12/01/2012 – بانوراما التأمين

يعتبر التأمين الصحي أحد أهم فروع التأمين سواء من حيث ما يقدمه لشركات التأمين من مجال عمل يحتوي على إمكانات واسعة ومهمة للانتشار والتنوع، أو ما يقدمه للأفراد والمجتمع من خلال مساهمته الكبيرة في تحسين الوضع الصحي وإمكانات ترشيد النفقات الصحية.

كم ننفق؟
تنفق الحكومة السورية سنوياً نحو 62 مليار ليرة سورية على الرعاية الصحية مضافاً إليها ما يتم إنفاقه على التأمين للقطاع الإداري بـ 3.5 مليارات ليرة سورية وعلى القطاع الاقتصادي 2.5 مليار ليرة سورية تقريباً كما تنفق العائلات السورية سنوياً نحو 70 مليار ليرة سورية على الرعاية الصحية من جيبها الخاص وفقاً لدراسة الإنفاق الأسري التي انتهت عام 2010 بالتعاون بين وزارة الصحة وجامعة دمشق والاتحاد الأوروبي أي الإنفاق الكلي على الصحة يصل إلى 138 مليار ليرة سورية.

الصحة تقول
يرى مدير قسم الضمان الصحي في وزارة الصحة الدكتور هشام ديواني أن كل الخدمات تقع على كاهل الدولة بشكل عام وتشكل عبئاً كبيراً يحد من التطور النوعي في الخدمات ومن ناحية أخرى عدم مشاركة أرباب العمل في القطاع الخاص في تحمل مسؤولية الرعاية الصحية لديهم أيضاً صناديق التأمين للمؤسسات والنقابات ذات موارد مالية محدودة، ويرافق ذلك ضعف الوعي لأطراف التأمين وعدم توافر الكوادر الفنية المتخصصة في مجال أعمال التأمين ووجود تجارب سلبية في تطبيق العقود وذلك من خلال التأخير في التسديد وعدم استخدام الترميز العالمي والخاص بالأمراض والإجراءات وعدم استخدام الرقم الوطني للمواطن وفوضى عقلية بين الشركات ومقدمي الخدمات.
وأضاف: للتأمين الصحي في سورية عدة أهداف أهمها تحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي وتوفير مصدر للتمويل وترشيد الإنفاق وحسن الكفاءة وتحسين المستوى الصحي للسكان وتخفيف الضغط على المرافق العامة ومواكبة التقنيات الطبية الحديثة والمحافظة على العمر الافتراضي للمنشآت والتجهيزات الطبية.
ويؤكد الدكتور هشام أن مواطني الجمهورية العربية السورية يقعون تحت سقف المجانية بالعلاج فالموظف المؤمن في إحدى وزارات الدولة يتلقى كل الخدمات الصحية المجانية من أي مشفى تابع لوزارة الصحة. فوزارة الصحة لم تتخل عن الرعاية الصحية الأولية (اللقاح، رعاية الحامل، الإسعاف) فهي عمل وطني يجب أن يعم جميع المواطنين. كنا نتمنى بالدرجة الأولى أن يبدأ بالتأمين ففي عام 2010 استطعنا من خلال متعتنا بالتعاون مع هيئة الإشراف على التأمين ووزير المالية بالحصول على موافقة رئاسة الوزراء على تغطية القطاع الإداري.
حيث كان في السنوات السابقة محروماً من التأمين الصحي، علماً أن الموظف في الدولة ينقسم إلى نوعين:
النوع الأول: موظف القطاع الاقتصادي فهو يغطى بنوع من أنواع التأمين الصحي بالصندوق المشترك في نقابة الأطباء منذ عام 1981.
النوع الثاني: موظف القطاع الإداري فهو غير مغطى إلى حين موافقة رئاسة مجلس الوزراء على التغطية.
حالياً مستوى التأمين غير الطموح، فنحن نطمح إلى تأمين جميع المواطنين كمرحلة أولى، كما نأمل في تأمين الأسرة كاملة وأيضاً نطمح لتطبيق المرسوم 46 للمتقاعدين الذي لم يطبق حتى الآن. يضيف الدكتور هشام: هنالك عدم فهم على نطاق واسع في المجتمع السوري لفكرة ومعنى التأمين الصحي قبل البدء بنظام التأمين الصحي بشكل ميداني لا بد من توافر:
الموارد البشرية المؤهلة ذات المؤهلات العالية في التأمين الصحي وإدارة النظم الصحي والمحاسبة. الأساس القانوني: مراجعة متأنية لكل القوانين والقرارات والقواعد التي تؤثر في أنظمة الفوائد الصحية لشركات القطاع العام والخاص ولإعداد قانون الإطار العام للتأمين الصحي.
تحديد حزم الخدمات الصحية وتعديلها وفقاً للاحتياجات المستمرة مع بقاء خدمات الرعاية الصحية الأولية لدى وزارة الصحة، كما يحدد القانون الجهة المسؤولة عن صلاحيات التأمين الصحي المنبثقة.

التأمين تقول
مدير المؤسسة العامة السورية للتأمين سليمان الحسن بين أن عدد المشمولين بالتأمين الصحي بلغ حتى الآن بـ540 ألف مؤمن تقوم على تخديمهم 6 شركات للإدارة النفقات الطبية من خلال شبكاتها الطبية المنتشرة في جميع المحافظات السورية حيث بلغ عدد مقدمي الخدمات حتى الآن ومن جميع الاختصاصات (أطباء، صيادلة، مخابر، مراكز أشعة، مشاف) 10 آلاف مقدم خدمة.
يشير الحسن إلى أن هناك عدة معايير تتبعها المؤسسة للرقابة على شركات الإدارة حيث يعود القسم المختص لتدقيق المطالبات التي تتم عليها الموافقة من شركات الإدارة كما تعتمد على التواصل مع الجهات المؤمنة للاطلاع على الشكاوى والملاحظات على عمل شركات الإدارة والتوجيه لتداركها وكذلك التواصل مع مقدمي الخدمات للتأكد من التزام الشركات بالتسديد لهم في المواعيد المتفق عليها توخياً لمصداقية التعامل وبالتأكيد تم تسجيل مخالفات بحق الشركات وتمت معالجتها بفرض حسومات على الأتعاب الإدارية التي تتقاضاها هذه الشركات من المؤسسة.
كما قامت المؤسسة بالتعاقد مع جميع شركات الإدارة الموجودة والمرخصة في السوق السورية وذلك بسبب الحاجة لتخديم هذا العدد الكبير من المؤمنين.
ويشير الحسن إلى الدور المنتظر من وزارة الصحة لتنظيم قطاع الصحة ووجود تصنيف واضح للمشافي وإقرار نظام الباركود للأدوية المرخصة من وزارة الصحة والتعاون مع المؤسسة لإيجاد آلية للرقابة على مقدمي الخدمات وغياب الدور المرتقب من نقابة الأطباء لهذه الغاية أيضاً.

مهمتنا حل المشكلات
عن الشكاوى المقدمة من المستفيدين من التأمين الصحي فقد أكد نحاس أن إحدى المهام التي تقوم بها شركة غلوب مد هي حل المشكلات والشكاوى. لكن كما في كل سوق جديد تكون المعرفة بالتأمين الصحي غير موجودة، فمقدمو الخدمات لا يزالون في أول الطريق وليسوا معتادين على هذا النمط من العمل، لكن الأكيد أن هذه العملية تتطور بشكل مستمر وهي تحتاج إلى وقت لكن سوف تصبح الخدمة أفضل.. ومن الضروري أن يعرف المستفيد من التأمين كيف يستخدم البطاقة التأمينية، وعندما يعمل الجميع في هذا الأمر تصبح دورة العمل واضحة أكثر.

المشافي
المديرة الإدارية لمشفى السلام الجراحي د.أمل شاهين ترى أن تجربة التأمين الصحي ممتازة فهي تؤمن على حياة المؤمن، ونغطي كل الخدمات المبينة في التأمين من عمل جراحي، إسعافات، تحاليل مخبرية. وأما الصعوبات التي تعترض سير عملية التأمين الصحي فهي عدم وعي المواطن لمفهوم التأمين الصحي والخدمات المغطاة وغير المغطاة، أيضاً شركات التأمين تفرض علينا كثيراً من الأمور في تقديم الخدمات كالتشريح المرضي لأي مؤمن فعلينا إرسال التشريح المرضي لأي مؤمن إلى الشركة لتأكيد أنه مغطى أم لا، فالبرنامج الذي تتم من خلاله إدخال بيانات المؤمن عليه برنامج معقد ويجب تبسيطه.

الصيادلة خاسرون
صيدلاني مشترك مع شركات إدارة النفقات الطبية يبين، أن المشكلة للصيدلاني أنه على الرغم من كثافة المشتركين إلا أنه عليك في البداية التأكد من الأدوية التي تتضمنها الوصفة الطبية موجودة لديك جميعها، فإن لم تكن ذلك فأنت مضطر للاعتذار من المؤمن عليه لأنك لا تستطيع أن تصرف له وصفة مجتزأة. بعد ذلك عليك ملء بيانات الوصفة في صفحة المؤمن عليه على موقع الشركة الإلكتروني. وانتظار رسالة من الشركة تؤكد لك أنواع الأدوية المغطاة من الوصفة. وكل ذلك يأخذ وقتاً من الصيدلاني ومن المؤمن عليه. كما بين أحد الصيادلة أنه متعاقد مع شركتين لإدارة النفقات الطبية يدفع نسبة ربحية للشركة هي 5% من قيمة كل وصفة. ويرى الصيدلي أن التعاقد مع هذه الشركات خاسر اقتصادياً له، لكنه مضطر للتعاقد لكون المستقبل للتأمين. ذلك أنه وإضافة لـ5% التي تأخذها الشركة، فإنه مضطر حسب شروط التعاقد مع هاتين الشركتين، للانتظار حتى نهاية الشهر، لكي يذهب إلى مقر كل شركة ويسلم إليها الوصفات الطبية إضافة إلى علب الأدوية، وثم الانتظار شهرين آخرين من أجل قبض مستحقاته المادية. هذا مع عدم حساب تكلفة جهاز الكمبيوتر، والطابعة، إضافة إلى شراء خط هاتفي ICDL، وهناك مطالبة من الشركات الآن لكي أشتري فاكساً.

رأي المواطنين
ويرى العديد من الموظفين بدوائر الدولة الرسمية في سورية، أن التأمين الصحي الذي شمِلوا به في إطار تأمين العاملين في القطاع العام الإداري، غير صحي وتشوبه علل كثيرة، ولا يخدمهم بقدر ما يخدم الشركات التأمينية، التي أبرمت الحكومة عقد التأمين المذكور معها وهذا ما تؤكده (مها الحسن موظفة في جامعة دمشق وزميلاتها في الجامعة نفسها) التقيناهم أثناء صرفهم للوصفات الطبية أمام إحدى الصيدليات المتعاقدة في دمشق) فترى أن من يقرأ دليل استخدام التأمين الصحي للعاملين في القطاع العام الإداري، ويتمعن به، يجد أن عقد التأمين الصحي، الذي أبرمته الحكومة ممثلة بالسورية للتأمين، مع إحدى شركات إدارة النفقات الطبية، بغية التأمين صحياً على العاملين في القطاع العام، ليس أكثر من عقد «إذعان» لما ورد في الدليل من أمراض وأدوية استثنتها الشركات المذكورة من التغطية المالية، وتركت نفقاتها للمؤمن عليه، فالدليل الذي تطرحه شركة غلوب مد سورية مثلاً يطرح الكثير من الأسئلة، فالمادة الثالثة منه ترتب على المؤمن عليه في حال دخوله المشفى غير معتمد من هذه الشركة أن يسدد للمشفى ما يترتب عليه، وبعد ذلك يجلب الوثائق إلى الشركة لكي تسدد له 75% من الأسعار والأجور المعتمدة، وذلك بعد خصم نسبة التحمل التي يجب أن يدفعها المؤمن عليه، إلى ذلك فإنه على الصيدلاني أن يحتفظ بالعلب الفارغة للأدوية المصروفة ليسلمها للشركة مع الوصفة الأصلية.
ويرى دريد سلوم موظف في وزارة النقل أنها غير منصفة ويشعر بالخجل نتيجة الوقوف والانتظار ريثما تأتي الموافقة على الصرف مع العلم أن الدكتور يصف الدواء وهو أدرى وأعلم بفائدته وجدواه ولكن تأتي أحياناً بعدم الموافقة فهل تخضع هذه الموافقات لمزاجية الطبيب الموجود في الشركة أم لا؟
أيضاً هناك حالات لا تتم تغطيتها مع العلم أنها بسيطة ويقابلها حالات مشابهة مغطاة وهذا يدل على عدم الإنصاف مثلاً عملية الدوالي غير مغطاة وبالمقابل عملية الفتاق أو الزائدة مغطاة علماً أنها متشابهة من حيث العمل الجراحي، مع العلم أنه لغاية اليوم لم أستفد من خدمات الشركة.

وأخيراً
تبقى تجربة التأمين الصحي في سورية في بدايتها، فهي بحاجة إلى وقت طويل حتى تستقر وذلك لوجود أكثر من 540 ألف مؤمن، يترتب على الشركة العامة السورية للتأمين وشركات إدارة النفقات الطبية بالتعاون مع وزارات الدولة جهد كبير في توعية المواطنين بالدرجة الأولى لمفهوم التأمين وأهدافه وتدريب العاملين في مجال التأمين كي نخفف من أعباء الحياة على المواطنين لما له من منفعة على المواطن السوري بشكل خاص.