08-01-2013 – بانوراما التأمين
يعاني صندوق التأمين الصحي المدني من إشكالات مالية عديدة في توفيره للمبالغ اللازمة لتغطية نفقات مئات الآلاف من المواطنين، سواء أكانوا من موظفي الدولة أم من المعالجات المجانية لشرائح واسعة من الفقراء والمحتاجين أيا كانوا، فموازنته تواجه كل عام صعوبة رصد الأموال الكافية لمبالغ العلاج والعمليات الجراحية في الوقت الذي لا تكاد فيه الاشتراكات التي يتم اقتطاعها من المشمولين به، تغطي مبالغ يمكن لها تعويض مثل هذا الحجم من المصروفات التي تقدر بعشرات الملايين من الدنانير سنويا!
تبعا لذلك يتعرض صندوق التأمين الصحي مع نهايات كل سنة مالية إلى إحجام عدد من المستشفيات ومصانع ومستودعات الأدوية التي يتم التعاقد معها لتوفير العلاج ومستلزماته الطبية عن تقديم الخدمات التي يحتاج إليها المؤمنون لديه، على اعتبار أن مديونية كبيرة قد ترتبت عليه تحول دون قدرته على الإيفاء بها في مواعيدها المحددة وهذا ما يحدث فعلا إلى أن تتم تسوية الأوضاع المادية الحرجة!
لكن التأمين الصحي المدني يعاني في الوقت ذاته مما يمكن تسميته باستغلال مكشوف من قبل بعض الفئات القادرة على الإنفاق على نفسها، عوضا عن رمي حملها عليه على حساب المشتركين الآخرين الذين يصل عددهم إلى حوالي المليونين ونصف المليون مواطن ومواطنة، ونعني بذلك تحديدا الوزراء العاملين وغير العاملين والمنتفعين التابعين لهم وكذلك الحال مع إعفاء مجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب، الذين يعتبر الكثير منهم أن العلاج على نفقة الحكومة عبارة عن سياحة مجانية لا يدفعون أي مقابل عنها أسوة بالمشتركين الآخرين!
هذا ما يعترف به أحدث تقارير ديوان المحاسبة عن أوضاع التأمين الصحي المدني خلال عام 2011م، الذي أظهر أن تكلفة علاج هذه الفئة من وزراء ونواب وأعيان وأفراد عائلاتهم قد بلغت مليونا وستمائة ألف دينار لعددهم الذي يقدر بحوالي الألف وهو مبلغ يعادل ما أنفقه صندوق التأمين على أكثر من خمسين ألف مشترك طوال سنة كاملة، مع أنهم لا يتحملون أية نسبة من تكاليف العلاج والاقتطاعات حسب درجة التأمين قياسا على غيرهم من المشتركين الذين يتم تحميلهم نسبة عشرين بالمائة من فواتير المستشفيات والعلاجات.
ممارسات كثيرة من هذا القبيل تلقي بأعباء ثقيلة على صندوق التأمين الصحي المدني لهذه الفئة المقتدرة، من خلال التحويلات الطبية التي تنعم بها إلى المستشفيات الجامعية والخاصة والخدمات الطبية والمراكز العلاجية الكبرى من دون الرجوع إلى توفير الإجراء الطبي المطلوب، مما أوصل تكلفة علاج أمثال هؤلاء خلال ثلاثة أعوام نحو أربعة ملايين دينار كان ما نسبته ثمانية عشر بالمائة منها تم إنفاقها على علاج الأسنان وتجميلها وهذا ما يمكن اعتباره هدرا يصل إلى حد النهب الذي يحد من قدرة التأمين الصحي على مواجهة تكلفة خدماته الضرورية للملايين من المواطنين المحتاجين ما دام كبار القوم مستمرين في تحميله أوزارا يفترض أن يتحملوها هم أنفسهم!