11/09/2013 – بانوراما التأمين

تشير الدراسات الاقتصادية والمالية ان الاقتصاد العالمي ما زال في اتون الازمة المالية العالمية وتداعياتها وامتدادتها منذ خمس سنوات، ويؤكد خبراء أن صناعة التأمين التعاوني ما زالت تحقق نموا كبيراً مع زيادة في الإقبال عليه وتنوع الشركات العاملة فيه، وتكشف عن المشهد الواقعي لهذه الصناعة، وتحمل في داخلها الكثير من التفاصيل التي هي في حاجة إلى الكشف عنها بخاصة في هذه الايام الذي يخيم فيه على العالم شبح الركود، فهناك بحسب متخصصين عدد من المعوقات والصعوبات والتحديات التي تقف أمامها، كما أن هناك الأزمة المالية العالمية التي تأثرت بها صناعة التأمين التجاري في الكثير من دول العالم، هذه النقاط وغيرها والتي تكشف عن اتجاهات جديدة في مسار صناعة التأمين في العالم.

مجموعة من الخبراء والمتخصصين يؤكدون ان صورة الواقع الجديد ان صناعة التأمين التعاوني وبرغم حداقتها إلا أن ثمة جديدا فيها، يمكن تلخيصه بمحاولات بعض الدول والشركات إعادة صياغة أعمالها لكي تتفق مع الأحكام الشرعية الصادرة من المجامع الفقهية والتي تقضي بتحريم التأمين التجاري وإجازة التأمين التعاوني أو التكافل بالضوابط الصادرة من الجهات الشرعية.
وان هذا هو أهم المعوقات أمام تقدم هذه الصناعة في الدول الإسلامية، والسبب في ذلك أن بعض الدول ما زالت متشككة في إمكانية الصياغة للتأمين كي يكون تكافليا «تعاونياً»، أو في عدم جواز التأمين التجاري، وفي المقابل يقول خبراء إن عموم المسلمين مقتنعون بضرورة العودة إلى أحكام الشريعة الإسلامية و إعادة صياغة حياتهم المالية، في إطار أحكامها العادلة والشاملة، بعد أن عانت معاناة شديدة في الأزمات المتكررة والانهيارات المتعاقبة.
وحول ذلك يقول د.محمد سعدو الجرف الأستاذ في جامعة الملك عبد العزيز في جدة ان ما حدث في السعودية من تطور حيث يقارن بين مراحل صناعة التأمين في المملكة ويقول إنها قد مرت بمرحلتين مهمتين هما مرحلة ما قبل ظهور نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني ولائحته التنفيذية، ومرحلة ما بعد صدور النظام ولائحته التنفيذية. ويضيف إن المرحلة الأولى قد تميزت بالاختيار لكل من شركات التأمين والمستفيدين فقد كانت الشركات بالخيار بين تطبيق صيغة التأمين التجاري أو تطبيق صيغة التأمين التعاوني، وكان الناس بالخيار بين شراء وثائق التأمين من أي نوع وبين عدم شرائها، ثم صدر نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني ولائحته التنفيذية فأصبحت الشركات ملزمة بتطبيق صيغة التأمين التعاوني فقط وفق صيغة معينة أصدرتها مؤسسة النقد العربي السعودي التي وضعت حداً أدنى لرأس المال، ووضعت وثائق تأمين نموذجية ملزمة لجميع شركات التأمين في قطاع التأمين على المسؤولية من حوادث السيارات، ووضعت نماذج لأنظمة أساس لشركات التأمين وصيغة معينة لعقود تأسيس شركات تأمين.
كما حددت قنوات لاستثمار أموال هذه الشركات ووضعت لها أسساً محاسبية تلتزم بها، وأصبح الناس ملزمين بالتأمين على رخصة القيادة ثم بالتأمين على رخص سير السيارات، مما أدى إلى توسع سوق التأمين في السعودية. ويضيف أن ذلك قد صاحبه صدور نظام مجلس الضمان الصحي التعاوني ولائحته التنفيذية الذي ألزم أيضاً شركات التأمين العاملة في هذا المجال بالعمل وفق صيغة التأمين التعاوني، وأخضع المقيمين لهذا التأمين على مراحل.
ان متطلبات الواقع الجديد يفرض على المهتمين بهذه الصناعة بعضا من الخطوات الإيجابية باتجاه التغيير وهو تغيير يجب أن يلامس الكثير من التفاصيل، وفي هذا المجال يقول د.عمر زهير حافظ إن صناعة التأمين التعاوني أو التكافلي، تحتاج إلى تغيير في ثقافة المؤمن له و ثقافة الجهات الإشرافية، وثقافة الشركات، والتوسع في التأمين التعاوني، يجب أن يكون لدعم الفكر التعاوني في التأمين فعلا وليس مجرد شعارات لا واقع لها، وقد تكون امتدادا للفكر الرأسمالي في الاقتصاد، وإن كان الناس لم يعتادوا أن يحكم هذا القطاع الاقتصادي، الفكر التعاوني، فيجب أن يعتادوا عليه، بخاصة أن السعودية تبنت إلزام شركات التأمين بالعمل بالتأمين التعاوني بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.
ويقول د.الجرف « هناك تحديات وصعوبات بحاجة للمعالجة، وإن التطورات التي حدثت في الصناعة أدى إلى ما يسمى تحرير القطاع، وقد كان ذلك من مستلزمات الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وان بعض الشركات العاملة، اقامت تحالفات وشراكات (بين سعوديين وأجانب) مثل التعاونية للتأمين بملكية مختلطة بين الدولة والقطاع الخاص، وبعضها مملوك للبنوك. ولكن الملاحظ إن عدداً من هذه الشركات لم يبدأ عمله بعد على الرغم من حصوله على الترخيص اللازم للعمل، وعلى الرغم من تداول أسهمه في سوق المال. كما يلاحظ افتقار بعض هذه الشركات لهيئات رقابة شرعية، ويلاحظ أن بعض أعضاء هذه الهيئات ليس لديهم خلفية فقهية، وليست لهم خلفية تأمينية.
كما ان من أعضاء مجالس إدارة الشركات يفتقرون إلى المهنية في مجال التأمين، إضافة إلى افتقار كثير من العاملين في هذه الشركات إلى المعرفة الكافية بهذه الصناعة، ولعل من المهم حيب د. الجرف ما يرى من افتقار رجال المرور الذي يتعاملون مع الحوادث إلى كيفية التعامل مع الحادث في حالة وجود وثائق تأمين، وما يرى من عدم وجود هيئات مختصة بالفصل في نزاعات التأمين، وجهل الناس بحقيقة التأمين ووظيفته، ويعد هذا كله صعوبات ومعوقات في هذه الصناعة تعوق نموها وتطورها وتحقيق الهدف منها.
وهنا فالأزمة المالية العالمية والتأمين ليس بعيداً عن هذه التحديات هناك الأزمة المالية العالمية والتي مما لا شك فيها قد أصابت صناعة التأمين وهو ما يلخصه د.عمر زهير حافظ كما يقول في مجالين اثنين هما استثمار أموال التأمين في المصارف، وقد تعرضت شركات التأمين لخسائر فادحة نتيجة لإفلاس بعض المصارف أو انخفاض قيمة أسهمها أو بيعها أو اندماجها، أما المجال الآخر، هو بمثابة إخفاق بعض الشركات في الوفاء بتعويض حملة وثائق التأمين على الديون وبالتالي تعرضها للإفلاس ومثالها ما حل بشركة AIG الأمريكية، وهنا يجب على شركات التأمين استثمار أموالها في مجالات آمنة للغاية لأنها في الغالب أموال حملة الوثائق، كما يجب عليها دراسة التأمين على الديون دراسة عميقة للحيلولة دون الغرق في حال إخفاق الدائنين عن السداد.
هذا الرأى تسانده الأخبار التي تكشف عن اتجاه الشركات الكبيرة في العالم للبحث عن مجالات آمنة عقب الأزمة وهو ما يبدو واضحاً في الصناعة المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، وفي هذا الصدد يقول الدكتور موسى القضاة الأستاذ المساعد في جامعة العلوم الإسلامية العالمية، والعضو التنفيذي لهيئة الرقابة الشرعية وعضو مجلس إدارة شركة البركة للتكافل، إن صناعة التكافل أو التأمين التعاوني شهدت نموا هائلا في الفترة الأخيرة فاق كل التوقعات بخاصة أنها حسب رأيه قد برزت لتوفر لأكثر من مليار ونصف المليار مسلم منتجات تأمينية متوافقة مع أحكام الشريعة وقد نجحت نجاحا ملحوظا ويظهر ذلك من خلال الأرقام والإحصاءات لحجم السوق المالية الإسلامية وما يرجح نموه بشكل كبير في السنوات المقبلة.