إن مسؤولية إدارة (أزمة شركة الاتحاد الوطني للتأمين), إن صح أن نطلق عليها أزمة, تقع على عاتق وزارة التجارة والصناعة التي كانت على علم بأوضاع هذه الشركة منذ بداياتها الأولى. بل إن الوزارة مسؤولة مسؤولية قانونية تجاه حملة الوثائق أيضا, ورغم ذلك لم تتخذ أي إجراء قانوني في حق الشركة لصالح حملة الوثائق. فالشركة لم تعلن إفلاسها, بل هي فرع لشركة لاتزال قائمة تزاول أعمالها في لبنان. كما أن الوزارة لم تتقدم بأي حل أو إجراء احترازي لوقف نشاط الشركة في ذلك الوقت (2007) ولا لحماية أصحاب الوثائق أو المستهلكين إن صح التعبير. لماذا?, لأن الوزارة لم تشعر بحجم المشكلة الكارثية في ذلك الوقت, ولا عندها الإمكانات لتقدير حجم التعويضات التي قد تتراكم نتيجة توقف الشركة عن السداد وعن مزاولة أعمالها, ولا تستطيع أن تقدر حجم هذه الكارثة التسونامية في المستقبل.
وزارة التجارة لم تقع عينها على مشاكل شركة الاتحاد الوطني بشكل مباشر عبر مفتشيها, وإنما نمى إلى علمها تردي أوضاع الشركة وعرفت عن امتناعها عن الوفاء بالتزاماتها من خلال تحذير رسمي تقدمت به بعض شركات التأمين إلى وزارة التجارة, وعقدت هذه الشركات عدة اجتماعات مع الوزارة تناولت خلالها أنواع مطالباتها تجاه شركة الاتحاد الوطني, ولكن لم يكن هناك إجراء قانوني حاسم من قبل الوزارة لحفظ حقوق الآخرين تجاه هذه الشركة.
في أي دولة في العالم وحتى في الكويت عندما يتآكل رأس مال أي شركة أو مؤسسة من مؤسسات القطاع الخاص, أو عندما يتزايد حجم المطالبات عليها تتخذ الجهات الرسمية المعنية سواء كانت البنك المركزي أو وزارة التجارة والصناعة أو غيرهما إجراءات احترازية للحفاظ على حقوق الدائنين سواء عن طريق إجبار هذه المؤسسات على مضاعفة الضمانات أو زيادة رأس المال أو الاندماج مع شركات أخرى أو إعلان الإفلاس قبل أن تتفاقم الأمور. وللأسف لم يحدث أي شيء من هذا القبيل.
الغريب في الأمر أن المأساة التي نحن بصددها تتعلق بفرع شركة أجنبية تعمل في الكويت منذ أكثر من 50 سنة, ورغم ذلك لا تحتفظ برأس مال ولا احتياطيات, فما هي مسؤولية وزارة التجارة والصناعة في مثل هذه الحالات?. وما هي المسؤولية القانونية لوكيل هذه الشركة لمواجهة الأعباء المالية المترتبة على الشركة إذا ما أعلنت إفلاسها أو عجزت عن الوفاء بالتزاماتها?. وهل يسمح القانون أن تُرفع الدعاوى القضائية في الكويت ويتم التنفيذ في الخارج?. وما هو الدور الرقابي لوزارة التجارة والصناعة إذا كانت كل شركة تأمين كويتية تقوم بمحاولات الحفاظ على حقوقها بنفسها سواء بمخاطبة هذه الشركة الأجنبية أو الشركة الأم أو وزارة التجارة والصناعة?.
وهل قامت وزارة التجارة والصناعة بنشر تفاصيل ميزانيات شركة الاتحاد الوطني للتأمين عبر الصحف ليطلع عليها كل من له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بهذه الشركة وليتأكد من أوضاعها المالية?. وزارة التجارة هي السبب فيما يجري من بلاوي في قطاع التأمين. بل إن شركة الاتحاد الوطني هي الشعرة التي ستقصم ظهر قطاع التأمين بسبب تقاعس الوزارة عن أداء واجباتها الرقابية.
وزارة التجارة والصناعة المعنية بشؤون الرقابة على شركات التأمين للحفاظ على حقوق الدائنين والمساهمين والمستهلكين أو العملاء, وكأنها تقول لأصحاب المطالبات من شركات التأمين المحلية أنها ليست مسؤولة عن الدفاع عن حقوقهم. فوزارة التجارة لا تملك خبيرا اكتواريا واحدا لكي يقوم بعمل تقييم تقريبي للمطالبات المستقبلية لهذه الشركة, لكي يبدأ بتقدير حجم المطالبات المتوقعة من خلال الاطلاع على محفظة الشركة.
المسألة لا تنحصر في قيام مسؤولي إدارة شركات التأمين بالوزارة في طرح أسئلة على مسؤولي شركة الاتحاد الوطني للتعرف على حجم المشكلة, بل تتطلب تفتيشا دقيقا في دفاتر وسجلات الشركة. كما أن عملية التفتيش هذه لا يقوم بها مدققون عاديون ولكنها تتطلب خبراء اكتواريين لدى كل شركة من شركات التأمين بالإضافة إلى اعتماد الوزارة على جهة مستقلة لتوفير هؤلاء الخبراء الاكتواريين المتخصصين في عملية تقييم المحافظ وتقييم الاحتياطيات وحساب الخسائر المتوقعة.وبمعنى آخر الخبير الاكتواري يجب أن يكون متخصصا في التأمين وفي عملية الإحصاء والتدقيق.
الحقيقة المرة والواقع "الأقشر" يكمن في أن وزارة التجارة والصناعة لا تعرف حقائق هذه المشكلة, وإن عرفت فإنها لا تعرف حجم تأثيراتها الاقتصادية, وإن عرفت فإنها لا تملك الخبرة والدراية و"النوهاو" لمواجهة أعبائها, وإن امتلكت فإن البيروقراطية المعششة في أروقة الوزارة ستضع أكثر من عصا في عجلات عربة الحلول المتوفرة, وإن تخلصت من هذه البيروقراطية فإنها لا تقدر على التخلص من اللامبالاة التي يعاني منها غالبية موظفي الدولة. ولهذا فقد تلجأ بعض شركات قطاع التأمين إلى القضاء لتقديم شكاوى ضد وزارة التجارة والصناعة كجهة رقابية أهملت دورها الرقابي وأضاعت حقوق مواطنين ووافدين من حملة الوثائق ومساهمين ومستثمرين, بالإضافة إلى مقاضاة شركة الاتحاد الوطني فرع الكويت والشركة الأم في لبنان.
نقول هذا لأن وزارة التجارة والصناعة كانت قد تلقت شكاوى عدة ضد شركة الاتحاد الوطني للتأمين التي لم تلتزم بسداد مستحقات التعويضات أو مطالبات شركات التأمين فقط والتي ارتفعت من 900 ألف دينار في بداية تقديم الشكاوى قبل سنوات, إلى أكثر من 3 ملايين دينار حاليا, إلا أن الشركة استمرت في مخالفاتها للأعراف التأمينية وللقانون, ما استدعى اللجوء إلى القانون ومحاولة تطبيق العقوبات عليها, كان أولها إلغاء ترخيصها التجاري.
ولم تحرك وزارة التجارة ساكنا عندما غادر مدير عام شركة الاتحاد الوطني إلى لبنان دون أن يمنع من السفر حتى الانتهاء من تحليل ما تعاني منه الشركة ومشكلتها مع معظم شركات التأمين الكويتية. وهي لا تعرف حجم ردة فعلها ¯ أي الوزارة – حيال قيادات شركات التأمين غير الكويتية الأخرى والتي قد تمر بنفس ظروف شركة الاتحاد الوطني?. وما هو الإجراء القانوني لمنع الشركات الكويتية من السير في خط غير قانوني في ظل عدم وجود قانون, أكرر عدم وجود قانون يمنع أي قيادي في أي شركة تأمين غير كويتية من اللجوء إلى ألاعيب قد تفلس الشركة?.
ولا ندري من أين أتت وزارة التجارة والصناعة بمخرج أو نص قانوني لتمنح شركة الاتحاد الوطني "المهل القانونية", كما أفادت مصادر للصحف, لتتمكن الشركة من تعديل أوضاعها المتردية منذ سنوات وتقليل معدلات المخاطر, على الرغم من أن الشركة نفسها لم تسع لمعالجة هذه الاختلالات المليئة بالمخاطر, ما استوجب تطبيق العقوبة عليها, بإلغاء الترخيص التجاري للشركة. إلا أن مصادر أخرى ذات صلة بمديونية شركة الاتحاد الوطني أفادت أن كل الضمانات المتوفرة بحوزة الدائنين الكويتيين في الوقت الحاضر لا يتجاوز المليون وربع المليون دينار كويتي, وهي أموال الودائع أو الواجب بقاؤه بحوزة وزارة التجارة والصناعة.
أما ما يشاع عن أن وزارة التجارة ستعين مراقب حسابات على شركة الاتحاد الوطني للمحافظة على أصولها حتى يتم استيفاء الأقساط المستحقة على نشاطها, فهذا كلام "ماخوذ خيره", ذلك لأن كل إيرادات الشركة في الكويت كانت تحول إلى لبنان أولا بأول, وأي أصول أخرى في الكويت فهي مجموعة كراسي وطاولات وأدوات مكتبية وقرطاسية, وكلها أصول لا يمكن أن تقدر بأكثر من 5 آلاف دينار. وفي هذه الحالة لا يمكن ضمان حقوق الشركات الكويتية إلا من خلال الاتفاقيات الدولية التي تلزم الشركة الأم بدفع أي استحقاقات مترتبة أو قد تترتب مستقبلا على نشاط فرعها المحلي, ومن خلال الدعاوى القضائية.
إلا أن مثل هذه الدعاوى القضائية عادة ما تستغرق سنوات وسنوات قد تمتد لعشر أو خمس عشرة سنة, تكون شركات التأمين الكويتية ذات العلاقة قد ذاقت الأمرين ماديا ومعنويا, هذا إن لم تكن قد أعلنت إفلاسها. وهذا ما نعنيه عندما نقول إن شركات التأمين الكويتية قد تواجه مصيرا يشبه إلى حد بعيد مصير شركة AIG الأميركية, لأنها ستضع ضمن ميزانياتها أرقاما لأرباح وهمية هي في حقيقة الأمر مبالغ وثائق تأمين موجودة بحوزة الشركة المديرة. ولهذا ستكون هذه الأرقام الدفترية أرضية لمطالبات قد تنطلق نحو عشرات الملايين من الدنانير على هيئة تعويضات مستقبلية لأصحاب الوثائق.