29-11-2014 – بانوراما التأمين
العلاقة السليمة بين "التأمين" والمؤمّن مرهونة بصدقيّة المعلومات التي يوفّرها الوسيط
العلاقة السليمة بين "التأمين" والمؤمّن مرهونة بصدقيّة المعلومات التي يوفّرها الوسيط – الزبون ضحية اعتماد الشركات الخط الصغير في البوليصة وإهماله قراءة العقد
لم تكن جميع حالات الوفيات في حرب تموز 2006 ناتجة من القصف الاسرائيلي، بل كان ثمة ضحايا تسبب فيها القصف الاسرائيلي. ناصر حيدر كان واحدا من الضحايا، اذ تسبب وقوعه في حفرة ناتجة عن تدمير احد الجسور بموته، بعدما توقف قلبه عن الخفقان من هول الصدمة.
لا نأتي على ذكر هذه الحادثة لنتذكر المآسي التي سببتها "حرب تموز"، بل للاضاءة على مشكلة واجهتها عائلته مع شركة التأمين التي أراد حيدر ان يحمي نفسه عبرها من غدر الزمن، فكانت هي والزمن عليه. إذ على رغم انه اشترى بوليصة تأمين لحمايته من الحوادث الشخصية التي قد يتعرض لها، الا ان الشركة اعتبرت ان وفاته طبيعية، ووضعتها في سياق الاضرار الحربية التي لم يشترها حيدر ضمن البوليصة، لذا حرمت عائلته من التعويض الكامل التي كانت ستحظى به لو أن الشركة وفت بما وعدت به.
ليس مستغربا أن يكون قطاع التأمين من أكثر القطاعات التي تشهد علاقات متوترة بين الشركات والزبون. فالخط الصغير الذي تعتمده الأولى لكتابة عقود التأمين والتقنيات غير الواضحة التي تستخدم في شرح شروطه، يتيحان المجال للاستنسابية في التفسير، خصوصا اذا تعمد وسيط التأمين اخفاء بعض الحقائق عن الزبون بغية اغرائه لشراء البوليصة.
غالبية الشركات تعتمد اللغتين الانكليزية والعربية لكتابة العقد، ولأن الشروط كثيرة فإنها تضطر الى كتابتها على ورقة واحدة وبخط صغير، علما أنه إذا أخذنا في الاعتبار القانون الدولي للتأمين، فإن ثمة شروطا لكتابة العقد وطباعته. إذ يجب أن تكتب كل شروط العقد بالخط واللون نفسيهما، وألا يتم طباعته على ورقة شفافة لضمان قراءتها على نحو واضح، وفق ما يؤكد المعنيون في القطاع.
ولكن وفق مصادر شركات التأمين، تكمن المشكلة الاساسية بين شركات التأمين والزبون في الوسيط الذي يعطي في الكثير من الاحيان معلومات مغلوطة للزبون حتى يضمن بيعه البوليصة، علما "أن التأمين بكل فروعه هو عبارة عن وعد، وبقدر ما يكون الوسيط صادقا بإعطائه المعلومات عن العقد، تكون العلاقة بين الزبون وشركة التأمين في مأمن".
غالبية المشكلات بين شركات التأمين والزبون ناتجة من عقد غير مكتمل الشروط. وفي حال وقوع أي مشكلة، فإن الشركة تقوم بإجراء تحقيق معمق بغية ايجاد ثغرة ولو بسيطة حتى تتهرب من الدفع، وفق المصادر. وتشير الى ان الفارق بين شركات التأمين اللبنانية والشركات العالمية، هي أن الاولى تستغل الخطأ الذي يقع فيه المؤمن حتى ولو كانت نسبته 1%، فيما تعمد الثانية الى اعطاء حقوق المؤمن حتى ولو كان الخطأ يقع على عاتقه بنسبة 99%، وذلك بغية المحافظة على سمعتها.
المسؤولية تقع على الوسيط والزبون
لا يعلق رئيس جمعية شركات الضمان أسعد ميرزا أهمية كبيرة على الخط الصغير الذي تعتمده الشركات لكتابة شروط العقود، إذ يعتمد في كل دول العالم، لذا لا يمكن القول أن المسؤولية تقع على شركة التأمين، بل أن المسؤولية مشتركة بين الزبون ووسيط التأمين".
ويشير الى انه لا يمكن اتهام شركات التأمين بالغش، إذ أن "شروط العقد مقتبسة عن قانون التجارة الدولي على نحو "مبكل"، لا يمكن التلاعب بمضمونه. لذا فإن المسؤولية تقع على الوسيط الذي يجب أن يشرح للزبون مضمون العقد وشروطه، كذلك تقع على الزبون الذي يجب أن يقرأ جيدا شروط العقد". ولكن مشكلة اللبنانيين وفق ما يقول انهم "لا يحبون القراءة، لذا تجد البعض منهم يقعون في مشكلات هم في غنى عنها مع شركات التأمين، علما أن هذه المشكلات غير ملحوظة في أوروبا كثيرا، اذ يعمد الزبون الى اطلاع المحامي على العقد ليتأكد من ملاءمة شروطه له". كما أن وسيط التأمين يلجأ الى اغراء الزبون بتسهيلات عدة ليضمن توقيعه على العقد، ولكن عند حصول أي سوء تفاهم بعد توقيع العقد تتحمل شركة التأمين المسؤولية.
وسطاء التأمين حل أم مشكلة؟
فيما تضع شركات التأمين اللوم على وسطاء التأمين في حال حصول أي مشكلة مع الزبون، يعتبر رئيس نقابة وسطاء التأمين عصام حتي أن "المشكلات تطرأ عندما لا يكون ثمة وسيط بين شركات التأمين والزبون. إذ أن مهمة الوسيط أن يشرح شروط "البوليصة" وحقوق وواجبات الشركة والزبون على حد سواء"، مشيرا الى حسنات اتكال المؤمن على وسيط التأمين ان الاخير يبقى الى جانبه "بدءا من متابعته لإصدار البوليصة ومتابعة تطوراتها خلال سريان مفعولها حتى حصول حادث ما لا سمح الله".
وفي حال حصول اي مشكلة مع شركات التأمين، فإن "الزبون يشكو الشركة عند مكتب الشكاوى في وزارة الاقتصاد، وفي حال تعذر حلها فإنهم يرسلون الملف الى المحكمة التحكيمية التابعة للوزارة التي تحكم بين الطرفين"، لافتا الى ان من صلاحيات الوزارة النظر في القضايا التي لا تتعدى نسبة الدفع فيها الـ50 الف دولار، وغالبا ما تتعلق هذه الشكاوى بقطاعي التأمين على السيارات والاستشفاء. أما الشكاوى التي تناهز قيمتها هذا المبلغ، فإنها تحال على المحاكم العادية للنظر فيها، وخصوصا في ما يتعلق بالتأمين على الحياة والسرقة والحرائق.
ويبدو ان المشكلات مع شركات التأمين تتركز أكثر في شقي التأمين على السيارات والاستشفاء نظرا الى الشروط الكثيرة التي تلحظها العقود، فيما تقل نسبتها في قطاع التأمين على الحياة، خصوصا اذا أعطى الزبون معلومات صحيحة ودقيقة عن وضعه الصحي.
ولكن ما هي الحالات التي لا تدفع فيها شركات التأمين لزبائنها في التأمين على الحياة؟ وفق المصدر، فإن غالبية شركات التأمين لا تدفع للمستفيدين من البوليصة في حال وفاة المؤمن في الحالات الرئيسية الثلاثة الآتية:
– اذا كان طالب التأمين قد اعطى معلومات خاطئة أو مغلوطة.
– اذا اقدم المؤمَّن على الانتحار قبل مرور سنتين على تاريخ اصدار البوليصة.
– في حالات الحروب والعمليات الارهابية، إلا اذا كان المؤمَّن قد اشترى هذه الحماية.
ويشير الى ان "الهدف من التأمين على الحياة هو حماية الشخص، أما اذا تم اختيار المستفيدين على نحو خاطئ فإن ذلك يمكن ان يعرض حياة المؤمن الى الخطر بغية الافادة من البوليصة".