02-06-2014 – بانوراما التامين

بداية إنني أدعم الرأي المالي والاقتصادي القائل بأن كل شركة تأمين ناجحة لابد وأن يكون في ظهرها ويدعمها مصرف ناجح، وخير دليل على ذلك ما شهدته مؤخرا ساحة الأنظمة المالية والاقتصادية العالمية من تغيرات مؤثرة من خلال تحرير العمليات ورفع القيود على الوساطة المالية بهدف زيادة المنافسة بين المتعاملين في السوق المالي وبهدف جعل الأسواق أكثر تنافسية فقد تأثرت السوق المصرفية كغيرها من الأسواق بما يجري في العالم من تحولات متسارعة وتطورات ملموسة وهذا ما شجع التعاون والتكامل بين المؤسسات المالية عامة والإسلامية خاصة وساعد على تشكيل التكتلات الاقتصادية والتحالفات بين الشركات وقد أدت هذه التطورات إلى تضرر البنوك في أنشطتها التجارية القائمة أساسا على الودائع والاقتراض (مدين – دائن) بسبب الضغط التنافسي ونمو وانتشار سبل التمويل غير المباشرة ونتيجة لهذا بدأت المؤسسات المالية في تنفيذ استراتيجيات تنمية جديدة لتتكيف مع التغييرات التي شهدتها البيئة المالية والاقتصادية العالمية حيث حاولت ممارسة أنشطة أخرى بهدف التقليل من الخسائر التي تعرضت لها وبهدف إيجاد مصادر جديدة للعائد والمحافظة على البقاء بالسوق وقد وجدت في توزيع منتجات التأمين عبر شبكاتها إحدى هذه الاستراتيجيات حيث تقدم نوعين من المنتجات المالية في وقت واحد فهي تقدم المنتجات المصرفية المتمثلة أساسا في قبول الودائع وتقديم القروض وبطاقات الائتمان وبقية الخدمات من جهة وتقديم خدمات تأمينية، من جهة أخرى أصبح بإمكان عملاء المصرف الحصول على منتجات تأمينية ومصرفية من نفس المصدر وقد عرف هذا النوع من الأنشطة "التأمين المصرفي" كما أطلق على المؤسسة المالية التي تمارسه "بنك التأمين" وقد عرف هذا النشاط الجديد نموا وتوسعا سريعا حيث انتشر عبر معظم دول العالم وأصبح اليوم هذا النوع من المؤسسات التي تجمع بين الأنشطة المصرفية والتأمينية يسيطر على السوق المالي أغلب الدول التي تسمح بهذا النوع من النشاط الذي يتمثل في صورته الموجزة لأربعة محاور تعريفية:

أولا: التأمين عبر المصارف (Bancassurance)

صناعة التأمين تحتاج إلى تطوير وابتكار استراتيجيات تسويق مرنة تواكب وتعتمد التغيرات الدولية من إدخال وتطبيق خدمات جديدة بأساليب ووسائل توزيعية وتسويقية متنوعة ومستحدثة ويعتبر موضوع التأمين عبر المصارف إحدى هذه الاستراتيجيات التي تساعد على توزيع المنتج التأميني عبر القنوات المصرفية للوصول إلى شريحة جديدة من العملاء وهذا التحليل يركز على هذه العلاقة التبادلية التكاملية بين شركات التأمين التكافلي والمصارف الإسلامية. فالتأمين المصرفي يغطي مجموعة كبيرة من الاتفاقيات المبرمة بين البنوك وشركات التأمين والتي في جميع الأحوال تضمن توفير المنتجات والخدمات المصرفية والتأمينية من نفس المصدر لنفس العميل كما يشير إلى الجهود التي تبذلها البنوك لاختراق سوق التأمين وقد تعددت تعاريف التأمين المصرفي بتعدد نماذجه الإستراتيجية وبتعدد وجهات نظر الاقتصاديين.

ثانيا: أنماط من التعاون بين المصارف وشركات التأمين التكافلي

التعاون بين قطاعي المصارف وشركات التأمين التكافلي يشكل نمطاً جديداً في الأسواق المالية والقطاعات التأمينية المحلية والدولية عموماً وهذا التعاون انعكس بارتفاع عدد الاتفاقيات بين المصارف وشركات التأمين والتي تهدف إلى استخدام الشبكات المصرفية لتسويق منتجات التأمين وقد شهدت الأسواق المالية الإسلامية لقطاع التأمين التكافلي طرقا مختلفة لتحقيق التعاون بين قطاعي المصارف وشركات التأمين التكافلي يتمثل في الأنماط التالية:

1) الاستحواذ على شركات قائمة أو تابعة أو تكوين جديدة (Start-ups).

2) تكوين المشاريع والأنشطة المشتركة (Joint Ventures) معا.

3) تملك المصارف لكل أو نسبة من حصص شركات التأمين.

4) اتفاقيات وتعاقدية حصرية لتقديم خدمات (التسويق – التوزيع) مع ملاحظة اختيار أي طريقة ترتبط بعوامل مختلفة تتعلق بالجهات التنظيمية والقانونية فكل نوع تعاون له خصائصه ومميزاته.

ثالثا: عوامل نجاح المنظومة المتكاملة لتقديم التأمين المصرفي.

العوامل الخارجية

تشمل هذه العوامل المحيط الاقتصادي والثقافي والاجتماعي الذي يعمل فيه مصرف التأمين والمتمثلة في البيئة القانونية من التشريعات والقوانين وكذلك اللوائح التنظيمية المتعلقة بعملية التأمين المصرفي من أهم العوامل التي لها تأثير حقيقي فوجود بيئة قانونية ملائمة لا تحد من إمكانات المصرف في شراء حصص أو أسهم بالإضافة للمشاركة في تأسيس شركات التأمين الخاصة وتخفيض القيود على تسويق منتجات التأمين التكافلي عبر الشبكات المصرفية ستسمح لنشاط التأمين المصرفي بالتوسع بسهولة وسرعة أكبر مع منح مزيد من المزايا الضريبية التي تشجع المستهلكين على الاستثمار في منتجات التأمين والتي تتأثر إيجابيا بالعوامل الثقافية والسلوكية منها الصورة الجيدة لمصرف التأمين والمكانة التي يحتلها بالمجتمع إضافة للشبكة الجغرافية المنظمة والمتقاربة للقطاع المصرفي الإسلامي فهي مسألة جوهرية وعامل رئيسي لتحقيق النجاح مثل (عدد نقاط التسويق – تسويق وتوزيع المنتجات) والتي تعتبر عاملا أساسيا لكسب الثقة والولاء، وسلوك المستهلك في استخدامه لشبكة الإنترنت من العوامل المؤثرة على درجة تطور هذا النشاط فاستخدام التكنولوجيا الجديدة خاصة الإنترنت فيفضل كثير من العملاء التعامل الشخصي المباشر مع المصارف لتوصيل احتياجاتهم المالية مباشرة خصوصا في حالات استغلال انخفاض معدل انتشار التأمين في بعض الدول مما دفع المصارف لعقد تحالفات أو مشاركات لأنشطة التأمين المحلية وهذا لدرايتها أكثر باحتياجات المستهلكين المحليين أو مع البنوك المحلية ذات الشبكات الكثيفة والمنظمة وقد عرف نشاط التأمين المصرفي نموا وسرعة عالية.

العوامل الداخلية

تعتبر العوامل الداخلية أكثر تأثيرا بنموذج التأمين المصرفي المعتمد ومنها نموذج مصرف التأمين المتبع، فكل شركة تأمين تكافلي وكل مصرف يبحث عن الصيغة والنموذج الأكثر ملائمة لأوضاعه بالإضافة للبيئة الثقافية والتنظيمية الخاصة بكل واحد منهما وعلى قدرة التكامل بينهما كذلك يستند التأمين المصرفي على نموذج إدارة فعال مندمج اندماجا كليا بالعمل المصرفي عبر نظام معلومات آلي موضوع تحت تصرف قوي التسويق ومن دون شك فإن هذا النموذج من التكامل والتعاون سيسمح لنشاط التأمين المصرفي بالحصول على ميزة تنافسية كبيرة خاصة أن شبكة موظفي مصرف التأمين يتمثل دورهم في تقديم المنتجات والخدمات المالية ومستعينا بالتكوين الأولي لعمليات المراقبة والمتابعة المستمرة التي من شأنها تحسين مستواهم العلمي والعملي في مجال التأمين التكافلي (مؤتمرات – دورات – اجتماعات – منشورات – نشرات إخبارية) مع تطبيق نظام مكافآت فعال مناسب لأن هذه المنتجات تتطلب جهدا كبيرا للتسويق والتوزيع والانتشار والمستوى العالي من التأهيل لتعزيز منتجات التأمين دون خلط أو تفكيك وإبدال المنتجات المصرفية أو التعارض مع التسلسل الهيكلي للمصرف إضافة لتوافق المنتجات المسوقة وفقا لمبادئ الشريعة الإسلامية واحتياجات العملاء ومدمجة مع عروض المصرف حيث إن توافقها مع المنتجات المصرفية يسهل عملية بيعها نظرا للتشابه الكبير بين منتجات التأمين والودائع مع ملاحظة أنها ليست منتجات بديلة للمنتجات المصرفية حتى لا يشكل ذلك تحديا لكل من المصارف وشركات التأمين في تقديم منتجات يتم فهمها وتقديمها بسهولة كما يجب أن تكون الخيارات المطروحة فيها محددة وواضحة.

رابعا: الكفاءة المهنية في إدارة منظومة العلاقة التبادلية والتكاملية لتقديم خدمات التأمين التكافلي عبر المصارف

– تعتبر منطقة الشرق الأوسط ودول الخليج عامة هي الأكثر ملائمة للتأمين المصرفي من وجهات النظر المالية والتنظيمية والاقتصادية حيث أنه لا يوجد ما يمنع في أي دولة من التعاون والتكامل بين المؤسسات المالية والاقتصادية الإسلامية في تقديم منتجات التأمين عبر المصارف أو امتلاك أو شراء أسهم وحصص أو حتى عقد مشاركات بين المصارف وشركات التأمين فكل هذه العوامل تجعل هذه المنطقة منصة مثالية لإستراتيجية التأمين عبر المصارف وفي بحثي لمجموعة من الدراسات والأبحاث الحديثة عن (العلاقة التبادلية والتكاملية بين المؤسسات المالية الإسلامية) كنموذج لأدوات التطوير واستراتيجيات الابتكار (فن الهندسة المالية الإسلامية) في عام 2014 م تناولت إحدى الدراسات التوصيات التالية وبصورة مختصرة:

 التأمين المصرفي أقل تكلفة مقارنة مع طرق تسويق الخدمات التأمينية الأخرى إذ سعت شركات التأمين التكافلي لتطوير طرق توزيع منتجاتها والحفاظ على هامش ربحها كما أن (تسويق – توزيع- الاتفاق) منتجات التأمين عبر المصارف أقل تكلفة عموماً من طرق التوزيع التقليدية نظراً للتكلفة الإضافية التي تضاف لحساب المصارف لدى توسيع نطاق منتجاتها المصرفية لتشمل منتجات التأمين التكافلية أيضا.

 ضمن النتائج التي توصلت لها هذه الأبحاث التحليلية أيضا أن انخفاض معدلات التكلفة والوقت والجهد عبر المصارف يقدر بحوالي نسبة تتراوح مابين(50%- 60%) تقريبا من التكلفة الأصلية للخدمة التأمينية المباشرة عنها في وسائل التوزيع الأخرى ويعود ذلك بشكل كبير إلى ميزة التوفير في الوقت والجهد عند تسويق المنتجات بالمصارف وحسب التقديرات المتوسطية للدراسة تمضي شركة التأمين تقريباً ما يقرب من نسبة(25%-30%) من وقتها في البحث والمناقشة مع العميل ونسبة تتراوح مابين(10 %- 15%) للحصول على موعد ومقابلة العميل ونسبة تتراوح (30 %- 40%) لإتمام عملية التسويق وشرح الشروط وتفاصيل أداء الخدمة التأمينية، ونسبة مابين (10%- 15%) لتقديم استشارات وخدمات ما بعد تنفيذ الخدمة غير أن المصارف بإمكانها توفير لغاية نسبة(40%- 45%) من هذه العملية إجمالا بفضل قدرتها على استخراج المعلومات وبفضل شبكة فروعها المنتشرة محليا وإقليميا لأن المصارف الإسلامية على اتصال مستمر بعملائها وتتوفر لديها سجل معلومات مفصلة عنهم وبإمكانها استخراج معلومات حول دخل الفرد ومستوى الملاءة المالية له بما يساعد على تقسيم السوق إلى أجزاء واتباع استراتيجيات في التوزيع والتسويق بالاعتماد على أرقام ووقائع حقيقية.