سبق ان كتبت مقالة بعنوان «بم يتفق التأمين التكافلي والتأمين التقليدي؟»، بهدف توضيح اوجه التشابه من الناحية الفنية بين التأمين التكافلي والتأمين التقليدي. اما في هذه المقالة فسوف أتطرق الى وجه من اوجه الاختلاف «الجوهري» بين عقد التأمين التكافلي وعقد التأمين التقليدي، وبالتحديد المبلغ المدفوع للدخول في التعاقد على التأمين، وهو ما يسمى بالقسط في التأمين التقليدي، والتبرع في التأمين التكافلي، الاول يحسب باستخدام جداول الاحتمالات والاحصاء الاكتواري، ا
ما الثاني فليعذرني القارئ لعدم معرفتي بطريقة حساب التبرع.
مرّ زمن ليس بالقصير على صراع فقهي بين فريق يحرم التأمين وفريق يجيزه، وتغلب (عمليا وليس نظريا) الفريق الذي يجيز التأمين بابتداع وادعاء نوع جديد من التأمين، التأمين التكافلي. وطبعا لا بد ان يحاول هذا الفريق ان يضع المبررات الفقهية لجواز التأمين التكافلي عن طريق التخلص من جميع الشوائب الفقهية الموجودة في التأمين التقليدي، ولكنهم لم يستطيعوا ان يتطرقوا للتبريرات الفنية للتأمين التكافلي، هنا أقصد شوائب المقامرة والغرر والجهالة.
لا «أدعي» في هذه المقالة النزول الى حلبة التنافس بين جمهور التأمين التقليدي وجمهور التأمين التكافلي، فالارقام التي ذكرها تقرير بنك بوبيان تدل على ان صناعة التأمين التكافلي في ازدياد في الدول الاسلامية «فقط»، مع ان هناك انتعاشا في صناعة التأمين التقليدي في العالم.
ولكني هنا اردت ان أنبه، للمرة الثانية، نحو اهمية التفرقة بين عقد التأمين التكافلي وعقد التأمين التقليدي، وكما ان مصطلح التأمين التكافلي كان هو المنارة «التجارية» التي ادت الى استقطاب جماهير كثيرة نحو التعاقد التكافلي، وزيادة عدد وثائقه وشركاته، لكنه يحمل في باطنه ما قد يؤدي الى انهياره ونهايته، هنا أكرر مسألة القسط في التأمين التقليدي والتبرع في التأمين التكافلي.
لقد تطرق اوليفر آغا، احد المهتمين بعقود المؤسسات المالية الاسلامية، الى هذا الموضوع بورقة عنوانها «التبرع في التكافل: هل هو تطور مفيد ام تعقيد غير ضروري؟»، وهنا سأستعير من الكاتب بعض النقاط القانونية الجوهرية، التي في مجملها تؤيد عدم استحسان فكرة التبرع كمخرج شرعي لجواز التأمين التقليدي.
1 ـــ استخدام فكرة التبرع لا ينفي صفة الغرر عن عقد التأمين التكافلي (بالأساس الغرر غير موجود في فكرة التأمين)، وهنا بالطبع سندخل في نقاش طويل حول الغرر المسموح به في عقود التبرعات، والغرر غير المسموح به في عقد المعاوضات، والفرق بين الغرر المغتفر وغير المغتفر، ولكن كل هذا النقاش لا يثبت الفرق الراسخ بين حالة عدم التأكد في التأمين التقليدي وحالة عدم التأكد في التأمين التكافلي.
2 – هناك تساؤلات عدة حول جدوى تحول التبرع من هبة من طرف واحد وغير مشروطة الى عقد مشروط وملزم بين طرفين. وهذا التساؤل اعتقد مشروع، حيث الفكرة للتأمين التكافلي تقوم على أخذ التبرع ووضعه في صندوق المشتركين، ودفع التعويضات لمتضررين، واذا كان هناك فائض يرجع الى المتبرع، واذا كان هناك عجز يتم أخذ قرض حسن من صندوق الشركة.
3 – فكرة التبرع (بهدف التعاون) لا تنسجم مع عقد الوكالة والمضاربة (بهدف تحقيق العوائد الاستثمارية).
هذه باختصار بعض النقاط التي أراد الباحث ان يسلط عليها الضوء من وجهة نظر قانونية، ليصل الى ان تسمية قسط التأمين بالتبرع قد لا تكون ضرورية.
> ملاحظة: من الملاحظ ان رفض التأمين التقليدي بحجة الغرر المستقبلي (عدم معرفة نتائج التعاقد مسبقا) يتماشى مع رفض البنوك التقليدية، ولكن بحجة عدم الغرر المستقبلي (معرفة نتائج التعاقد مسبقا)