28-04-2013 – بانوراما التأمين
سن المشرع الكويتي التأمين على بعض الأنشطة لصالح الغير ولصالح مستغلي النشاط, وذلك لتغطية المسؤولية المدنية الناشئة عن الأضرار المادية أو الجسمانية أو الأدبية أحياناً من الخسائر التي تقع داخل الحدود الاقليمية لدولة الكويت أو خارجها, قاصدا بذلك ضمان حق المضرور في الحصول على التعويض المستحق والجابر لضرره من شخص أكثر ملاءة, بحيث لا يخشى على المضرور ضياع حقه أو التأخر في الحصول عليه عند إعسار المؤمن له, إذ يغطي التأمين مالك النشاط من التعرض لأي مطالبات أو مسؤوليات قانونية, وبذلك يكون المؤمن (شركة التأمين) ملزما بدفع قيمة التعويض الذي يحكم به للمضرور مهما بلغت قيمته, ولا يكون له الرجوع على المؤمن له إلا في الحالات التي حصرها القانون أو التي سمح بأن تتضمنها وثيقة التأمين بشرط أن لا تتعارض مع نصوص القانون العام أو المنظم للنشاط والقرارات المكملة له.
ولطبيعة تركيبة الاقتصاد الكويتي فإن حجم سوق التأمين الكويتي ضئيل جداً قياساً بحجم الناتج المحلي الإجمالي شأنه شأن بقية القطاعات غير النفطية الأخرى ما أدى لعدم استدراك الدور الحيوي الذي يلعبه التأمين في ضمان وكفالة الحقوق, وقد لا تكون الدولة مسؤولة قانوناً عن التعويض ولكنها حتماً مسؤولة عن سن التشريعات التي تلزم الملاك ومستخدمي الأنشطة المختلفة بالتأمين لصالحهم أو لصالح الغير وهذا ما تفعله كل دول العالم, إن قيام الدولة بمسؤوليتها في هذا الأمر ليس معنياً باستفادة قطاع التأمين فحسب ذلك أن شركة قد تربح أو تخسر من جراء التأمين على هذا النشاط أو أي نشاط آخر ولكن حتماً تبقى حقوق المتضررين مكفولة وهو ما يؤمن الثروة المملوكة للأفراد وللدولة.
لهذا فمن الخطأ والمبالغة وعدم الإنصاف أن نعزو التطور الحادث في سوق التأمين إلى الوعي, فهو ليس نتيجة الوعي, بل نتيجة الإلزام, حيث إن أكثر من 70 في المئة من أقساط التأمين في الكويت تعود إلى فرعي تأمين السيارات والتأمين الطبي, إذ إن الأول بطبيعته ملزماً فيما تطور الثاني نتيجة لإلزام الدولة بالتأمين على العاملين في القطاع الخاص, أما مسألة الوعي فإننا لا نزال في بداية الطريق, وإذا نظرنا إلى أقساط التأمين الموجودة في السوق سواء تأمينات شخصية أو تأمينات شركات أو مؤسسات, فهو مثل قبل صدور التنظيمات أو التشريعات, إذ إن الشركات التي كانت مقتنعة سابقا بالتأمين بقيت كما هي ولم يستجد تطور كبير إلا في حجم الأعمال الذي ينمو مع مرور الوقت, أما تأمين الأفراد فقد نما بمعدلات لافتة نتيجة إلزام الدولة حيث أن التوسع دائما في سوق التأمين يتبع الالزام الذي يحدث من الدولة, وهذا أمر واقع لا داعي للجدال فيه, أما مسألة الوعي فهناك تقصير كبير من جانب محترفي التأمين الذين يعملون في المجال منذ ما يزيد عن 50 عاما, حيث عانى القطاع في السابق ولا تزال السمعة التي ألصقت بالتأمين يعانيها جميع العاملين في القطاع في الوقت الحاضر, إذ لم تستطع كل الجهود إزالة السلبيات حتى الآن ولا ننكر أن تلك السلبيات لا تزال تؤثر في سمعة التأمين, لكن حدث تنظيم للسوق, فقطاع التأمين حيث تدفع الشركات الملايين نتيجة التعويضات, في حين تحقق أرباحا نخجل أن يتحدث عنها أحيانا, رغم الاستثمارات الكبيرة والجهود المبذولة, إذ لا يزال هناك من يخرج علينا في وسائل الإعلام أو من العامة قائلا: شركات التأمين تحقق أرباحا خيالية ولا تدفع الالتزامات المستحقة عليها, وهذا بسبب تقصير من جانب شركات التأمين في توضيح الصورة للجمهور, لكن للأسف هناك انطباع خطأ وعدم فهم لدور شركات التأمين وما تدفعه من تعويضات, فالكل يتوقع أن شركات التأمين هي الطرف القوي في المعادلة, والحقيقة أن شركات التأمين تتعرض لأعباء كبيرة ومسؤوليات جسيمة وتدفع أحيانا تعويضات غير مستحقة بسبب قصور الأدوات الممنوح لها في التحقيقات, في المقابل تنظر لها الجهات القضائية أو لجان الفصل في المنازعات على أنها جهة قوية تتوافر فيها الملاءة لتغطية كافة الأخطار دون الضوابط المهنية الواجب مراعاتها بدقة شديدة.
إن التشريعات المنظمة لقطاع التأمين مستمرة في التحسن من جهة سعيها للتنظيم ومن ناحية الاجراءات التنفيذية المكملة لها, ولا يملك المرء إلا أن يستمر في تفائله وهو يتابع الرغبة الكبيرة لدى وزير التجارة والصناعة في إتخاذ كل ما من شأنه النهوض بقطاع التأمين, خصوصاً أنه يتم النظر الآن في مشروع قانون بشأن تنظيم قطاع التأمين والاشراف عليه والذي يحرص وزير التجارة والصناعة على إنجازه في أقرب وقت, ويتضمن مشروع القانون المذكور إنشاء هيئة للرقابة على قطاع التأمين والذي سوف يكون من ضمن أغراضها تدعيم صناعة التأمين وحماية الاقتصاد الوطني وتشجيع ثقافة الادخار, ويتطلع الى إنشاء مثل هذه الهيئة لتضطلع بدورها في ما هو مرسوم لها.