15-10-2012- بانوراما التأمين

السعودية – يعتبر معدل النمو السكاني في المملكة من أعلى المعدلات العالمية، بل رأت بعض الدراسات بأننا أصبحنا نحتل المرتبة الأولى على مستوى العالم في معدل الولادات: حيث هناك ولادة كل (19) ثانية. ويتوقع أن يكونا إجمالي عدد سكان المملكة في عام 1440 هـ في حدود (43) مليون نسمة، وهو ما يشكل عبئا ووجعا وطنيا دائما في الحاضر والمستقبل للناس والحكومة في مجال الرعاية والخدمات الطبية إذ لم يتم تداركه ووضع الحلول الناجعة في الوقت المناسب. وعندما ندقق في أرقام الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية، نجد أن المصروفات الإدارية تستهلك نصيب الأسد من تلك المخصصات المالية، أي أن أغلب تلك الأموال تذهب بعيدا عن مقاصدها الأساسية وهو توفير الرعاية الطبية المعقولة وما تحتاجه من كوادر إنسانية مؤهلة ومرافق ومعدات طبية.. قبل سنوات، كان من أهداف وزارة الصحة، الوصول إلى معدل ثلاثين سريرا لكل عشرة آلاف من السكان في جميع مناطق المملكة في عام (2012) أي هذا العام. لم يعد أحد يذكر الهدف!، وهل تم تحقيقه؟، أو بعضه؟، ما أعرفه وهو على سبيل المثال: بأن عدد سكان حائل في آخر إحصائية وصل لأكثر من نصف مليون نسمة، وعدد الأسرة (450) سريرا، أي بمعدل (9) أسرة لكل (10000) من الأهالي!، إذن الرقم الحقيقي بعيد جدا عن الرقم المعلن المستهدف!، ولا يتناسب مع معدلات النمو السكاني المرتفعة جدا.. وبالتالي لابد من بحث آليات جديدة لفك اختناق الرعاية الطبية الحكومية المجانية، وتقديمها لمستحقيها الحقيقيين. وهذا لا يأتى إلا بتضافر جهود القطاعين العام والخاص، فهما كجناحي طائر لا يمكن التحليق بواحد منهما على حساب الآخر. وأتذكر ندوة، أقيمت بتاريخ (28/4/2002)، وكانت تحت عنوان (الضمان الصحي) بمستشفى التأمينات وبالتعاون مع الغرفة التجارية الصناعية بالرياض، ومن أهم تلك الأوراق (نظام الضمان الصحي التعاوني) للبروفسور راشد الحميد، و(مستقبل الخدمات الطبية الخاصة في القطاع الصحي الحكومي) للدكتور خالد السبيعي. في الورقتين تم استشراف المستقبل الصحي الوطني وتحدياته وسبل مواجهته.. لاشك أن للتأمين الطبي مدارس كثيرة ومتنوعة منها التجربة الإنجليزية والتجربة الأمريكية وتجارب الدول الاسكندنافية كالتجربة السويدية على وجه التحديد. والتأمين الطبي يموله أصحاب العمل الحكومي والخاص. أما أصحاب الدخول المنخفضة والفقراء فيتم تمويله من الحكومة والبرامج الخاصة بدعم المعوزين والفقراء كالضمان الاجتماعي. وتجربة التأمين الطبي الأمريكية، تقول: (على قدر درجة بطاقتك وفلوسك مد رجولك المريضة)!!، أي أن هناك حدا أعلى للتغطية الطبية يقدمها لك القطاع الخاص ولكن المرض لا يعرف سقف التغطية!، في كثير من الحالات تقوم الحكومة بتغطية الفاتورة. لا يمكن أن تتقدم وتستمر الخدمات العلاجية في المستشفيات الحكومية بهذا الطلاق السافر بين الحكومة والقطاع الخاص. لابد من وجود شراكة وتدار على أسس تجارية!. وبالتالي نحتاج إلى سياسة صحية مختلفة مع القطاع الخاص مبنية على الاحترام والصداقة وليست المنافسة الشرسة، وهذه الصداقة تتطلب الشراكة الحقيقية، بتحفيزه ومنحه الأراضي بالمجان وتشجيعه للتحالف مع الآخرين، وربما اقتضى الأمر إلى تخصيص بعض المستشفيات الحكومية الحالية بنسبة (49%) لتظل سياسة القرار بيد الوزارة، والإدارة بيد أهل الصنعة (القطاع الخاص). وتبقى وزارة الصحة قائمة بدور المشرع والرقيب..
الشاهد: إن التأمين الطبي، سيظل أحد أهم الأدوات في الحد من البيروقراطية المزعجة للمرضى، وأحد أهم الحلول لتحسين الخدمات الصحية والارتقاء بالرعاية الطبية، وتحقيق العدالة الاجتماعية.