04-11-2012 – بانوراما التأمين
يواجه الفرد الكثير من المشاكل والعقبات في حياته، كالمرض والحوادث بمختلف أنواعها، التي تجعله يضعف ولا يستطيع مجابهة متطّلبات الحياة. وحتى عمليات التضامن الاجتماعي، التي كانت تطبع المجتمع الجزائري، تلاشت شيئا فشيئا، حتى داخل أفراد الأسرة الواحدة، لتظهر شركات التأمين لتكون بديلا لعمليات التكافل الاجتماعي. فأقبل الجزائريون على تأمين ممتلكاتهم، وظلّوا، على مدار عقود من الزمن، مرتبطين بوثائق التأمين الخاصة بالسيارات أو وثائق التأمين على منازل والسلع. إلا أنّه في منتصف العام الفارط، شهدت سوق التأمين في الجزائر ظهور شكل جديد من التأمين، وهو ”التأمين على الحياة”،
إذ يحصل المؤمّن أو عائلته على تعويض مالي من شركة التأمين في حال وقوع حادث له، إلا أن هذا النمط الجديد لم يلق الرواج بعد لدى الجزائريين، ربما لخلفيات دينية أو نقص الترويج للعروض التأمينية
أو لغياب ثقافة التأمين لدى الجزائريين، خاصة وأن الكثير منهم يعتمد على منطق ”خلّيها على ربي”، والضامن الوحيد هو الله.
عاش الجزائريون، في الفترة الأخيرة، على وقع حملات إعلامية لشركات تأمين لاستهداف أكبر شريحة ممكنة عبر مختلف الوسائط والوسائل الإعلامية، للترويج لعروض التأمين على الحياة.
منذ الفاتح من جويلية 2011، شهدت السوق ظهور حوالي 8 شركات تأمين، بعضها عمومي والآخر خاص ”أجنبية”، توفّر عدّة عروض ترويجية لاستهداف مختلف الشرائح من عمال وطلبة وبطالين وعائلات، بغية التأمين على حياتهم، وحتى للشركات والمؤسسات العمومية قصد التأمين على عمالها.
ويندرج التأمين على الحياة ضمن التأمين على الأشخاص، الذي يشمل التأمين على السفر والحوادث، خاصة حوادث المرور، والمرض وحتى التأمين في حالة الموت، فمثلا يقوم شخص بالتأمين على حياته بدفع أقساط مالية كل سنة لشركة تأمين، وفي حال وفاته أو إصابته بمكروه يتمّ تعويض عائلته ماديا، بناءً على مبلغ محدّد مسبقا، فمثلا إذا كان يدفع 4000 دينار كل سنة لشركة التأمين، ففي حالة الوفاة تحصل عائلته على مبلغ 100 مليون سنتيم، مهما كان عدد السنوات التي دفع خلالها أقساط التأمين، إلا في حالة انتحاره أو مقتله بطريقة غير عادية ”عمل إجرامي”. أما إذا مرض أو أصيب بوعكة صحية أو حادث مرور أو حادث منزلي، فإن شركة التأمين هي التي تتكفّل بعلاجه.
وتوفّر شركات التأمين كذلك عروضا تأمينية عائلية تشمل السفر، فإذا سافر شخص ما رفقة عائلته إلى الخارج لقضاء العطلة، وتعرّض إلى حادث أو أصيب بمرض، فإن شركة التأمين هي التي تتكفّل به هناك (مصاريف العلاج في المستشفى)، وتنقله إلى الجزائر في حال وفاته، مع تعويض عائلته بمبلغ يتراوح ما بين 50 و100 مليون سنتين. كما أنه في حال ضياع الأمتعة للشخص المؤمّن، فإن الشركة هي التي تعوّضه بـ20 أورو مقابل 1 كلغ، شريطة ألا تتجاوز الحمولة 40 كلغ، وفي حال تأخّر موعد إقلاع الطائرة بأكثـر من 4 ساعات فإن الشركة تعوّضه بـ150 أورو، وهذه بعض المزايا المرفقة مع عقد التأمين، وقد تختلف من شركة إلى أخرى.
أما فيما يخص العروض التأمينية التي توفّرها الشركات للأطفال، فإن القوانين الجزائرية لا تسمح بتأمين الطفل ما لم يبلغ 4 سنوات، ومن 4 سنوات إلى 13 سنة يؤمّن على الحوادث والمرض فقط، فمثلا إذا كان في المدرسة ووقع له حادث فإن شركة التأمين هي التي تعوّضه، ولا يمكن أن يؤمّن على حياته، إلا إذا تخطّى سن 13 سنة، وهذا وفقا للقوانين المعمول بها في الجزائر. كما توفّر شركات التأمين عروضا للمحترفين كالشركات الكبرى ورجال الأعمال وممارسي المهن الصعبة والخطيرة، وحتى الرياضيين. وزيادة على هذا، فإن هناك شركات توفّر مساعدا يكون تحت تصرّف المؤمّن له في حال وقع له حادث، فمثلا إذا تعرّض شخص مؤمّن إلى حادث مرور، فإن المساعد هو الذي يتنقّل إلى المستشفى، ويحرص على إجراءات الفحص والأشعة وحتى دفع تكاليف العلاج. ورغم هذه العروض المغرية، إلا أن غالبية الجزائريين لم يتأثّروا بها، وهو ما أكّدته دراسة أجراها المجلس الوطني للتأمينات لتفسير تراجع سوق التأمينات في الجزائر بصفة عامة، وخلصت نتائجها إلى أن الجزائريين لا يولون أهمية للتأمينات خلال السنوات الأخيرة، بسبب التماطل في التعويض من قبل شركات التأمين. كما إن القدرة الشرائية والمستوى المعيشي يجعلان الفرد الجزائري لا يعطي أهمية لمثل هذه ”الكماليات”، كما أنه لا يملك ثقافة تأمينية لأنه لا يؤمّن على ممتلكاته إلا في حالة الإجبار، بالإضافة إلى الخلفية الدينية، ولكن ليس بدرجة أولى.
نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الشيخ آيت سالم بن يونس
”التأمين على الحياة فيه الكثير من الشوائب”
أكّد نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وأحد القائمين على مؤسسة دار الحديث بتلمسان، مفتي ديار تلمسان، الشيخ آيت سالم بن يونس، لـ ”الخبر”، أن جمهورا كثيرا من العلماء الكبار والمجاميع الفقهية الحديثة تكلّموا في موضوع التأمين، فشركات التأمين التي تنشط هي ذات طابع تجاري استثماري وتجني أرباحا كثيرة، والتأمين على الحياة غير جائز، لأن فيه الغرر والربا، وهو نوع من المقامرة، مثلما ذهب إليه الشيخ مصطفى الزرقاء والشيخ أحمد حماني. وأضاف الشيخ آيت سالم أن عقد التأمين على الحياة فيه شوائب، من بينها الغرر والاحتمال والتردّد، والغرر منهي عنه شرعا في عقود البيع وغيرها من العقود. كما أن الربا تدخل في التأمين على الحياة، فالمؤمّن يدفع مثلا 10 ملايين ليأخذ تعويضا بـ50 مليون. كما اعتبر أن العملية فيها نوع من المقامرة، حيث إن المؤمّن يبذل اليسير طمعا في أخذ الكثير، ومحلّ العقد غير واضح، وفيه جهالة، لأن المؤمّن لا يدري هل سيتوفى بعد عام أو 10 سنوات أو أكثـر.
مشاهير العالم يؤمّنون على حياتهم بالملايين
قدم كريستيانو بـ144 مليون وساقا ”ماريا كاري” بمليار دولار
إذا كان التأمين على الحياة لم يلق رواجا في الجزائر، فإنه تخطّى حدود المعقول في الدول الغربية، خاصة لدى المشاهير والنجوم، الذين وصل بهم الأمر إلى التأمين على أعضائهم التي يرون أنها سببا في نجاحهم، على غرار ما فعلت عارضة مجلة ”البلاي بوي” الأمريكية ”هولي ماديسون”، التي أمّنت على ثدييها بمبلغ مليون دولار، لما يشكِّلان من أهمية في حياتها المهنية، وخبير القهوة الإيطالي الشهير ”جينارو بيليسيكا”، الذي تستعين برأيه كبريات الشركات المنتجة للشاي والقهوة، الذي أمّن على لسانه (حليمات التذوق) بمبلغ 9, 13 مليون دولار، أما خبير النبيذ الأحمر ”إليجا جورتس” فيملك تأمينا على أنفه بـ8 ملايين دولار، وفي حال وفاته بتأثير الكحول بـ6 ملايين دولار. أما المغنية ”جينيفر لوبيز” فقد أمّنت على مؤخّرتها مقابل 27 مليون دولار، في حين تخطّت ”ماريا كاري” كل الحدود، لما تعاقدت مع شركة مستحضرات التجميل، لتأمين ساقيها مقابل مليار دولار. ولم يقتصر الأمر على المغنيات فحسب، بل امتد حتى إلى الكرة المستديرة، لما قام اللاعب الإنجليزي دافيد بيكام بتأمين قدمه مقابل 70 مليون دولار، ونفس الشيء بالنسبة لمواطنه واين روني، الذي يملك تأمينا ضد تحطّم ركبته بـ8 ملايين جنيه وكاحليه بـ5 ملايين قبل وصوله لسن الأربعين، في حين حطّم مدلّل النادي الملكي كريستيانو رونالدو كل الأرقام، لما أمّن على قدميه مقابل 144 مليون دولار.
”الخبر” ترصد آراء الجزائريين حول الموضوع
البعض يؤمّن نفسه لضمان مستقبله وآخرون يلجأون إليه مكرهين
في جولة قادت ”الخبر” عبر عدد من وكالات التأمين، المنتشرة بالعاصمة، وقفنا على آراء الجزائريين بخصوص الموضوع، إلا أن الغالبية العظمى لم يسمعوا حتى بهذا النوع من التأمين (التأمين على الحياة).
البداية كانت من وكالة تأمين بشارع محمد الخامس في العاصمة، فبعد دخولنا سارع العون المكلّف بالاستقبال إلى الترحيب بنا، قبل أن ندخل إلى مكتب أحد الموظّفين الذي سارع إلى تقديم العروض الترويجية التي تمنحها المؤسسة للمؤمّنين، فعنصر الاختيار موجود بقوة، كل حسب رغبته ومستوى دخله. انتظرنا دخول زبون أو زبونة لأخذ آرائهم بخصوص عروض ”التأمين على الحياة”، غير أن انتظارنا طال والزبون لم يدخل، وهو ما يرجع إلى غياب الثقافة التأمينية لدى الجزائريين، فعدد الزبائن محدود ويقتصر على طبقة معيّنة فقط، وفي أحسن الأحوال يأتي من يؤمّن على سيارته أو أثناء سفره إلى الخارج، لأن القوانين تجبره على ذلك، مثلما قال الموظّف الذي تحدّثنا إليه. واصلنا جولتنا عبر عدد من الوكالات، وكلها كانت تقريبا شبه خالية، وعدد الزبائن الذين يأتون في اليوم يعدّ على أطراف الأصابع، كما عبّرت إحدى الموظّفات بشركة تأمين عمومية، رفضت الكشف عن اسمها،”الجزائريون لا يحبّون التأمين لأنهم يعتبرونه ”حرام”، فحتى التأمين على السيارة لا يقومون به حرصا منهم على سلامتهم، بل خشية من العقوبات وسحب رخص السياقة”. وهو ما ذهب إليه جمال، 31 سنة تاجر جملة، الذي أكّد أنه يرفض فكرة التأمين على الحياة جملة وتفصيلا، لأن ذلك يتنافى مع المعتقد الديني، فحسبه ”لا يمكن لأحد ضمان ما سيحصل له، لأن كل هذا يدخل في إطار القضاء والقدر، فعلى المرء أن يتوكّل على الله، لأنه هو الضامن الوحيد وليس شركة التأمين”. ونفس الأمر وافقته فيه السيدة ”فتيحة.ن”، 40سنة، تشتغل كمعلمة ”استقطبتني عروض التأمين التي سمعت كثيرا عنها في وسائل الإعلام، لكن بعد تشاوري مع زوجي واستفساري لأهل العلم، تبيّن أنها لا تجوز في الدين الإسلامي، لذا تخلّيت عن الفكرة من أساسها”. أما السيد فاتح، الذي التقينا به في أحد البنوك، فأكّد أن البنك هو من أجبره على تأمين حياته، لأنه استفاد من قرض عقاري لشراء مسكن، وإلا فإن فكرة التأمين لا تروقه أساسا. وإذا كان الكثير لم يستصغ الفكرة من أساسها، فإن البعض رحب بها واعتبرها فرصة لضمان مستقبل الأبناء، كما هو الحال مع السيد ”مراد.م”، 45 سنة إطار بشركة سوناطراك، حيث قامت الشركة بتأمينهم في حال وقوع حوادث لهم، خاصة وأنه يعمل في قاعدة حياة بالجنوب، وهو معرّض للخطر في أي لحظة، ”القدر بيد الله تعالى، ولكن لا يعلم الإنسان ماذا يمكن أن يحدث له، لذا وافقت على تأميني، لأن ذلك يصب في مصلحتي ومصلحة عائلتي”. نفس الرأي استقر عليه حسين وزوجته، اللذان التقيناهما في إحدى وكالات التأمين، قصد دفع أقساط التأمين، ”اخترت أنا وزوجتي، بعد تشاور، التأمين على مستقبل أبنائنا، خاصة وأن الوقت أصبح لا يرحم، فأواصر التضامن بين أفراد الأسرة لم تعد كما كانت في السابق، إذ لو قدّر الله توفيت فإنني أجهل مصير أبنائي وزوجتي، خاصة وأنني عشت حالات وقعت لأقارب ومعارف توفوا وكان مآل أسرهم التشرد والضياع”.
مدير عام ”الكرامة” للتأمينات مختار نوري
”لا يمكن التعويض للمؤمّن إذا انتحر أو قُتل”
أكّد مدير عام مؤسسة ”الكرامة” للتأمين على الأشخاص، التابعة للمؤسسة الوطنية للتأمين وإعادة التأمين، مختار نوري، لـ”الخبر”، أن العروض التي تقدّمها مؤسسته تشمل التأمين على الأشخاص، سواء المتعلّقة بالسفر أو التأمين على الحوادث وكذا السائقين المحترفين ”أصحاب سيارات الطاكسي وسائقي الشاحنات”، بالإضافة إلى التأمين على القروض العقارية التي تمنحها البنوك للمواطنين. ففي حالة وفاة شخص قام بشراء مسكن بقرض عقاري فإن شركة التأمين هي التي تدفع للبنك، وتعود بعدها ملكية المسكن إلى ذوي الحقوق. وبخصوص إقبال المواطنين على عروض التأمين على الحياة، أكّد محدّثنا أن مؤسسة ”الكرامة” تستقطب المؤسسات التي تؤمّن على عمالها كسوناطراك، أما عروض التأمين على الأشخاص فهي في طور الإعداد، ويبلغ عدد المؤمّنين عندهم حوالي 120 ألف مؤمّن، تقدّم لهم تعويضات في حال الوفاة أو المرض أو التقاعد. كما أن المؤسسة تصرف منحا للعمال في حالة الزواج أو المرض أو الذهاب إلى الحج، وبالنسبة للتعويض عن الوفاة، ففي حالة توفي المؤمّن عاديا فإن التعويض سيصرف لذوي الحقوق من عائلته، بعد الانتهاء من إجراءات ”الميراث والفريضة”. أما في حالة كانت الوفاة غير عادية (جريمة قتل) فإن التعويض لا يُصرف إلا بعد الانتهاء من الإجراءات القانونية، ونفس الشيء بالنسبة لحالات الانتحار، فإذا أقدم المؤمّن له على الانتحار خلال فترة أقل من عامين، فإنه لن يستفيد من أي تعويض، أما إذا كان الانتحار بعد سنتين من تاريخ التأمين، فإن التعويض سيُصرف لذويه.