14-04-2015 – بانوراما التأمين
لا يكاد يمر علينا أسبوع دون أن نسمع قصة جديدة من القصص المؤلمة لأشخاص ذهبوا مشياً على إقدامهم لزيارة طبيب أو مستشفى وعادوا بالأكفان، حتى أن الأمر أصبح مألوفاً ومتكرراً يعززه قبولنا كمؤمنين بقضاء الله وقدره بأن كل شيء مقدر ومكتوب من الله سبحانه وتعالى، بالرغم من هذا الإيمان الفطري فإنه يجب أن لا يتعارض مع فكرة الوفاء لهؤلاء الضحايا الذين حرموا حقهم في الحياة نتيجة إهمال متعمد أو عدم وجود خبرة أو كفاءة طبية أو سيطرة الجشع الأعمى فأعظم مراتب الأيمان بالله هو إحقاق العدل وإنصاف المظلوم فكيف إذا كان هذا المظلوم إنسان بريئاً ذهب ليبحث عن الحياة فحرم منها، وترك رحيله وجعاً مزمناً في ذاكرة عائلته!!
ولعله من الأسف القول إنه لا مجال للحديث عن المسؤولية الأخلاقية والقانونية للأطباء وللعاملين في المهن الطبية في الذهنية السائدة هذه الأيام ؛ فالحصانة تزداد يوما بعد يوم وكأن القائمين على التشريع يعيشون في عالم أخر ولم يسمعوا عن عذابات الناس ووجعهم على فقدان أحبائهم وذويهم جراء أخطاء طبية قاتلة، نسمع عن بعض قصص أصحابها المأساوية ولكن الكثير من القصص المفجعة لا تصلنا وخاصة تلك التي يكون ضحاياها من البيئات الفقيرة والمهمشة والتي لا تملك القدرة على رفع صوتها أمام هذه الحصانة والتي تصل حد القداسة لبعض من لا يستحقها من العاملين في هذا المجال!!
لن أتحدث عن الكثير مما يتعرض له الأشقاء العرب الذين اتخذوا الأردن مركزا علاجياً مفضلاً وبديلاً للبنان ومعظم البلدان الأوروبية وحتى الولايات المتحدة الأمريكية، بدءًاً من اقتناص المرضى من المطار عبر سماسرة متخصصين والاتفاقيات البينية بين بعض الأطباء ومقدمي الخدمات الطبية من مستشفيات ومختبرات وأشعة على نسبة أو مبلغ مقطوع عن كل ‘رأس’، فهكذا أصبحنا مجرد ‘رؤوس’ ورقم مالي يضاف إلى قائمة الأرقام التي تتكدس وتتكدس لتتحول إلى عقارات وأسهم واستثمارات!! فتلك السمعة الطبية العظيمة التي بنتها مؤسسات طبية عريقة على مدى سنين طويلة، كالخدمات الطبية الملكية ومركز الحسين للسرطان والمستشفيات التعليمية في الجامعات كمستشفى الجامعة الأردنية ومستشفى الملك المؤسس في أربد، استغلت في هذه الأيام أسوأ استغلال من قبل بعض الجشعين عديمي الخبرة والمسؤولية، وحتى لا نتهم بأننا نظلم هذا القطاع المهم وفي وقت يتم الحديث فيها عن تحويل الأردن إلى مركز إقليمي للسياحة الاستشفائية علينا جميعاً أن نرفع الصوت محذرين من خطورة الاستسهال في التعامل مع هذه الظواهر التي تسيء للأردن ومكانته وسمعة القطاع الطبي فيه!!
ربما من المناسب أن نذكر الإطار النقابي للأطباء والقائمين عليه، أن لا يكون شعارهم في سياق الحصول على أصوات زملائهم انتخابياً انصر أخاك الطبيب ‘ظالما وظالماً’ وليس أنصر أخاك ظالماُ ومظلوماً، ويجب أن لا تكون الحسابات الانتخابية على حساب أرواح الناس وحقوقهم، فأسمى معاني التمثيل هي المساهمة في تطوير وتجويد الخدمة الطبية وليس إضفاء مزيداً من الحصانة والقداسة والمعصومية على الطبيب، وفي نفس الوقت تطالب بتقليل الحصانة على السياسي والمسئول !!
أكتب اليوم ليس فقط من أجل أحباء فقدناهم ورحلوا فهم الآن في عهدة من لا يظلم عنده مخلوق وسينتصر لهم عاجلاً أو أجلاً، ولكنني أكتب من أجلنا جميعا نحن الذين ما زلنا على هذه الأرض نشتم رائحة الهواء وحتى لا نكون مشاريع ضحايا للأخطاء الطبية والجشع وغياب الضمير وأخلاقيات المهنة لدى البعض؛ وأخشى أن القائمة تزداد يوماً بعد الأخر إذا تقاعسنا نحن ‘الناس’ عن المطالبة بوضع ضوابط أكثر فاعلية ونجاعة، ولن أتحدث عن أساطين التشريع العظماء الذين غاب معظمهم عن مناقشة قانون خطير بحجم المسألة الطبية ليمرر في جلسة سريعة دون أن يكلف القائمون على دراسة مشروع القانون- أنفسهم عناء سؤال ذوي الضحايا ولو لمجرد السؤال!!
ختاماً، لم يعد قسم ‘أبقراط’ الشهير الذي يقسم عليه الطبيب عند تخرجه كافياً لنصدق أن بعضهم سيبر بقسمه إذا لم تصاحبه جرعه من الضمير والإيمان بأن حق الإنسان في الحياة مقدس ولا تعلو عليه أي حصانة أو شهادة أو مهنة مهما علت أهميتها وضرورتها في المجتمع- ويظل الأمل معقوداً على نخب كثيرة من الخيرين والمتميزين في هذا القطاع على التدخل وتحصين سمعة المهنة وتنقيتها من الشوائب التي تسربت إليها ممن لا يستحق لقب ‘حكيم’!!