28-12-2013 – بانوراما التأمين
تباينت آراء مختصين في قطاع التأمين في السعودية حول أهمية إنشاء صندوق لحماية حقوق حملة بوالص التأمين كما هو معمول به في عدد من دول العالم.
ويعتقد أحد المختصين أن صندوق حماية حملة بوالص التأمين في حال إنشائه سيكون له فوائد عديدة تتمثل في توفير التعويض التأميني المناسب لحملة البوالص نتيجة إفلاس إحدى شركات التأمين، إضافة إلى حماية المدخرات الوطنية من التبخر، والمحافظة على عدم اهتزاز ثقة المستثمرين في قطاع التأمين، إلا أن مختصين آخرين يؤكدان أن مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" تقوم بهذا الدور من خلال إشرافها ومراقبتها أداء شركات التأمين.
وقال لـ "الاقتصادية" مراد الحاج محمود، مدير دائرة إدارة المخاطر، في شركة الاتحاد التجاري للتأمين التعاوني: فكرة إنشاء صندوق لحماية حقوق حملة البوالص ليست بجديدة وهي مطبقة في العديد من الدول، لذا يجب طرحها للدراسة والمناقشة بجدية في السوق السعودية،
وأوضح: هناك الكثير من المعوقات التي تواجه إنشاء مثل هذا الصندوق، أول هذه المعوقات وأهمها هي كيفية تغذية هذا الصندوق بالموارد المالية اللازمة لخدمة الهدف منه، كما أن هناك معوقات تتعلق بعضوية الشركات في هذا الصندوق: هل هي إجبارية أم اختيارية؟ إضافة إلى ضرورة وضع الأسس الصحيحة اللازمة لاستثمار أموال الصندوق، وعلى الرغم من هذه المعوقات إلا أن فكرة الصندوق واردة ومطبقة في العديد من الدول لما له من فوائد، لذا فإن سوق التأمين السعودية في حاجة إلى مثل هذا الصندوق.
وأضاف أن إنشاء هذا الصندوق تصاحبه مخاطر تتمثل في تقاعس الإدارات في شركات التأمين من بذل الجهد المناسب للحفاظ على الوضع المالي الجيد واختيار الأخطار المناسبة للاكتتاب فيها، بسبب علمهم بأن وجود مثل هذا الصندوق سيكون بمنزلة الخطة البديلة لتغطية حملة البوالص في حال إفلاس شركة التأمين، كذلك المستفيد من التغطية التأمينية سواء كان فردا أو شركة لن يبذل الجهد المناسب في اختيار الشركة المناسبة التي تضمن له حقوقه في حال وجود مطالبات، وذلك بسبب وجود مثل هذا الصندوق.
وتأتي الدعوة لإنشاء الصندوق في ظل مخاوف مختصين في قطاع التأمين من أن تتعرض شركات تأمين لخسائر مالية تفقدها جزءا من رأسمالها، لذا لا بد من التفكير الأنسب لحماية حقوق حملة البوالص في حال عدم تمكن شركة التأمين من سداد التزاماتها.
وهنا عاد الحاج ليشير إلى أن الجهات الرقابية تحاول بذل العناية الفائقة لمنع إفلاس شركة التأمين من خلال وضع التشريعات اللازمة لتجنب تعرض الشركات لمخاطر كبيرة تحد من قدرتها على سداد التزاماتها أو تقودها إلى الإفلاس، لذا تقوم الجهات الرقابية بمراقبة أداء شركات التأمين بشكل حثيث من خلال التفتيش الميداني والتفتيش المكتبي، وذلك بمتابعة تطور العديد من المؤشرات المالية وعلى رأسها نسبة الملاءة المالية، كما تتدخل الجهات الرقابية عند وجود مؤشر لاحتمال ظهور ضائقة مالية في الشركة قبل تفاقمها لوضع الحلول المناسبة، وذلك بالتنسيق مع إدارة الشركة، كما تعمل الجهات الرقابية من خلال تشريعاتها على خلق بيئة رقابية في شركات التأمين من خلال تفعيل دور التدقيق الداخلي والامتثال للأنظمة والقوانين الصادرة، كما يتم وضع الأسس السليمة للحاكمية المؤسسية في الشركات، ناهيك عن دور إدارة المخاطر التي تقوم بوضع نظام للإنذار المبكر عن أي مخاطر يحتمل حدوثها في المستقبل، وتدخل هذه الأدوات الرقابية جميعها في منظومة متكاملة تحقق هدفها فقط إذا تم دعمها من مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية في الشركة، وبخلاف ذلك لن يتحقق الهدف المرجو منها.
لكن الحاج يؤكد أنه على الرغم من الإجراءات المطبقة من قبل الجهات الرقابية والتشريعات الصادرة بخصوص ذلك إلا أن هناك شركات تأمين قد تكون معرضة للإفلاس ويبقى هذا الخطر الهم الأكبر للجهة الرقابية كونه يؤثر في ثقة المستثمرين، إضافة إلى ضياع حقوق حملة البوالص وعدم وجود تغطية تأمينية للكثير من المدخرات الوطنية التي تم التأمين عليها.
وتابع الحاج: أنه في ظل هذه المعطيات وكيفية المحافظة على حقوق حملة البوالص في حال إفلاس شركة تأمين، قد آن الأوان لإنشاء صندوق لحماية حقوق حملة البوالص، في ظل وجود شركات تأمين تتعرض لخسائر متلاحقة، وسعى البعض منها لرفع رأسمالها لإطفاء الخسائر، مشيرا إلى أن عملية رفع رأس المال قد تكون سهلة لبعض الشركات، لكن لها تأثير سلبي في المساهمين الأساسيين وستكون وسيلة سريعة لتغطية نتائج "سوء الإدارة" في حال كان ذلك السبب الرئيس للخسارة، وعليه فإن رفع رأس المال كان حلا مؤقتا للمشكلة وليس حلا جذريا، أما إذا لم تستطع الشركات رفع رأس المال وعجزت عن سداد التزاماتها كان الطريق الوحيد هو الإفلاس، ففي هذه الحالة يجب أن يكون هناك ضمان لحقوق حملة البوالص، وهذا الأمر لا يتحقق إلا في ظل وجود صندوق يحمي هذه الحقوق.
من جهته، قال لـ "الاقتصادية" ناصر عبد الله البصيص، المدير التنفيذي لشركة سارليس تيلور للمعاينة، إن الشروط والضوابط المنظمة لصناعة التأمين في السعودية تفرض على شركات التأمين قبل حصولها على الترخيص من مؤسسة النقد "ساما" لا بد أن تدفع ما لا يقل عن 100 مليون ريال، مشيرا إلى أن هذه المبالغ تودع لدى "ساما"، وبعض حصولها على الترخيص يتم تحرير هذه المبالغ، ولكن على الرغم من ذلك تبقى شركات التأمين تحت إشراف ومراقبة "ساما" من حيث الملاءة المالية، أي القدرة المالية لشركات التأمين، لذا نجد "ساما" تراقب الملاءة المالية وفي حال لاحظت مؤسسة النقد بوادر انهيار في إحدى شركات التأمين، تحتجز أموال تلك الشركة، وتعطى فرصة لتحسين وضعها المالي وتوقف نشاطها ومنتجاتها، وهي بوالص ووثائق التأمين، وبعد تحسين الوضع المالي يسمح لها بمعاودة نشاطها مجددا، لذلك نجد "ساما" مشرفة على سوق التأمين والملاءة المالية للشركات، وتوقف نشاط ومنتجات أي شركة تعاني صعوبات مالية يمكن أن تضيع حقوق المستثمرين والمساهمين وحملة الوثائق والبوالص، وسبق أن أوقفت "ساما" عددا من شركات التأمين التي تواجه صعوبات مالية.
وقال إن حقوق المساهمين وحملة وثائق التأمين تلقائيا محمية من قبل مؤسسة النقد وتردها لهم في حال عجزت إحدى شركات التأمين عن تخطي الصعوبات المالية التي تواجهها والتي يمكن أن تؤدي إلى وقف نشاطها ومنتجاتها نهائيا، ويرى أن حقوق حملة البوالص محمية دون وجود طرف ثالث بين شركات التأمين و"ساما".
ويرى البصيص أنه ليس هناك حاجة إلى صندوق لحماية حقوق حملة بوالص التأمين، إلا في حال إخفاق مؤسسة النقد؛ وهذا أمر مستبعد؛ في أداء دورها وعملها لحماية حقوق حملة بوالص التأمين، على اعتبار أن "ساما " تعمل وفق ضوابط دقيقة بالذات فيما يتعلق بالجوانب المالية، وحرصها على حقوق المستثمرين في جميع الشركات وليس شركات التأمين فحسب، ويضيف: "لكن يجب التسليم بأن أي شركة مدرجة في السوق المالية السعودية، خاصة شركات التأمين معرضة للخسائر، وهذا أمر غير مستبعد".
من جهته، يتفق صلاح البر رئيس لجنة التأمين في غرفة الشرقية، مع ما ذهب إليه البصيص بأن مؤسسة النقد تقوم في الوقت الحالي بدور الصندوق، من خلال حمايتها لحقوق حملة بوالص التأمين لدى شركات التأمين. وقال شركات التأمين؛ خاصة تلك التي تعمل باستراتيجية وخطط مدروسة، ليس من مصلحتها تمويل هذا الصندوق، بينما هذا التمويل يمكن أن يذهب لتغطية خسائر شركات أخرى. ولكن البر أشار إلى أن مثل هذه الخطوات تحتاج إلى دراسة من قبل التجارة والصناعة ومؤسسة النقد ووزارة التجارة، رغم أن الأخيرة لديها كل الاحترازات والضوابط لحماية حقوق حملة بوالص التأمين. وأضاف لا أعتقد أن السوق في حاجة إلى مثل هذا الصندوق طالما "ساما" تقوم بهذا الدور من خلال إشرافها المباشر على أداء شركات التأمين.