تحول التأمين الصحي من دجاجة كان متوقعا منها ان تبيض ذهبا إلى قلق قد تحول الى نزيف خسائر يضيف مصاعب جديدة لشركات التأمين هي في غنى عنها اليوم.
وقطاع التأمين الصحي الذي حقق خلال السنوات الماضية نموا سنويا لم يقل عن 15 % تحول اليوم الى هم كبير للشركات بفعل الممارسات غير المهنية التي دخلت على خط القطاع من قبل بعض الشركات التي بدأت تمارس سياسات حرق الاسعار سعيا وراء سيولة مؤقتة كما هي الحال في تامين السيارات يضاف اليه هم آخر يتمثل في الارتفاع السنوي للتكلفة والتي تفرضها المستشفيات والعيادات الطبية ويكون ضحيتها المستهلك اولا او المؤمن والشركات ثانيا خصوصا ان بعض الزيادات تفرض بعد توقيع الاتفاقيات مع العملاء وبالتالي فان الشركات هي التي تتحمل هذه الخسائر.
ومما يزيد الطين بلة ان الهيئات والجهات الحكومية المختصة لا تتدخل في تحديد اسعار الخدمات الطبية شأنها شأن أي منتجات او سلع اخرى وتترك الامر لمعايير العرض والطلب في ظل النهج الاقتصادي الذي تنتهجه الدولة كاقتصاد حر ومفتوح وبالتالي فان السوق يخلو حتى اليوم من آلية محددة لضبط او تحديد الاسعار. وتؤكد شركات التامين ان قطاع التأمين الصحي تحول لدى عدد من الشركات الى قطاع خاسر او ان نسبة الربح فيه لا تكاد تذكر بعكس ما كانت التوقعات السابقة فهو في نهاية الامر عمل تجاري يجب ان يدار كأي قطاع من الاعمال التجارية الاخرى حتى وان دخلت فيه عوامل انسانية.
لا رقابة على مزودي الخدمة
يؤكد بسام جلميران مدير عام شركة الوثبة الوطنية للتامين ان هناك غيابا تاما للرقابة على اسعار الخدمات الصحية التي تقدمها العيادات والمستشفيات التي تبالغ كثيرا في رفع الاسعار وبشكل متكرر الامر وهو ما يشير الى ان هناك خللا كبيرا في هذا القطاع رغم اهميته الكبيرة وهناك اكثر من 90 % من شركات التأمين عانت خسائر محققة في قطاع التأمين الصحي في العام الماضي.
وقال جلميران ان هيئات الصحة والرقابة يجب تفعل اذ ان الاوضاع الاقتصادية الحالية تشير الى ان هناك تضخما عكسيا وليس هناك مبرر لارتفاع الاسعار فهناك تراجع كبير في اسعار الايجارات والسلع فلماذا المبالغة والتضخم في اسعار الخدمات الصحية فقط.
واضاف ان التأمين يعد احد القطاعات الخدمية الهامة التي تلعب دورا هاما في عملية التنمية الاقتصادية داعيا الى الاهتمام اكثر بهذا القطاع والخدمات التي يقدمها للمجتمع داعيا الى رقابة اكبر على مزودي الخدمات الصحية ووضع ضوابط للاسعار تحافظ على مصالح الجميع.
واشار جلميران الى ان وعي المستهلك يعد عاملا حاسما في التأمين الصحي وما هيته وطبيعة الخدمات المقدمة لهم وفق الوثيقة وبما يضمن المحافظة على نوعية وجودة الخدمة المقدمة.
وابدى جلميران تخوفه من عزوف شركات التأمين عن تقديم خدمات التأمين الصحي وانسحابها نهائيا ما لم يتم وضع ضوابط وتشريعات تنظم عمل القطاع بما فيها آلية فاعلة للرقابة على الاسعار المقدمة من مزودي الخدمات وهي المستشفيات والعيادات الطبية.
ويطالب غسان مروش مدير عام شركة تكافل الامارات بادخال التوعية التأمينية ضمن المراحل الدراسية وحتى الجامعات نظرا لاهمية هذا القطاع والدور الكبير الذي يلعبه في الحياة اليومية للمجتمعات.
واكد ان وعي المستهلك يجب ان يشمل تعريفا بمفهوم التأمين الصحي والتعريف بالممارسات التي يقوم بها البعض والتي تلحق الضرر كثيرا بالقطاع مثل محاولة العلاج بكامل مبلغ التأمين المدفوع الامر الذي يزيد من قيمة المطالبات التي تدفعها شركات التأمين ويزيد من خسائرها في هذا المجال.
واشار الى ان عملية التوعية عملية يشترك فيها الجميع ويجب ان تنظم على مستوى شامل بما فيها ادخالها ضمن المناهج التعليمية المختلفة.
وقال مروش ان ممارسات بعض شركات التأمين غير المهنية كان لها الاثر الكبير في حرق الاسعار كما يحدث في تأمينات السيارات حيث تلجأ بعض الشركات الى تقليل اسعار الوثائق التأمينية سعيا منها للحصول على السيولة او المحافظة على عملائها حتى لو قدمت اسعارا تقل عن التعرفة الموجودة في السوق مشيرا الى ان هذه الطريقة خطرة وانتحارية ان " جاز القول" وتضر كثيرا بالقطاع.
وقال ان الشركات التي لديها اكثر من محفظة وهي تلك التي تدير تأمينات الحياة اضافة الى التأمينات العامة بعضها يقدم على هذه الممارسات غير المهنية اعتمادا على ارباح في قطاعات اخرى رغم انه اجراء يضر كثيرا بالصناعة ويتسبب بخسائر فادحة للشركات موضحا ان سياسات الاكتتاب لعدد من الشركات يشوبها الخطأ في هذا المجال. كما ان مقدمي الخدمة وهي المستشفيات والعيادات الطبية تغالي كثيرا في رفع الاسعار وبعض هذه الزيادات تصل تتراوح بين 60 الى 70 % الامر الذي يكبد شركات التأمين خسائر كبيرة.
تشريعات حديثة
وأكد خليل سعيد مدير العمليات التجارية في شركة ميثاق للتأمين التكافلي ان مفهوم التأمين الصحي ما زال حديثا على مختلف شعوب واسواق المنطقة وبالتالي فانه يحتاج الى المزيد من حملات التوعية لتعريف الناس به وطبيعة الدور الذي يلعبه في حياة الناس.
وقال انه ورغم معدلات النمو الكبيرة التي يحققها هذا القطاع الا ان الخلل الذي يواجهه يتمثل في نقص التشريعات والانظمة الضابطة للقطاع خصوصا واننا نتحدث عن مشاريع مقبلة واخرى لم تنجز مقارنة مع مشروع ابو ظبي مثلا الذي ما زال حديثا الامر الذي يعني ان قطاع التأمين الصحي يحتاج الى المزيد من التشريعات الحديثة التي تحدد حقوق وواجبات كل طرف في هذه المسألة بما فيها شركات التأمين وحملة الوثائق ومزودي الخدمة والوكلاء وغيرهم.
واضاف ان التأمين الصحي خدمة مجتمعية للناس لكنه بنفس الوقت عامل حيوي لتعزيز عملية التنمية الاقتصادية ويكاد يمثل اهم القطاعات في حياة الناس ومن هنا فلا بد ان يستأثر بأعلى اهتمام من قبل السلطات المختصة من خلال سن التشريعات والقوانين التي تغطي كافة بنوده والتي تسهم ايضا في حماية حقوق جميع الاطراف وفق عملية توازن لا تخل بمصلحة دون اخرى.
واشار الى ان عملية التوعية لا تقتصر على شركات التأمين فقط بل عملية متكاملة يجب ان يعمل فيها اطراف عدة بما فيها شركات الاعادة التي تتحمل جزءا من المخاطر موضحا ان شركات التأمين تحتاج الى تحقيق الارباح التي تمكنها من الاستمرار في تقديم الخدمات وفق اعلى المعايير وبنفس الوقت عليها ان تدرك ان الامر يتعلق بحياة الناس.
معايير الجودة والسلامة
وأكد الدكتور اشرف اسماعيل مدير عام الهيئة الدولية المشتركة الخاصة بالاعتمادات العالمية اهمية الدور الذي يلعبه قطاع التأمين الصحي في تحسين نوعية الحياة لمختلف سكان المنطقة خصوصا في منطقة مجلس التعاون الخليجي التي تنشط في عدة مشاريع للتأمين الصحي بعضها انجز والاخر قيد التنفيذ.
وقال ان نمو الوعي بالتأمين الصحي يلعب دورا بارزا في نجاح هذا المفهوم الجديد خصوصا اذا رافقه تشريعات حديثة ومتطورة وتعاون بين مختلف اطراف العلاقة من شركات تأمين وهيئات رقابية اضافة الى المستشفيات والعيادات الطبية.
ودعا الى تعزيز معايير الجودة والسلامة في مختلف مراحل قطاع الرعاية الصحية وخصوصا في المستشفيات التي تتعرض دوما الى انتقادات في هذا المجال موضحا ان شركات التأمين تنظر دوما الى هذه المعايير وتطالب بمزودي خدمة على درجة عالية من المهنية والاعتراف العالمي والسجل المهني الخالي من الاخطاء الطبية.
وقال ان شركات التأمين لن تلجأ الى المستشفيات والعيادات صاحبة الاداء المتواضع والعلاقة بين جميع الاطراف يجب ان تكون علاقة شراكة اكثر منها بين شركة وعميل.
وبدوره اكد سونيل مينون نائب رئيس القطاع الصحي في دار التكافل اهمية وضع ضوابط ومعايير محددة للأسعار وتباينها من مزود خدمة الى آخر مشيرا الى ان الزيادات المستمرة في اسعار الخدمات الصحية تفقد شركات التأمين السيطرة على التكاليف وبالتالي تؤثر في جودة الخدمات المقدمة للعملاء . وقال ان قضيتي الاسعار وضبط النفقات ابرز تحديات التأمين الصحي وهي تقود الى خسائر كبيرة لشركات التأمين خصوصا انها تحدث عادة بعد توقيعها للعقود مع المستشفيات والعيادات الامر الذي يعرضها لمزيد من النفقات.
واضاف ان الشركات مطالبة بالمزيد من جلسات وورش التوعية للعملاء حول مفهوم التأمين الصحي والمعايير به وادارته وفق مفهوم العمل خصوصا ان الاسعار مسؤولة عن 60 % عند اختيار شركة التأمين لأي مؤسسة ثم القيمة المضافة التي تقدمها.
قوانين وتشريعات ناظمة
نجحت هيئة التأمين منذ إنشائها في إحداث نقلة نوعية ومتطورة في سوق التأمين المحلي خاصة من ناحية إعادة ترتيب هذا السوق وتنظيم أوضاعه بالشكل المناسب. ومن بين هذه الانجازات وضع التشريعات و القوانين لتنظيم وتطوير القطاع في الدولة و تعزيز الإشراف و الرقابة على قطاع التأمين لضمان الملاءة المالية وتطبيق القوانين والمنافسة العادلة ودعم التطوير المؤسسي للهيئة وتعزيز قدرات الموظفين و تدعيم القدرة التنافسية لقطاع التأمين لتحقيق التنافسية و ترويج الإمارات كمركز إقليمي و عالمي للتأمين .
وتتمتع الامارات بأعلى كثافة للتأمين أي ان حصة الفرد في الامارات من التأمين هي الاعلى في المنطقة وتزيد عن 182 دولارا رغم انها ما زالت بعيدة عن حصة الفرد في بريطانيا مثلا وهي اعلى نسبة في العالم حيث تصل الى 5500 دولار.
وتشير احصاءات غير رسمية الى ان نسب الانتشار في مجال التأمينات الشخصية ما زالت متدنية في المنطقة العربية ولا تتعدى النسبة في لبنان وهي الاعلى في المنطقة 1.1 بالمائة مقابل 13.3 بالمائة في تايوان.
كما ان قطاع التامينات الشخصية ومن ضمنها التأمين الصحي ما زال يمتلك الفرص ليتضاعف 27 مرة في ظل النسبة المتواضعة للانتشار وهو يحمل فرصا واعدة للنمو في مختلف اسواق المنطقة بشرط وجود التشريعات الحديثة التي تواكب نموه والاستراتيجيات الفاعلة للوصول الى مختلف شرائح المجتمع.