يعود التفكير باطلاق التأمين الاسلامي في عقد السبعينيات من القرن الماضي في ضوء نمو الاقتصاد العالمي وارتفاع العائدات النفطية وزيادة الاعمال التجارية بشكل كبير، ومع هذا النمو وجد قسم كبير من التجار حرجا في التعامل مع شركات التأمين العادي لاسيما في دول الخليج العربي والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص والسودان، وتنادى علماء الفقه واعضاء هيئة كبار العلماء في السعودية واصدروا فتوى في العام 1979 بأحلية التأمين التعاوني المبني على الآية الكريمة « وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان» وكان تأصيل الفتوى ان التأمين التعاوني المقر شرعا من هيئة كبار العلماء في اجتماعين متتالين في مكة المكرمة في العام 1979 حيث اصدرت الفتوى التي تعتبر التأمين التكافلي البديل الشرعي للتأمين التقليدي.

اكد ذلك المدير العام لشركة التأمين الاسلامي احمد الصباغ في لقاء مطول مع « الدستور» وتساءل… من اين اتت هذه الفكرة وعلى اساس تقوم؟ وقال ان الجواب يكمن في ان الاساس مستنبط من فكر سابق وهو التأمين التبادلي المعتمد في اوروبا في اواسط القرن السادس عشر، حيث تنادى عدد من التجار واصحاب المهن من نجارين وحدادين واصحاب البواخر واسسوا صندوقا يتم وضع اقساط تأمين فيه بحيث يتم التأمين على اعمالهم في حال حدوث خسارة ما يتم يدفع من الصندوق، والتأمين التعاوني مبنى على هذا الاساس والابتعاد عن عقود الغرر والربا وعقد التأمين يعتمد التبرع وليس المعاوضة، ومبدأ الالتزام بالتبرع المتبادل للمشتركين، وعند تأسيس الصندوق التعاوني يتم ايداع كافة اقساط التأمين وغير مستردة وذلك لجبر الضرر في حال تحققه، واساس احتساب القسط وفق التأمين التقليدي، وهذا الصندوق يتبرع بالتبرع لمن اصابه الضر وتصرف منها المطالبات وتكلفة اعادة التأمين، وشركة التأمين التي تدير الصندوق وفق اجرة يتم الاتفاق بشأنها في بداية العام المالي، وما يتبقى من اموال الصندوق بعد الصرف للمتضررين وبدل ادارة الصندوق وتكليف اعادة التأمين، والفائض من اموال الصندوق بعد اخذ الاحتياطيات القانونية يتم توزيعه على حملة الوثائق، وهذا الاساس الذي يقوم عليه التأمين الاسلامي.

وفي نفس الوقت اكد الصباغ أن هناك فصلا بين اموال صندوق التأمين واموال المساهمين في الشركة الذين اسسوا الشركة حسب القانون النافذ في الدولة، وهنا فان ارباح شركات التأمين الاسلامي تأتي من ثلاثة مصادر، الاول العائد على استثمار راس المال، والثاني من ( الاجر المعلوم ) عوائد ادارة صندوق التأمين التعاوني، والثالث النسبة الشائعة متفق عليها من عوائد استثمار اقساط التأمين الفائضة لدى الشركة بصفتهم يقومون بالمضاربة يقوم باستثماراتها ويقومون باستفياء عوائد تتراوح ما بين 20 الى 25 بالمائة من العائد والنسبة المتبقية توزع على حملة الوثائق، اما الحساب الآخر وهو حساب حملة الوثائق يندرج به جميع عمليات التأمين، اي لديك شركتين، الاولى تختص باعمال التأمين تحت منظمومة صندوق التأمين التعاوني، وشركة اخرى تدير التأمين لانها تحتوي على فنيين ومدراء ذوي خبرات ومهنية عالية في ادارة العملية التأمينية.

واوضح ان التأمين التقليدي لم يحرم لكن هناك حرجا ومخاوف ابداه تجار في مناطق عديدة، والفكرة والبعد الاقتصادي الذي تطرحه شركات التأمين الاسلامي له اقبال كبير وهنا اعداد كبيرة من التجار من المسيحيين يقبلون على التأمين الاسلامي لجدواه الاقتصادية والفنية، وينظرون اليه من زاوية رياضية ( حسابية) فهو مؤمن له وفي نفس الوقت لهم مساهم في الصندوق التكافلي، ويعود عليه ريع دون ان يكون لهم سهم في راسمال الشركة، بينما بالنسبة للتأمين التقليدي لايمكن استرداد قيمة القسط او جزء منه.

وفي شركات التأمين الاسلامي يؤكد الصباغ انه يتوجب وجود هيئة رقابة شرعية تراقب وثائقها ونظامها الاساسي، واتفاقيات اعادة التأمين لدى شركات تأمين اسلامية، ومراقبة حساباتها ومجالات استثماراتها، والهيئة تصدر تقريرها في نهاية السنة المالية عن مراقبتها وتفتيشها على اعمال الشركة والاجابة على الاستفسارات التي ترد اليها من ادارة الشركة وتقوم بتصحيح عقودها بما يتوافق مع احكام الشريعة الاسلامية، ومؤخرا على سبيل المثال بحثنا مسألة التحكيم بما لا يتعارض مع احكام الشريعة الاسلامية، وتنوب الهيئة عن ما لا نائب عنه بخاصة اصحاب حملة الوثائق، لكن في شركات التأمين التقليدية يوجد لجان فنية تراقب العمل.

وفي توضيح حول تأمينات الحياة قال الصباغ ان قضية التكافل الاجتماعي مبنى على اساس تأمينات الحياة، ومن وجهة نظري موجود في التأمين التكافلي، وقال النبي صلى الله عليه وسلم « انا وكافل اليتم في الجنة هكذا واشار باصبعية السبابة والوسطى» ولم ترد الكفالة الا في وضع اليتيم، واستنبطنا ان التكافل هو يحل محل تأمين الحياة، ولم يرد الموت في القرآن الكريم الا « مصيبة الموت تحتاج الى عناية وجبر ينجم أيتام وأرامل، من هنا جاء التأمين التكافلي، وعندما تذهب للبنك الاسلامي لتحصل على تمويل لشراء سلعة ما يطلب منك البنك كفالة، تقدم لك شركة التأمين الاسلامي وثيقة تأمين تكافل اجتماعي عن الحياة، والمستفيد منها البنك وفي حال حصول الوفاة تسدد الشركة للبنك الرصيد القائم دون تأثر الاسرة، وهو تكافل اجتماعي وبصورة اخرى تأمين على الحياة.

وحول قيمة التعويضات لدى شركات التأمين التقليدي ومقارنة مع شركات التأمين الاسلامي هل هي متماثلة قال الصباغ الفكرة لدى الشركتين نفسها تقريبا لان قواعد التأمين واحدة في العالم وفق معايير محددة، بينما تختلف المعاملات من شركة الى اخرى، وقيمة التعويض واحدة في حال نفس الحادث والضرر الذي وقع، والفروقات في شركات التأمين هناك تسهيل وحماية اكبر للمكتتب، وقد نختلف مع المكتتب حول قيمة جبر الضرر « التعويض» هناك مختصين اكتواريين وهيئة رقابة شرعية، وكثيرا ما يكون الحكم لصالح العميل انطلاقا من سماحة الشريعة في المعاملات، كما ان تسديد الحقوق خلال ايام قليلة دونما تأخير.

وفي رده على سؤال حول طرق استثمارات اموال شركات التأمين الاسلامي قال الصباغ ان اموالنا تستثمر في البنوك الاسلامية وفي الاردن لدينا خيارات ويوجد اربعة بنوك اسلامية، والمجالات كبيرة، ونؤمن للبنوك الاسلامية وهي شكل من اشكال الشراكة بهدف تحسين الاداء، وخلال السنوات الماضية تجمع لدينا ارباح في صندوق فائض التأمين، ولدينا فئة من الناس تأتي من دول الخليج العربي عابرة الاردن تؤمن على مركباتها في المنافذ الاردنية، تغادر الاردن خلال ساعات وعندما تعود الى بالدها عبر الاردن تؤمن الزاميا مرة ثانية بنفس الطريقة، وتتجمع لدينا اموال ومن التأمين الالزامي، هذه الاموال التي تخص المكتتبين توضع في حساب معلق يعلن عنه في الصحف خلال ثلاثة اشهر مرتين ومن يراجعنا اهلا به ونسلمه ما يخصة من هذه الاموال، والرصيد لا يدخل حسابات الشركة ولا حسابات حملة الوثائق، وييتجمع في حساب معلق اسمه حساب وجوه الخير، وبلغ في السنوات الماضية نحو 600 الف دينار، وحاول البعض اجراء اختبار علينا وحصلوا فورا ما يخصهم من حقوقهم برغم ضئالة المبلغ، وخصصنا بعض اموال هذا الصندوق لدعم الدراسات العليا في كلية الشريعة في الجامعة الاردنية.

وفيما يتعلق بنمو صناعة التأمين الاسلامية بالمقارنة مع البنوك الاسلامية قال الصباغ ان المصارف الاسلامية اسبق من حيث التأسيس، وان الوعي بالتأمين الاسلامي ما زال في بداياته ويحتاج الى جهود اكبر، وعندما اسسا شركة التأمين الاسلامي في العام 1996 كنا نحو ثماني شركات تأمين اسلامي في العالم العربي اليوم الصورة تبدلت وارتفع عددها الى 75 شركة في المنطقة وعلى المستوى العالمي تتجاوز 200 شركة تأمين تكافلي، رؤؤس اموالها تناهز المليار دولار، حاليا تم تأسيس شركات لاعادة التأمين الاسلامي في سوق تتسع بشكل جيد، وحاليا هناك شركة سعودية لاعادة التأمين راسمالها مليار ريال مدفوع بالكامل نساهم فيها، وهناك توسع افقي وراسي لشركات التأمين الاسلامي.

واضاف اننا نحرص على توسيع نطاق عمل شركات التامين الاسلامي في المنطقة العربية والعالم الاسلامي والمراكز التجارية والمالية العالمية، وفي المجال فالشركة تقدم خبراتها وتجربتها لمساندة الشركات التي تعتزم تأسيس شركات تأمين اسلامي في المنطقة ونوفر كل ما نستطيع تقديمه لانجاحها، وهناك جهود مثمرة في هذا المجال في لبنان وتونس، ونحن ماضون في هذا النهج.

هناك رأي ثابت يؤكد ان هذه المرحلة في ضوء تداعيات الازمة المالية العالمية هي مؤاتية للاقتصاد الاسلامي في مقدمته الصيرفة الاسلامية وفي ضوء تقارب اهمية وانتاجية شركات التأمين مع البنوك، يرى الصباغ ان لشركات التأمين الاسلامي في هذه المرحلة دور حيوي اذ لم تتضرر البنوك والشركات الاسلامية كما تضررت البنوك التقليدية والشركات الاخرى، وهناك اعتراف عالمي بذلك، وان النظام المالي الاسلامي اكثر سلامة ومتانة وقدرة على تسريع وتيرة النمو، مؤكدين ان الربا يأكل المنافع وتحصدها، وتعاظم انتشار شركات التأمين الاسلامي يأتي ليواكب التقدم المرصود والمشهود للنظام المالي الاسلامي.

وكشف الصباغ عن توجه يدرس في الاردن لتأسيس معهد للتأمين في الاردن لخدمة صناعة التأمين في الاردن والعالم العربي ويضم التأمين التقليدي والاسلامي، وسيختص الاردن في تخريج كفاءات وفق مهنية عالية في التأمين التقليدي والتأمين الاسلامي، واعادة التأمين الاسلامي بحيث يشكل الاردن مركزا ومنارا للتعليم والتدريب التأميني وستساهم شركات التأمين في راس المال، والهدف ليس ربحيا بالاساس وانما تطوير المهنة والقطاع، وتعود بالمنفعة على الاقتصاد الاردني