الكويت

يقول أهل العقد والحل في قطاع التأمين إن أول الدروس الاقتصادية لتحقيق النجاح المنشود في صناعة التأمين يرتبط بالثقافة التأمينية وزيادة الوعي بأهمية التأمين عند عامة الناس. من بدون هذا الوعي سيبدو وضع العاملين في قطاع التأمين كمن ينفخ في قربة ممزقة, فما فائدة تأسيس شركة تأمين جديدة في سوق ليست محدودة الإمكانات فحسب, وإنما يفتقد ناسها وسكانها للحد الأدنى من الوعي بأهمية التأمين?
من شاهد التسابق المحموم نحو تأسيس شركات تأمين جديدة في السوق المحلية خلال السنوات القليلة الماضية, اعتقد للوهلة الأولى أن هذه الظاهرة لم تكن سوى نتاج زيادة الوعي بأهمية التأمين أو بسبب انتشار الثقافة التأمينية بين المواطنين والمقيمين. ولكن حقيقة الأمر هو العكس تماما, فلا وعي عام بالمفهوم الحقيقي للتأمين ولا هم يحزنون. 
ومن تابع مراحل نقل السلطة في مجلس إدارة اتحاد شركات التأمين قبل عام ونيف, ظن أن هذا المجلس سيقلب الموازين في السوق المحلية, وأنه سيدشن أول نشاطاته بالمساهمة بنشر الوعي بضرورات التأمين في حياة الإنسان عموما, وترسيخ علاقاته مع الجهات المعنية بالتأمين مثل وزارة التجارة والصناعة وغرفة تجارة وصناعة الكويت والإدارة العامة للمرور بوزارة الداخلية وغيرها. ولكن وللأسف شيئا من هذا القبيل لم يحدث إلا ما يكفي لذر الرماد في العيون. 
إذا كان العضو المنتدب والرئيس التنفيذي في شركة غزال للتأمين السيد داوود توفيق الذي يملك خبرة طويلة في مجال التأمين وتقلد مناصب رفيعة في عدد من شركات تأمين محلية وله علاقات وثيقة مع عدد غير قليل من خبراء التأمين الكويتيين, إذا كانت هذه القيادة التأمينية وضمن مقالتها المنشورة في صحيفة القبس يوم الثلاثاء الموافق 24 أبريل المنصرم بعنوان: "اتحاد التأمين يضع العربة قبل الحصان" قد أكدت على ضرورة تحقيق عملية التثقيف التأميني وزيادة الوعي بأهمية التأمين أولا وقبل كل شيء, فعلى أي أساس تصرف مجلس إدارة اتحاد التأمين عندما لجأ إلى تنظيم ملتقى تأميني قصير الأمد لتنبثق من خلاله قضية التوعية?
نحن نعرف تمام المعرفة أن الملتقى المرتقب سوف لن يسخر للتوعية فقط وإلا لكانت طامة كبرى, ونعرف أيضا أن الملتقى سوف لن تخصص كل جلساته لتحليل المشكلات والمعوقات التي يعاني منها قطاع التأمين الكويتي, وإلا لكانت "فضيحة بجلاجل". ولكن وفي نفس الوقت هل يكفي أن تخصص جلسة أو اثنتين لمناقشة أهمية الوعي التأميني في الكويت والتي تجهلها حتى الجهات الرسمية? وهل تكفي جلسة واحدة لمناقشة مشكلاتنا التأمينية التي عجزت كل شركات التأمين عن إيجاد ولو مسكنات لها?. 
إنه حقا لأمر غريب أن يكون الاتحاد غائبا أو مغيبا عن الوضع الحقيقي لهذا القطاع وهو الذي يمثل شركات التأمين الكويتية كلها, فيفضل توعية المواطنين عبر مؤتمر سوف لن يحضره إلا بعض الشخصيات التأمينية, ثم ينفض الاجتماع لينسى كل من حضر ما دار في يومي المؤتمر. ولهذا أعتقد أن السيد داوود توفيق كان محقا عندما أشار إلى حتمية جهل الناس بأهمية التأمين بسبب إهمال شركات التأمين نفسها لهذا الجانب لعقود من الزمن, ما دفعه إلى التوقع بفشل المؤتمر لعدم معرفة الناس لا بهوية المنظمين ولا بشخصيات الحضور ولا بموضوع المؤتمر. 
وأي مؤتمر هذا الذي يملك القدرة على تدارس مشكلات ومعوقات قطاع التأمين في الكويت خلال يومين فقط بينما شركات التأمين المحلية نفسها لم تتمكن من إيجاد أي حل لهذه المشكلات, وهي التي كانت ولا تزال تواجه نفس المشكلات والمعوقات منذ أكثر من نصف قرن حتى يومنا هذا? لقد جرت العادة أن يكون الداعي لأي مؤتمر أن يكون قادرا على المشاركة الإيجابية الفاعلة مع ضيوف المؤتمر في تقديم الحلول الجماعية, لا أن يكون الضيوف أطباء لوصف العلاج للمضيف. 
ولهذا نتساءل كيف يمكن لاتحاد التأمين أن يساهم بتقديم مثل هذه الحلول لقطاعات التأمين الخليجية مثلا والخليجية نفسها قد تطورت وفاقت في تطورها قطاع التأمين الكويتي? فهل صار الاتحاد نفس ذاك الطبيب الذي يداوي الناس وهو عليل? والأدهى من هذا كيف يقدر الاتحاد على تقديم الحلول لمشاكل التأمين الخليجية بينما يعجز هو نفسه عن تقديم أي حلول لمشكلات? وكيف نتجرأ على قدراتنا ونتباهى بتقديمنا الحلول بينما نحن عاجزون حتى عن التوسل إلى وزارة التجارة والصناعة من أجل الإسراع في إطلاق سراح قانون التأمين الذي صار حبيس أدراج أو أرفف الوزارة منذ أكثر من عام?
كان بإمكان الاتحاد أن يدق ناقوس الخطر وأن يستخدم كل وسائل الاتصال بالجماهير من أجل أن ينذر وزارة الداخلية عموما والإدارة العامة للمرور خصوصا بخطورة إهمال التأمين على السيارات وحصره بالتأمين ضد الغير وبتسعيرة واحدة لم تتغير منذ أكثر من ثلاثة عقود طويلة ومملة تحول خلالها العالم كله بمئة وثمانين درجة, بينما الإدارة العامة للمرور – ومعها اتحاد شركات التأمين – يعيشون في أبراج عاجية وكأنهم لا يدرون ما يدور حولهم من متغيرات اجتماعية واقتصادية عديدة. وستكون لنا وقفة أخرى مع دور الإدارة العامة للمرور في تطوير قطاع التأمين اقتصاديا واجتماعيا خلال الأيام القليلة المقبلة. 
وكان بإمكان الاتحاد التنسيق مع جميع الجامعات والكليات المتخصصة من أجل الاستفادة من نتائج الأبحاث والدراسات الميدانية التي تجريها هذه الأكاديميات بين الفينة والأخرى حول صناعة التأمين ومحاولة العمل بنصائحها وتطبيق توصياتها. فوزيرة التجارة والصناعة السابقة الدكتورة أماني بورسلي على سبيل المثال لا الحصر كانت قد نشرت في جريدة الأنباء دراسة ميدانية كانت قد أعدتها حول قطاع التأمين ذكرت فيها أن هذا القطاع يعتبر الأقل نشاطاً في السوق المحلي, وإن شركات التأمين واقعة في مأزق لا تستطيع تحمله.
كان باستطاعة الاتحاد دعوة أعضائه إلى اجتماع عاجل لمناقشة ما جاء في هذه الدراسة والبحث في إمكانية التنسيق مع الدكتورة صاحبة أولى البحوث الميدانية حول قطاع التأمين, من أجل دراسة الإمكانات المتاحة لتطوير أدائه. حتى هذه الفرصة لم تستغل بشكل جيد, وحتى هذه اللحظة لم يخرج علينا هذا الاتحاد حتى بتعليق مقتضب "يبرد القلب" لا حول هذه الدراسة ولا حول الأوضاع المتردية لقطاع التأمين, الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل: ماذا ينتظر هؤلاء?
الأغرب من كل هذا أن صاحبة هذه الدراسة المتخصصة اختيرت وزيرة للتجارة والصناعة وكان لها علاقة مباشرة بقطاع التأمين, وكان بإمكان أعضاء مجلس إدارة اتحاد شركات التأمين استغلال هذا الظرف وتقوية علاقات قطاع التأمين مع هذه الأكاديمية التي أسهمت بلفت الانتباه إلى المعوقات التي تعترض قطاع التأمين, ولكن دون جدوى. فما الذي كان يمنع الاتحاد من أن يخطو مثل هذه الخطوة الإيجابية? لا أحد يدري. وإذا كنا نتساءل عما منع الوزيرة عن إثارة قضايا التأمين المحلي وهي المهتمة بها قبل توزيرها وبعد تركها الوزارة, إلا إننا نعذرها بسبب كثرة مشاغلها الوزارية آنذاك, ولكن السؤال الأهم: ما الذي منع قطاع التأمين بأكمله – وعلى رأسه الاتحاد نفسه من أن يدفع بقضايا التأمين لتبوأ سلم الأولويات على أجندة الوزيرة?
ان أي قانون منظم لعمل كل الوحدات العاملة في قطاع التأمين الكويتي هو في حقيقة الأمر داعم لتطويره ومساند لإنجازاته الإيجابية. ولهذا فإن مشروع قانون التأمين المحبوس في أدراج وزارة التجارة والصناعة منذ أكثر من 14 شهرا حتى اليوم, لم يحاول الاتحاد أن يحث الوزارة على فتح هذه الأدراج لحلحة عملية التشريع? وتوقعنا من اتحاد شركات التأمين أن يبذل المزيد من الجهد التشريعي لتأكيد ادعائه المتكرر أنه فاعل ويعمل لصالح أعضائه أو على الأقل لصالح الاقتصاد الوطني, ولكن يبدو أنك أسمعت لو ناديت حيا, ولكن لا حياة لمن تنادي. 
رئيس وأعضاء مجلس إدارة اتحاد شركات التأمين هم أكثر الناس معرفة بأوضاع شركات هذا القطاع على أساس أنهم يمثلون وحدات قطاع التأمين بأكمله من جهة, وهم الرابط الفاعل ما بين قطاع التأمين والمؤسسات الحكومية ذات الصلة بالقطاع من جهة أخرى. ولهذا فنحن نتوقع أن تصب كل المعلومات التأمينية المقبلة من الجهات الرسمية ومن القطاع الخاص عند مصب الاتحاد الذي يفترض أن يكون معنيا بتطوير أداء صناعة التأمين من خلال دراسة أوضاع جميع شركات التأمين الجيدة منها وغير الجيدة, وهو المعني بالبحث في كل أشكال المعوقات التي تعترض تطوره من أجل تذليلها حتى لا تمتد عدوى خسائر بعضها إلى شركات أخرى في القطاع, ورغم ذلك لم يحرك أي عضو من أعضاء الاتحاد أي ساكن.