24-09-2014 – بانوراما التأمين

أوقفت مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما"، أخيرا كلا من شركة "وقاية" للتأمين وإعادة التأمين التكافلي، وشركة "سند" للتأمين وإعادة التأمين التعاوني، نظرا لتردي وضعهما المالي، كما أوقفت هيئة السوق المالية التداول بأسهم هاتين الشركتين الخاسرتين.

ووفقا للتقرير الذي نشرته "الاقتصادية"، فقد بلغت الخسائر المتراكمة لشركة "وقاية" نحو 194 مليون ريال، أي 97 في المائة من رأسمالها البالغ 200 مليون ريال. في حين بلغت الخسائر المتراكمة لشركة "سند" ــــ وفقا للمصدر ذاته ــــ نحو 160 مليون ريال بنهاية الربع الثاني من العام الجاري، أي تعادل 80 في المائة من رأسمالها البالغ 200 مليون ريال، مقابل 136 مليون ريال بنهاية الربع الرابع من 2013، عادلت حينها 68 في المائة من رأسمالها.

 

ومن المؤسف أن نشهد هذه الانهيارات في قطاع التأمين السعودي الذي بدأ من شركة واحدة عام 1986 إلى أن وصل الآن إلى 35 شركة، منها ما جرى إيقافه في الماضي – قبل "وقاية" و"سند" – ومنها متعثر كما هو الحال مع شركات تأمين تكبدت خسائر متراكمة بنسبة 50 في المائة إلى أقل من 75 في المائة من رأسمالها، وهي:
– شركة سلامة للتأمين التعاوني.
– الشركة السعودية الهندية للتأمين التعاوني "وفا".
– شركة التأمين العربية التعاونية.
– شركة العالمية للتأمين التعاوني.

وإذا كنا لن نخوض في تفاصيل تدني الأداء المالي لهذه الشركات ــــ لعدم صلته بموضوعنا ــــ فإننا نتساءل ما الذي ـــ أو بالأحرى ـــ من الذي أدى بها إلى تلك النتائج الكارثية؟
هل هناك علاقة بين التدهور الذي يشهده قطاع التأمين وبين قيام مؤسسة النقد بإلزام شركات التأمين السعودية بأن يكون كل القياديين الذين يديرون الشركة من أصحاب الخبرة في التأمين؟ هل "المعرفة بالتأمين" أهم من توافر السمات القيادية في المرشحين للمناصب العليا؟
إن قطاع التأمين السعودي لم يكمل عامه الـ30، في حين أن القطاع المصرفي في السعودية عمره 88 عاما، أي أنه أسبق بـ 26 عاما من مؤسسة النقد ذاتها التي تشرف على القطاعين: المصرفي والتأميني!
لقد وضعت مؤسسة النقد وثيقة تتضمن "متطلبات التعيين في المناصب القيادية في المؤسسات المالية"، وتشمل هذه المؤسسات المرخصة من قبل "ساما": المصارف، وشركات التأمين وإعادة التأمين، وشركات التمويل، وشركات المهن الحرة المتعلقة بالتأمين، ومزاولي أعمال الصرافة.
وبحسب هذه الوثيقة، فإن على المؤسسات المالية – ومنها شركات التأمين – أن تحصل على موافقة "ساما" "عدم ممانعة" عند أي تعيين لوظائف الإدارة العليا، التي تشمل: العضو المنتدب، والرئيس التنفيذي، والمدير العام، ونوابهم، والمدير المالي، ومدير الإدارات الرئيسة، والمسؤولين عن وظائف إدارة المخاطر، والمراجعة الداخلية، والالتزام في المؤسسة المالية، ومن في حكمهم، وشاغلي أي مناصب أخرى تحددها مؤسسة النقد.
وقد حددت "ساما" أربع صفات يجب توافرها في المرشحين لشغل تلك الوظائف:
– الأمانة والنزاهة والسمعة الحسنة.
– القدرة والكفاءة.
– الملاءة المالية.
– الاستقلالية.

لكن وفقا لمصادر خاصة، فإن "ساما" تشترط "شرطا خامسا" ـــ دون أن تصرح ـــ بأن يحظى المرشح لشغل المناصب القيادية في شركات التأمين بخبرة في قطاع التأمين، وهو القطاع الناشئ "عمره 28 عاما بالضبط!"، والدليل على ذلك أن هناك مرشحين سعوديين لمناصب قيادية في شركات تأمين رفضتهم "ساما"، ليس لعدم كفاءتهم، وإنما لعدم توافر الخبرة في مجال التأمين!
لو أحضرنا مرشحا من أي مؤسسة مالية تخضع لإشراف مؤسسة النقد من غير شركات التأمين "مصرف أو شركة تمويل"، لإدارة شركة تأمين، فإن طلبه سينتهي بالرفض من قبل مؤسسة النقد.

الغريب أن مؤسسة النقد تقبل بتعيين مرشح غير سعودي لديه خبرة "زمنية" في التأمين بغض النظر عن مدى جدارته الإدارية على حساب مرشح سعودي يتمتع بالكفاءة الإدارية "في مصرف مثلا"، لكنه ربما تنقصه الخبرة في العمل في قطاع التأمين.
إذا لم نتح للقيادات الواعدة من القطاعات المالية أو غير المالية فرصة العمل في قطاع التأمين، فمن أين سيجلبون الخبرة التأمينية؟ من الشرق أم الغرب؟!

إن من أسباب تدهور قطاع التأمين من وجهة نظري أنه وصل إلى مرحلة "العقم الإداري"، وبات يعيد تدوير recycle "القياديين"، بل إن بعض القياديين الذين يتنقلون من شركة تأمين إلى أخرى، ينقلون معهم مقومات الفشل حيثما ذهبوا، ومع ذلك يواصلون العبث في إدارة شركات التأمين، ولا يشفع لهم سوى أن لديهم "خبرة زمنية سابقة"، وليس لأنهم من ذوي الكفاءة!

كان الأحرى أن تتنازل "ساما" عن شرط الخبرة في قطاع التأمين، حرصا على ضخ "دماء جديدة" في قطاع يريد من ينهض به من الواقع المرير، إذ ليس شرطا أن يكون كل من يعمل في قطاع التأمين "خبيرا اكتواريا"، وإنما علينا أن نتحرى الكفاءة الإدارية – بجانب النزاهة – في المرشحين، لا سيما أن جامعاتنا – باستثناء جامعة اليمامة – لا تدرس تخصص "التأمين" لا على مستوى البكالوريوس ولا على مستوى الدراسات العليا.
صدقوني، إذا لم تتدارك مؤسسة "النقد" أنها تسهم دون أن تدري في خلق "أزمات قيادية" في قطاع التأمين، فإن قطاع التأمين سيلحق بالقطاع الصحي، الذي مكنت فيه "وزارة الصحة" الأطباء من تولي مناصب إدارية، والنتيجة تعرفونها!