27-08-2013 – بانوراما التأمين
رصد المتابعون لمجريات أداء سوق التأمين السورية، ظاهرةً مقلقةً تتمثل بغياب الجانب الاجتماعي عن أدبيات وأعمال شركات التأمين الخاصة، ولاسيّما في ظل الأزمة الراهنة، رغم الوفورات المالية الضخمة التي جنتها طيلة سنوات عدة من عملها، وحتى مع انخفاض حجوم أعمالها إلى ما دون الربع جراء الأزمة، إلا أن احتياطياتها حقّقت أرباحاً مضاعفة، وذلك مع ارتفاع سعر الدولار أمام الليرة، الأمر الذي خلف حزمة كبيرة من التساؤلات عن أسباب غياب الدور الاجتماعي والإنساني لشركات التأمين متمثّلة في إمكانية مساهمتها في التخفيف من معاناة كثير من الأسر المهجّرة أو حتى استغلال المناسبات المختلفة كشهر رمضان مثلاً كمناسبة تسويقية لعملها من خلال استقطاب الناس على موائد إفطار تقيمها للعائلات المهجّرة والمحتاجة، أسوة بما تقوم به نظيراتها في الدول الأخرى أو حتى عبر توزيع سلل وحصص غذائية على هذه الأسر.
اتهام شركات التأمين بالتقصير في الشق الاجتماعي تعزّزه أيضاً اتهامات أخرى تتعلّق بدورها في تهريب الأرباح والوفورات المالية الضخمة التي حقّقتها وبالقطع الأجنبي إلى الخارج من خلال مصارف خارجية عربية لها حصص فيها، بمعنى أنها ساهمت بطريقة أو بأخرى في تدهور الوضع الاقتصادي الداخلي وتدهور سعر الليرة السورية مقابل الدولار.
إلا أن أحد خبراء التأمين يرى أن الوفورات المالية التي حقّقتها شركات التأمين جاءت نتيجة فرق العملة وارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة السورية، وليس نتيجة أحجام أعمالها التي تراجعت إلى ما دون الربع، هذا إضافة إلى ارتفاع أسعار تأمين السيارات خاصة الأجنبية والذي أدى إلى زيادة حجوم أرباح شركات التأمين، وبالتالي زيادة احتياطيات الشركات.
أما فيما يتعلّق بغياب الجانب الاجتماعي عن شركات التأمين، فيؤكد الخبير ضرورة أن تقوم هيئة الإشراف على التأمين وكذلك وزارة المالية بفرض ذلك على شركات التأمين أسوة بفرض الضرائب على أرباحها.
بدوره اعتبر مدير مالي في إحدى شركات التأمين العاملة في السوق، في معرض دفاعه عن السوق أمام تهم إخراج الاموال خارج البلاد، أنه يُمنع على شركات التأمين إخراج الأموال من سورية للبنوك المجاورة،.
ويرى أن شركات التأمين تقوم بدور اجتماعي يتمثّل في المحافظة على موظفيها وعدم تسريحهم رغم الظروف الصعبة التي تعصف بها، فضلاً عن استمرار صرف الرواتب لموظفي الفروع المغلقة في بعض المحافظات، مشيراً إلى أن مجالس إدارة شركات التأمين لا يمكن أن توافق على صرفيات خارج الشركة حفاظاً منها على هامش الربح.
في حين رأى خبير في الاقتصاد الكلي أن أغلب شركات التأمين تسعى لتحقيق الربح المادي على حساب أي اعتبار اجتماعي أو إنساني، بمعنى أن مفهوم العمل الأخلاقي هو آخر اعتباراتها في ظل سعيها نحو الربحية خاصة مع غياب دور حكومي رادع يمكن أن يلزمها القيام بأداء هذا الدور المهم خاصة في ظل الظروف الراهنة والمعنيّ هنا هيئة الإشراف على التأمين.
وبيّن الخبير أن غياب العين الرقابية الحكومية على شركات التأمين جعل من عملها فجاً، مع العلم أن مثل تلك الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد، يفترض أن تدفع بشركات التأمين نحو أداء المزيد من المهام الاجتماعية للأسر المهجرة، إلا أن الذي يحدث هو مساهمتها في تدهور العملة المحلية والتلاعب بأسعارها في الوقت الذي يفترض أن تكون ضامنة لمصالح الاقتصاد الوطني.
ولم يغفل الخبير في إشارته إلى أن الأرباح والوفورات المالية التي حقّقتها شركات التأمين طيلة سنوات من عملها في السوق التأمينية يفترض أن تساهم في دعم الليرة السورية من خلال الإبقاء على الدولار في البنوك السورية وعدم إخراجها أو تهريبها إلى الخارج، مشيراً إلى أن أغلب شركات الـتأمين والقائمين عليها هم جزء من الحلقة الطاغية والمتنفذة في الاقتصاد التي تغيب عن أدبيات الدور الوطني المعوّل عليه..