د.فهد بن حمود العنزي
تتكرر بين الفينة والأخرى الأخبار عن قرب التأمين على العمالة المنزلية القادمة للعمل في المملكة. وعلى الرغم من أن المعنى ينصرف هنا إلى التأمين ضد تغيب العمالة المنزلية أو رفضها العمل لدى رب العمل، إلا أن التأمين على العمالة المنزلية يشمل مجالات كثيرة يستفيد منها العامل المنزلي، كما يستفيد منها رب العمل. وذلك على اعتبار أن المخاطر التي تنشأ، بسبب علاقة العمل التي تربط الطرفين ببعضهما هي مخاطر متعددة ويمكن أن يتعرض لها الطرفان على حد سواء.
ومما لا شك فيه فإن علاقة العمل التي تربط العامل المنزلي بالأسرة التي يعمل لديها تختلف عن علاقة العمل التي تربط العامل برب العمل في المصنع أو في الشركة، فهذه العلاقة لها خصوصيتها التي تختلف عن بيئة العمل الإداري أو التجاري. فبيئة العمل في المنزل ومع الأسرة تقود إلى اعتبار العامل، خاصة الخادمة وكأنه أحد أفراد الأسرة الذي يعرف من التفاصيل عن الأسرة وأفرادها ما لا يعرفه الأقارب. كما أن علاقة العمل لا تكون فقط مع رب العمل أو صاحب المنزل فحسب، وإنما تكون مع أفراد الأسرة صغارا وكبارا. ولهذه الاعتبارات وغيرها استبعد نظام العمل بالمملكة في المادة السابعة منه تطبيق نظام العمل على خدم المنازل ومن في حكمهم.
ومن نافلة القول إن هذه الخصوصية في العلاقة بين خدم المنازل والأسر التي يعملون لديها يتولد عنها الكثير من المخاطر المحتملة، التي قد تصل إلى حد ارتكاب بعض الأفعال الجنائية كالقتل والاعتداء الجسدي، وهي ترتكب إما بدافع الانتقام أو التفريغ، بسبب الكبت أو وجود بعض الأمراض النفسية التي تنتج عنها سلوكيات عدوانية، وغالبا ما يكون ضحايا هذه السلوكيات هم الأطفال الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى وجودهم مع الخادمات دون رقابة من الأهل. ومن ضمن هذه المخاطر بعض الجرائم الأخلاقية أو السرقة أو حتى إتلاف المقتنيات المنزلية بشكل عمدي. وفيما يتعلق بالهروب فإنني أرى أن هذا المصطلح غير قانوني، والبديل له هو التغيب عن العمل أو ترك العمل، وذلك لأن الهروب لا يمكن قبوله إلا عندما تكون هناك إقامة جبرية على العامل! وهذا غير ممكن من الناحية القانونية، فتوفير المسكن داخل بيت الأسرة يختلف عن مفهوم الإقامة الجبرية، فالمسكن هو حق للعامل المنزلي. وعلى العموم فالمخاطر التي يمكن التأمين عليها كثيرة ومتعددة عدا التأمين ضد الهروب فهو غير قانوني ويمكن استبداله بالتأمين ضد الغياب أو ترك العمل الإرادي.
وفي المقابل فإن المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها خدم المنازل ويمكن التأمين عليها متعددة كذلك، ولعل أهمها التأمين ضد عدم دفع الأجرة أو التأخر فيها، والتأمين ضد الاعتداء الجسدي الذي يرتكب ضد خدم المنازل بما في ذلك الاعتداء الجنسي، هذا علاوة على التأمين ضد الحوادث التي تحصل لهم، بسبب ممارسة العمل المنزلي، وكذلك التأمين الطبي لتغطيتهم عند حصول المرض.
وفي اعتقادي فإن سعر القسط في الوثيقة التي تصدرها الشركات سواء لمصلحة رب العمل أو لمصلحة العامل سيكون عاليا إذا ما شملت الوثيقة جميع المخاطر التي أشرت إليها. وما أتوقعه هو أن شركات التأمين في حالة اتخاذ قرار منها بالتأمين على العمالة المنزلية -ستكون انتقائية في تغطيتها للمخاطر التي ستقوم بالتأمين ضدها، وستتمحور حول خطر رئيس لكل طرف وهو تغيُّب العمالة الإرادي وتركها العمل بالنسبة لرب العمل، وعدم دفع الأجرة بالنسبة للعامل مع بعض التغطيات البسيطة التي تشمل مخاطر معينة، ولكن وفق سعر إضافي.