لقد انتظرت فترة طويلة قبل أن أكتب هذا المقال ولأكون دقيقاً فقد انتظرت عاماً مالياً كاملاً، وكنت متمنياً أن تأتي توقعاتي وتخميناتي المالية خاطئة ولكن للأسف لم تكن.
فقد شهد سوق التأمين ارتفاعاً كبير في أسعار كثير من المنتجات التأمينية وبالأخص التأمين الطبي وتأمين السيارات والذي يشكل قرابة 80% من حجم السوق السعودي الذي وصل الى 30 مليار في آخر تقرير رسمي صادر عن مؤسسة النقد العربي السعودي.
ولكن السؤال الذي يتبادر دائما في ذهني إذا كانت شركات التأمين تستثمر في المخاطر فكيف تسقط في قلب المخاطر وتحقق خسائر فادحة تأكل معظم رأس المال المستثمر!
والجواب أن الشركات كان من الممكن لها أن تتجاوز الخطر لو أنها فعلا كانت تهتم بربحية معتدلة على المدى البعيد والتركيز على الكوادر الوطنية ونبذ الانانية والمصالح الشخصية لمجالس الإدارات والادارات التنفيذية والتي ركزت على تحقيق معدلات مبيعات و(بونص) على المدى القصير.
فكان جل اهتمام مجالس الادارة هو رفع القيمة السوقية للأسهم والانسحاب في الوقت المناسب وكما نقول بالعامية (تدبيس) الخسارة على أظهر صغار المساهمين أو عملاء الشركة الذين اوضحنا في المقال السابق أنهم شركاء ولكن مع وقف التنفيذ.
أما فيما يخص الجهة الرقابية فقد كانت نائمة طوال سنين عديدة ولم تستفق الا على زلزال الانهيار الذي اودى بقرابة 20 شركة تأمين. وكان واجب على مؤسسة النقد أن تكون لديها مؤشرات تمنع وقوع هذه الكارثة أو على أقل تقدير تنقذ ما يمكن إنقاذه. ولكن الأدهى والأمر أن هذه المؤشرات كانت فعلا موجودة وامكانية التنبؤ بالكارثة كان ممكن حيث ضمنت اللائحة التنفيذية لنظام شركات التأمين التعاوني الصادر في عام 1425هـ حق مؤسسة النقد العربي السعودي بمراقبة أدق التفاصيل الدقيقة لشركات التأمين.
فعلى سبيل المثال لا الحصر الرقابة المالية وسياسات التسعير في الشركات.
فقد ورد في اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني:
” المادة العشرون
أولا : على الشركة أن تعين خبيراً اكتوارياً حاصلاً على درجة مشارك، أو أن تستعين بخدمات خبيـر
اكتواري بعد الحصول على موافقة كتابية من المؤسسة، يؤدي المهام الآتية :
١. الحصول على المعلومات والبيانات المطلوبة من الاكتواري السابق.
٢. مراجعة المركز المالي للشركة.
٣. تقويم مقدرة الشركة على تسديد التزاماتها المستقبلية.
٤. تحديد نسب الاحتفاظ.
٥. تسعير المنتجات التأمينية للشركة.
٦. تحديد واعتماد المخصصات الفنية للشركة.
٧. الاطلاع على السياسة الاستثمارية للشركة وإبداء توصياته عليها.
٨. أي توصيات اكتوارية أخرى.

ثانياً: يعتبر الخبير الاكتواري مسؤولاً مسؤولية مهنية عما يقدمه للشـركة من استشارات أو خـدمات،
وعلى الخبير الاكتواري، بناء على طلب الشركة، أن يقدم لإدارة الشركة الآتي:
١. المعلومات والبيانات الاكتوارية الصحيحة عن الوضع المالي الحالي والمستقبلي للشركة.
٢. تقريراً سنوياً عن كفاية المخصصات الفنية للشركة في موعد أقصاه ستون يوماً مـن تـاريخ
نهاية السنة المالية.
٣. تقريراً سنوياً عن تسعير المنتجات التأمينية للشركة في موعد أقصاه ستون يوماً مـن تـاريخ
نهاية السنة المالية.
٤. تحليلاً لعائد الاستثمار للشركة.
٥. تحليلاً لتطور المحافظ التأمينية.
٦. تحليلاً للمصاريف.
٧. مدى توافق الأصول مع الخصوم.
٨. التطورات الإيجابية والسلبية في سياسة الاكتتاب.
٩. وإذا قصرت الشركة في طلب إعداد هذه الدراسات في وقتها، فيحق للمؤسسة تعيـين خبيـر اكتواري على حساب الشركة للقيام بالمهام المطلوبة.
ثالثاً: يكون تقرير الخبير الاكتواري أحد المستندات التي يطلع عليها المحاسـب القـانوني الخـارجي وخاصة عند ملاحظة أي مخاطر حالية أو مستقبلية للشركة، كما يتم تزويد المؤسسة بنسخة مـن هذا التقرير في حينه.
وعلى الخبير الاكتواري عند ملاحظة أي مخاطر حالية أو مستقبلية للشركة أن يقدم بذلك تقريراً عاجلاً لمجلس إدارة الشركة مباشرة, وعلى مجلس الإدارة مراجعة التقرير وإبـداء مرئياتـه عليـه وموافـاة المؤسسة بها خلال خمسة عشر يوماً من استلامهم للتقرير.”
ومما سبق يتبين لنا الدور الكبير الذي يلعبه الاكتواري في قطاع التأمين، فالشركات ملزمة من خلال هذه اللائحة بالتعامل مع الخبير الاكتواري لتحديد اسعار المنتجات منذ البداية. كما أن مؤسسة النقد تلزم الشركات بتقديم تقرير سنوي عن كفاية الأسعار التي يضعها الخبير الاكتواري لذا فإن المؤشرات التي تدل على أن شركات التأمين تسير الى الانحدار كانت واضحة منذ البداية.
وكما نصت المادة الثالثة والسبعون الفقرة الثانية على:
“٢. تقدم الشركة وأصحاب المهن الحرة للمؤسسة تقرير المحاسب القانوني والقوائم المالية، فـي موعـد أقصاه ستون يوماً من انتهاء السنة المالية للشركة للموافقة عليها قبل نشرها.”
فهل كانت مؤسسة النقد طوال الفترة السابقة تتطلع على هذه القوائم المالية ولا تستشعر الخطر القادم أم أنها كانت غافلة لتتحول شركات التأمين التي من المفروض أن تكون شركات قيادية في الاقتصاد إلى عبء كبير على الاقتصاد الوطني.
وإلى هذه اللحظة لازلت أرى أن مستقبل شركات التأمين مبهم وغير واضح من خلال اهمال وتقصير واضحين من قبل مؤسسة النقد في تطبيق اللوائح لعقد كامل.
ولا ننكر أن مؤسسة النقد استفاقت اخيرا لتوقف حرق الاسعار الموجود في السوق ولكن بدلا من اتخاذ اجراءات صارمة ضد الشركات حملت الخسائر على عاتق المواطنين لإنقاذ شركات التأمين.
ولا ننكر أيضاً أن مؤسسة النقد قامت بهيكلة داخلية جديدة لإدارات الرقابة ومن ضمنها الإدارة العامة للرقابة على شركات التأمين التعاوني، ولكن ما صدمنا كمراقبين أنه عوضاً عن محاسبة من أهمل وقصر في تطبيق الأنظمة في “ساما” تم تعيينهم في القطاع بوظائف متعددة تصل الى رؤساء تنفيذيين وبرواتب خيالية. فيكفي يا “ساما” مجاملات!

وليد العنزي
خبير في شئون التأمين

 

>13-04-2016