22-12-2013 – بانوراما التأمين
كشفت دراسة عدم قدرة شركات التكافل الإسلامية على تطبيق التأمين التبادلي، مبينة أنها تقدم صورة هي أشبه بالتجاري منه إلى التبادلي، متهمة إياها باستغلالها شعار التأمين التكافلي كوسيلة للخداع والاستغلال، جامعة بين ارتفاع الأقساط ورداءة الخدمات، مشيرة إلى أن بعض هذه الشركات تعمل لصالح شركات إعادة التأمين التقليدية.
وأهابت الدراسة بحكومات البلاد الإسلامية تشجيع التأمين التبادلي ليتسع نطاقه باعتباره أحسن طرق التأمين، وأبعدها عن الشوائب والشبهات، ذلك لأنه يقوم على أساس تعاوني فني يستخدم وسائل الإحصاء الدقيق، وقانون الأعداد الكبيرة، التي تستخدمهما شركات التأمين الاسترباحي، مبينة أنه قابل لأن يلبي حاجات المجتمع في أوسع نطاق في كل النشاطات الاقتصادية والمساعي الحيوية، والحاجات الاجتماعية.
وأوصت الدراسة بأهمية ألا يقتصر دور الفقهاء والاقتصاديين الإسلاميين على إعادة التوصيفات الفقهية وتغيير المسميات، وأسلمة الأنظمة الرأسمالية، مشددة على الاجتهاد الفقهي في قطاع التأمين بشكل خاص والاقتصاد بشكل عام، بجانب الاجتهاد المصلحي، والمتمثل في مواكبة الدراسات العالمية حول سياسات الاقتصاد بشكل عام، وسياسات التأمين بشكل خاص، مشيرة إلى جفوة مفتعلة بين الفقهاء المعاصرين في مجال التأمين، وبين المتخصصين في أنظمة التأمين وسياساته.
ودعت الدراسة التي أعدها الباحث علي بن محمد نور، تحت عنوان «التأمين التكافلي من خلال الوقف.. دراسة فقهية تطبيقية معاصرة»، إلى إشراك القطاع غير الربحي في القطاع الاقتصادي، من خلال تنظيم ورعاية الشركات غير الربحية في مجال المصارف والتمويل والتأمين، وغيرها من القطاعات الحيوية في التنمية. ولفتت الدراسة إلى أهمية مراجعة وتقييم الاجتهادات العلمية في الاقتصاد من بداية العمل المصرفي الإسلامي، ودراستها دراسة متوازنة في ضوء الكتاب والسنة، ومقاصد الشريعة، واجتهاد الفقهاء السابقين، والتأكيد على دراسة نقاط التحول الإيجابي والسلبي، التي حدثت في مسيرة الاقتصاد الإسلامي، ومدى تطبيقها للمقاصد والمصالح الشرعية.
ودعت إلى ترشيد الاجتهاد المعاصر، من خلال النظر في المآلات والمصالح والمفاسد، وعدم قصر النظر على التوصيفات الفقهية، دون اعتبار للمآلات، مع التأكيد على أهمية استقلال الهيئات الشرعية، عن تأثير المؤسسات المالية، وتطوير آليات للإشراف عليها وتعزيز فعاليتها، من خلال جهة إشرافية عليا للهيئات الشرعية.
وأوصى الباحث بإعادة النظر في آلية إصدار القرارات، وألا تقتصر المجامع على إصدار القرارات بالأغلبية، مع ضرورة أن تسهم هذه القرارات في تعزيز الاجتهاد، من خلال بيان جميع الأقوال المطروحة في النازلة الواحدة، وبيان موقف الغالبية، على أن تكون هذه القرارات خاضعة للتقييم والمراجعة المستمرة.
وأوضحت الدراسة أن التأمين التكافلي أو التعاوني المبني على التعاون والتبرع، الذي نصت المجامع الفقهية على جوازه، ظل محل جدل ونقاش في الفرق بينه وبين التأمين التجاري، مما جعل البعض يذهب إلى الجواز فيهما، أو إلى التحريم فيهما، وما زال لكل قول أنصار وأتباع طرحوا آراءهم واجتهاداتهم في رسائل علمية وبحوث ومقالات.
وفي سياق هذا الاختلاف والجدل الفقهي في التأمين التجاري والتكافلي، ظهرت دعوة تهدف إلى الاستفادة من الوقف ودوره الريادي في التكافل الاجتماعي في تشكيل صيغة للتأمين التكافلي، تكون بديلة للصيغة المنتشرة للتأمين التكافلي والمبنية على الالتزام بالتبرع.
وبالتالي ظهرت صيغة «التأمين التكافلي من خلال الوقف»، حيث قامت على هذه الصيغة شركات للتأمين التكافلي في باكستان وجنوب أفريقيا، بيد أن هذه الصيغة لحداثتها لا تزال بحاجة إلى العناية بتأصيلها الشرعي، ودراسة تطبيقاتها المعاصرة.
وفي ما يتعلق بتوصيف التأمين التكافلي على أنه عقد معاوضة، أرجعته للقول بوجوب التسوية بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني، إما جوازا كما ذهب إليه مصطفى الزرقا – رحمه الله – وجماعة، وإما تحريما كما ذهب إليه الدكتور عيسى عبده – رحمه الله – وجماعة.
وكان الشيخ محمد المختار السلامي قال إن «تخريج عقد التأمين على أساس التبرع، وما تبع ذلك لا يصح، ولا يحل الإشكال المعترض عليه، وهو الغرر، إذ إن الغرر باق في عقد هو هبة لفظا بيع حقيقة، وهو بذلك من عقود المعاوضات لا من عقود التبرعات». وأضاف «ولما كان الذين مضوا سائرين في تفصيل أحكام التأمين على ذلك الأساس إنما قام بناؤهم التشريعي على جواز الغرر الكثير في عقود التبرع، فإنه بعدما قررنا من كونه معاوضة ينهار البناء كله، ويتحد الدخول في عقد تأمين مع شركات تجارية مع عقد التأمين مع الشركات، التي أجهدت نفسها في ضبط أحكامها، وإقناع الناس بها بديلا من الشركات التجارية».
وكان مصطفى الزرقا قال «والتكييف الصحيح، الذي يجب أن يقال في التأمين التبادلي أو التعاوني، وفي نظام المعاشات أيضا، هو أنه ليس تبرعا من نوع خاص، كما يرى الدكتور الضرير، بل معاوضة من نوع خاص».
وعليه فإن الذين يقولون بتحريم التأمين التجاري يبنون حكمهم هذا كما تبين مما سبق على أن فيه عددا من المحاذير الشرعية، منها أن فيه تحديا لقدر الله في التأمين على الحياة بنظر بعضهم، وثانيا أن فيه ربا، وثالثا أن فيه قمارا. وهم في الوقت نفسه وفق الدراسة، يُعلنون إباحة التأمين التعاوني، وكذلك التأمين الإلزامي الذي تفرضه الدولة لمصلحة موظفيها، وهكذا يقعون في التناقض والعاطفية، حيث إن هذه المعاني التي يزعمونها في التجاري موجودة جميعها في التبادلي الذي يسمونه تعاونيا. ووفق الدراسة فإنه هذا التعاوني أيضا يأخذ المصاب أكثر مما أدى للصندوق المشترك، وأخذه هذا للتعويض خاضع للمصادفة، إن أصابه الخطر الذي يتعاونون ضده، وإذا كان تأمينا تعاونيا على الحياة، أي بأداء مبلغ من المال لأسرة من يتوفى من المشتركين في الصندوق التعاوني، فهو نظير ما تلتزم شركة التأمين التجاري بأدائه إلى أسرة المستأمن إذا توفي في المدة المحددة بالعقد.
وكشفت الدراسة أنه لا فرق في كل هذه الشبهات المزعومة بين تجاري وتعاوني من حيث طبيعة كل منهما ومضمونه، سوى أن من يقوم بإدارة عملية التأمين في ما يسمى تجاريا، وهو شركة التأمين، يعود عليه ربح في النتيجة، من فرق ما يأخذ من أقساط عما يؤدي عند وقوع الخطر من تعويضات. وأضافت «هذه ناحية خارجية، لا تعدُّ من طبيعة التأمين شيئا، فكيف تصبح هذه المحاذير في التأمين التعاوني مباحة؟! وهل يجوز شرعا التعاون على القمار والرهان والمراباة».
وعند الاختيار والترجيح نفى الباحث الفارق المؤثر بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني، مبينا أنهما متماثلان في كونهما عقد معاوضة، وعليه فإما أن يقال بالحرمة فيهما بناء على أن الغرر فاحش وغير مغتفر، أو بالجواز فيهما، والأظهر الجواز، واعتبار أن الغرر في التأمين بنوعيه التجاري والتعاوني مغتفر للحاجة إلى التأمين، أو أن الغرر يسير بالنظر إلى التأمين باعتباره نظاما، لا باعتباره عقدًا بين طرفين. وهنا قال القرافي «ثلاثة أقسام: كثير ممتنع إجماعًا، كالطير في الهواء. وقليل جائز إجماعا، كأساس الدار وقطن الجبة. ومتوسط اختلف فيه، هل يلحق بالأول أم بالثاني. ومن أهم الأسس التي يراعى فيها اغتفار الغرر: الحاجة إليه، وعدم إمكانية الاحتراز منه».
ولهذا قال الإمام النووي «مدار البطلان بسبب الغرر والصحة مع وجوده، أنه إذا دعت الحاجة إلى ارتكاب الغرر، ولا يمكن الاحتراز منه إلا بمشقة أو كان الغرر حقيرًا، جاز البيع، وإلا فلا».
وقال الإمام ابن تيمية «ومفسدة الغرر أقل من الربا، فلذلك رخص في ما تدعو إليه الحاجة منه، فإن تحريمه أشد ضررا من ضرر كونه غررا، مثل بيع العقار جملة، وإن لم يعلم دواخل الحيطان والأساس، ومثل بيع الحيوان الحامل أو المرضع، وإن لم يعلم مقدار الحمل أو اللبن، وإن كان قد نهى عن بيع الحمل منفردا، وكذلك اللبن عند الأكثرين».
وهذا المعنى وفق الدراسة حاصل وظاهر في التأمين بشكل عام، مبينة أن التأمين التجاري والتعاوني متقاربان من حيث الأهداف، حيث يهدف المستأمِن في كل منها إلى درء الأخطار عنه، وهو لا يقصد التبرع كما هو معلوم. وأكدت الدراسة أن شركات التأمين التعاوني والتجاري تقوم في الأساس على بذل التعويضات من خلال قانون الأعداد الكبيرة والمقاصة بين المخاطر، حيث يتم الالتزام بالتعويضات من خلال المقاصة بين الأقساط المدفوعة. لكن لما كان الالتزام بالتعويضات في التأمين التجاري من الشركة استحقت الفائض، كما استحقت محفظة التأمين الفائض في التأمين التعاوني، والهدف إلى الربح في التأمين التجاري ليس مشكلا من الناحية الشرعية، لكن الإشكال في أن واقع كثير من شركات التأمين التجاري يهدف إلى الاستغلال والمماطلة والتحايل على التعويضات من أجل تحصيل أكبر قدر من الربح.
ولا يختلف القائلون بجواز التأمين التجاري في أن التأمين التعاوني أو التكافلي هو الأقرب إلى مقاصد الشريعة، كما أنه يكافح استغلال شركات التأمين الاسترباحي، وهو البديل الوحيد الذي يمكن أن يحل محلها. وشدد الباحث على الحكومات في البلاد الإسلامية ضرورة تشجيعه لكي يتسع نطاقه فهو أحسن طرق التأمين، وأبعدها عن الشوائب والشبهات، إذ يقوم على أساس تعاوني فني يستخدم وسائل الإحصاء الدقيق، وقانون الأعداد الكبيرة، التي تستخدمهما شركات التأمين الاسترباحي، وهو قابل لأن يلبي حاجات المجتمع في أوسع نطاق على طول طريق النشاطات الاقتصادية والمساعي الحيوية، والحاجات الاجتماعية.
ولكن تفضيل هذا الأسلوب في تطبيق نظام التأمين ضد المخاطر لا يستلزم القول بتحريم الأسلوب الآخر الاسترباحي، بل هذا مقبول أيضا في نظرنا شرعا، وقد يكون لا بد منه عند الحاجة إلى تأمين مركب «إعادة التأمين» في التأمينات على الأشياء الثمينة ذات القيم الكبرى، وذلك لأن التأمين التبادلي يبدو وفق الدراسة قاصرا في هذا المستوى العالي الكبير، حيث لفتت إلى أنه تبقى الحاجة داعية إلى الأسلوب الاسترباحي، الذي تقوم به شركات قوية، وإلى إعادة التأمين مع شركات عالمية، لإمكان تحمل التعويضات الكبرى في صفقات التأمين الباهظة.
وأكدت الدراسة أن شركات التكافل الإسلامية لم تطبق التأمين التبادلي بالمعنى المعروف في صناعة التأمين، حيث يجمع المشترك بين صفة المؤمن والمؤمن له، بل تقدم صورة هي أشبه بالتجاري منه بالتبادلي، مبينة أن كثيرا من هذه الشركات تجعل من شعار التأمين التكافلي أو الإسلامي وسيلة للخداع والاستغلال، مشيرة إلى أنها تستغل تعاطف الناس وتدينهم، فتجمع بين سوءة ارتفاع الأقساط وسوءة رداءة الخدمات، وكثير من هذه الشركات لا يعدو أن يكون وسيطا بالنسبة لشركات إعادة التأمين التقليدية.
الشرق الاوسط