أن تحسب بدقة لامتناهية مقدار التزاماتها المالية، واحتياطاتها المناسبة لتوفير التغطيات اللازمة، سواء لعمليات ووثائق التأمينات العامة، أو فيما يخص الاحتياطي الرياضي "الحسابي" لوثائق التأمين على الحياة؛ أي تغطية التعهدات المالية المرتبطة بهذه الوثائق والمتعلقة بالحياة البشرية والعجز والشيخوخة للمؤمن عليهم، إذ تتصف عقود هذه الالتزامات بأنها أكثر طولا من عمليات التأمين ضد الأخطار الأخرى.
إن تأمينات الحياة تضمن للمؤمن عليهم أموالا سائلة، تأخذ شكل تكوين رؤوس أموال مؤجلة إذا ما بقي المؤمن عليه على قيد الحياة لعمر معين؛ أو الالتزام بدفع مبلغ ما للورثة في حال وفاته في أي لحظة خلال فترة نفاذ وثيقة التأمين. وقد يكون الالتزام على شكل دفع مبالغ بصفة دورية ابتداء من تاريخ معين ولمدة معينة، أو يكون مستندا إلى كوبونات حماية أو تقاعد يكون المؤمن عليه قد اشتراها. ومن هنا جاءت الأهمية القصوى ليس فقط للحديث عن الملاءة المالية لشركات التأمين، بل وللتطبيق العملي السليم لهذا البعد المعياري.
وأيضا، تبلورت أهمية العلاقة بين ضرورة إنماء الملاءة المالية وبين عمليات التأمين على الحياة من خلال تعبئة وتجميع مدخرات المؤمن عليهم، أو بعبارة أخرى: توظيف الأقساط المتحققة في استثمارات لفترات زمنية تتراوح بين قصيرة ومتوسطة الأجل، بما يعود بالفائدة على حملة الوثائق وشركات التأمين ذات العلاقة، والاقتصاد المحلي بشكل عام. وهذا يستدعي بالضرورة قيام المتخصصين والخبراء في شركات التأمين بالتعرف على المعادلات الرياضية المتعارف عليها عالميا في احتساب الملاءة المالية لهذه الشركات.
وتشكل أرقام حقوق المساهمين والأقساط المحتفظ بها، جانبين رئيسيين في هذه المعادلات بهدف الخروج بنسب مئوية، يتوجب أن تكون فوق حدود معينة حتى يمكن القول إن الشركات مليئة ماليا. وبعكس ذلك، فإن ناقوس الخطر يدق. وبالتالي، يتعين على المسؤولين في هذه الشركات إعادة النظر في تقييم أوضاعها، وبإمكانهم عندئذ التعرف على مواقعهم المالية، وأن يتدبروا ويقرروا أين هم، وإلى أين سيقودهم الحال، وما هي الإجراءات المناسبة الواجب اتخاذها.
خلاصة القول، إن دخول أسواق التأمين المحلية في قنوات مواكبة خطوات التصحيح الاقتصادي، يستدعي الاعتراف بالكثير من البديهيات في عالم التأمين، وفي مقدمتها محورية العلاقة بين الملاءة المالية والأعمال التأمينية. ويبقى السؤال قائما: ما الذي يجب فعله إذا كنا نريد تنمية وتطوير أعمال شركات التأمين المحلية في ظل ملاءة مالية عالية في السنوات الأولى من العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، لمواكبة برنامج شمولي للتصحيح الاقتصادي؟