07-08-2017 – بانةراما التأمين
انه من غير الممكن تصور الحياة الاقتصادية في بلد بمعزل عن قطاع التامين فيها، فالتأمين يدخل في صلب أعمال كافة القطاعات الاقتصادية فنرى التأمينات على اختلاف انواعها ترتبط بكل ما يتعلق بالفرد من صناعته اومهنته او ممتلكاته او حتى حياته.فالتامين هو تلك الوسيلة الدفاعية الجبارة التي من خلالها يستطيع الفرد ان يدافع عن نفسه وعن اعطاله واضراره وخسائره وحتى خسائر الطرف الثالث الذي قد يتضرر بها بفعل خطر معين مؤمن ضده.
وعلى ذلك فإن قيمة التامين في المجتمعات الحديثة تتقدم على باقي القيم الاقتصادية، فبالتأمين نحمي المجتمع من الكوارث الطبيعية، ونحمي الصناعات الوطنية، ونحمي الانشاءات الهندسية ونحمي الانتاج الزراعي ونحمي القطاع الخدماتي، ونحمي أفراد المجتمع من كوارث السير وحوادث الطرق، ونحمي الاقتصاد الوطني من كوارث ضخمة قد تلحق به.
قد يسأل سائل بأن التأمين جزء لا يتجزأ من الاقتصاد الوطني وقد يندرج عنوانه تحت بند الخدمات، فإذا تأثر قطاع ما من الاقتصاد الوطني وكان مشمولاً بالتأمين، فإن شركات التأمين سوف تعوض ذلك القطاع خسارته وبالتالي هي سوف تتحمل الخسارة، أي بمعنى آخر فإن العلاقة التي تنشأ في مثل هذه الحالة هي حالة الاحلال أي أن يحل قطاع التامين محل القطاع المتضرر في تحمل الخسارة نفسها، نعم إن هذه الفرضية فرضية مبررة وهي في محلها، مع فارق بسيط هي أن القطاع التأميني لا يتحمل الخسارة الاجمالية قطعياً، فالاصل في التامين هو تشتيت الأخطار، وعلى ذلك فإن القطاع التأميني الذي لن يتجرأ على تحمل كافة الأخطار لوحده دون أن يشارك أحد معه، وكلمة احد هنا تستدعي وجود معيدي تأمين خارجيين لضمان عملية تشتيت الخطر وابعاده عن محيط الوطن الأمفلا يوجد شركة تأمين في العالم تأخذ العبء كله على نفسها، أي أنها لا تحتفظ بكامل الأقساط التأمينية كلها حتى لا تتحمل كافة الأخطار لوحدها.
وعلى ذلك فإن اية كارثة قد تصيب قطاع ما، لا تتحملها شركات التامينالمحلية وحدها وإلا فإن مبدأ الاحلال المشار إليه سابقاً سوف ينطبق على هذه الحالة طبعاً ومن خلال هذه الفكرة فقد عمدت شركات التامين إلى تقنين مبدأ تشتيت الخطر، فالزمت نفسها بسقوف عليا للتغطية في كل من أنواع التأمين التي تتعامل بها، على أن تعيد تأمين ما زاد عن سقوفها لشركات تأمين محلية أو خارجية، في مقابل ذلك فإن حصيلة أعمال الشركة السنوية تخضع في اغلب الأحيان على توزيعات محاصصية بينها وبين معيدي تأمين معيين وافقوا من بداية السنة التأمينية على تحمل نسب معينة من الأخطار في تلك السنة مقابل حصولهم على حصتهم من الأقساطالمحصلةخلال نفس الفترة الزمنيةبعد خصم العمولة، وعلى دفع ما يخصم من التعويضات المترتبة عليه خلال نفس الفترة كذلك.
إن نظرة سريعة لتسلل هذه العمليات التأمينية المتداخلة ومحاولة استيعاب مراحل تنفيذها منذ الاتفاق عليها وحتى مراحل تحصيل الأقساط أو دفع التعويضات وما يتخلل ذلك من مراسلات واصدارات بوالص التأمين وبوالص الاعادة وتنفيذ ما يلحقبها من خلال المحاسبة المنظمةوتحويلات العملة وتنفيذ التحويلات او المقاصات وما يتخلل ذلك من عمليات مالية وادارية ومحاسبية وغيرها، ليعطينا فكرة كافية عن مدى تكاتف القطاع التأميني الدولي مع بعضه البعض، يمعنى آخر يعطينا شبه تصور عن حالة التأمين الحقيقية في العالم، فكل شركة تامينية تربطها بشركة اخرى علاقة من نوع ما، فالأولى مرتبطة بالثانية بعلاقة ما، وتلك الثانية مرتبطة بثالثة بعلاقة اخرى والثالثة مرتبطة بالرابعة بعلاقة محاصصة والرابعة مرتبطة بالاولى بعلاقة إعادة والخامسة مرتبطة بالثالثة بنوع من المشاركةفي تغطية ما، والاخيرة مرتبطة بتلك ودواليك.
إن هذه السلسلة المترابطة من العلاقات تجعل قطاع التامين في العالم هو القطاع الأنجح في سلم الاقتصاد السياسي، فالعلاقات بين الشركات المتعددة الجنسيات هي نوع من أنواع التمثيل السياسي بطريقة أو بأخرى، وعلى هذه فإن انفتاح السوق التأمينية على العالم بهذا الشكل له انطباع حسن قد يجعل الكثيرين من أصحاب القرار السياسي يفكرون في طريقة توظيف هذا الكم الهائل من العلاقات التأمينية لصالح باقي القطاعات الاقتصادية، وما يتم توظيفه اقتصادياً بداية، يتم توظيفه سياسياً نهاية، لأن الاقتصاد والسياسة متلازمان وما السياسة بنظري إلا فن لإدارة الاقتصاد بشكل دبلوماسي وسياسي.
هذا القطاع الهام مفتوح على العالم من أوسع ابوابه، والكفاءات التامينية والادارية التي تدير هذا القطاع وتشرف عليه، وهي كفاءات مخضرمة تستطيع ان تتكيف مع الظروف التأمينية الجديدة التي سوف تعوم على السطح، حيث أنه وبموجب هذه الاتفاقية سيكون الباب مفتوحاً لأية شركة اجنبية للدخول إلى الأسواق المحلية ومنافسة مثيلاتها في تلك السوق، في الوقت الذي تفتح نوافذ وأبواب كل أسواق الدول الأخرى الموقعة على الاتفاقية لاستقبال أية شركة محلية تحب ان تجرب حظها وتطرق الأسواق الخارجية محاولة إيجاد موطئ قدم لهم في سوق حر يحكمه التنافس الشديد.
على أنه أرى بالمقابل ان القطاعات الاخرى سوف تجد بعض العناء ان لم يكن الكثير منه في محاولة التكيف مع الظروف التنافسية الدولية التي قد تفرضها مثل هذه الاتفاقية، وإنني لست بصدد مناقشة تأثير هذه الاتفاقية على هؤلاء، ذلك أنني بصدد تخصيص قطاع التأمين في استيعاب ايجابيات هذه الاتفاقية لما يملك من المقومات التداخلية بين الشركات عن طريق الشركة أو الاعادة ودور ذلك في في اعطائه دفعة نحو الانطلاق، مشيراً في نفس الوقت الى دور شركات الاعادة االعالمية التي تربطها بالشركات المحلية اتفاقيات تحاصصية واتفاقيات اعادة في قدرتها على تدريب بعض كوادر هذه الشركات المحلية من خلال دورات تدريبية دورية، وهو ما يفتح المجال نحو تحسين العمل من جهة والقدرة على انتهاج خطة عمل متطورة تتلاءم مع الظروف الدولية الجديدة.
ان التأمين واعادة التامين عمليتان مترابطتان متداخلتان، تفرضان ذاتهما بقوة على الاقتصاد العالمي، وما علينا ونحن نعمل في هذا القطاع المتشعب الواسع سوى ان نحاول فهم جميع مدخلات هاتان العمليتان واختصار ما امكن من تعقيداتها والتصرف بطرق اكثر ديناميكية من اجل زيادة القدرات الاحتفاظية المحلية للشركات الوطنية، في مقابل الضغط نحو رفع نسب العمولات المحصلة من معيدي التامين شريطة ان يتم ذلك بشكل تكافلي جماعي، اي ان تتم المساومة على مثل هذه القضايا من خلال تضامن كافة الشركات الوطنية من جهة، وتضامن وتكافل هذه الشركات الوطنية مع مثيلاتها من الشركات ومجمعات التأمين العربية من جهة اخرى.
وعلى الاساس يتم التفاوضن تفاوض من اجل تقيلي نسب الاعادة الالزامية ومن اجل زيادة نسبة العمولات المحصلة من المعيدين ومن اجل الزام شركات الاعادة باستقبال اعداد معينة من الكوادر الفنية العربية لتلقي دورات تدريبية مكثفة من شركاتها ومعاهدها، وحين اقول الزامها اعني ان يكون هذا الالزام جزء من العمولات الممنوحة للشركات العربية، لا ان يتم ذلك مقابل رسوم طائلة نحن احوج اليها لردف اقتصادياتنا الوطنية في شتى انحاء الوطن العربي.
ان هذا الطرح بسيط في مضمونه ولكنه عميق في أهدافه وعظيم في النتائج المرجوة منه. لذا فإنني امل من الاتحاد العربي لشركات التأمين ان يظر الى هذا الاقتراح بمحمل الجد وان يتبناه كخطة قابلة للتطبيق لما قد يتحقق منه من مزايا وايجابيات تفيدنا في بناء اقتصادياتنا البسيطة التي نطمح ان تصل الى حدود الطموح.
ان شركة اعادة تأمين عربية لها صفة الالزام على شركات التأمين العربية قد تبشر بمستقبل واعد وتخفف من تحويلات العملات الصعبة الى خارج الوطن العربي وقد تزيد من تلك العملات ان احسنت الادارة والانتشار في العالم كله، عندها ما الذي يمنع شركات اوروبية من ان تعيد التأمين معها ان اقتنعت بأن ملاءتها التامينية مناسبة وعمولاتها جديدة والثقة بها متوفرة.
إن هذه الفكرة تتطلب انشاء شركة مساهمة عامة يترك المجال فيها لكافة شركات التامين في الوطن العربي لان تساهم بنصف رأسمالها كأعضاء مؤسسين ثم تطرح باقي اسهمها في بورصات الوطن العربي وطوكيو ولندن وول ستريت وهونغ كونغ وعندها سنجد بأن الادارة الوطنية ستكون قادرة بالتأكيد على ادارة هذه الشركات بنجاح كبير وعلى تحقيق الارباح وبالذات بعد مضي ثلاث سنوات على الاقل على بداية الشروع في هذا المشروع، سيما واننا نعرف بان الفترات الاولى من بدايات تأسيس شركات التامين تتركز على بناء احتياطيات فنية واجبارية واختيارية لمقابلة تعويضات اخطار تأمينية مغطاة في فترة سابقة او لاحقة، بحيث لا تؤثر على موجودات الشركة من نقد واستثمارات وعقارات.
واعترف بأن في مقالي هذا، العديد من المواضيع التي يحتاج كل منها الى بحث كامل، ولكنني احببت ان اضع عصارة ما يخالجني من افكار ضمن هذه المقالة، على ان اترك الباب مفتوحاً لكل راغب في الحوار ولكل شخص مهتم ان يعلق من وجهة نظره مضيفاً او منقصاً، مفنداً او مبخساً شريطة ان يصب تعليقه في الصالح العام، وما انا وهم الا جسراً يمر عليه تقدم الوطن والامة نحو تنمية شاملة مميزة، نحب ان نحياها ونحب ان نلمس كل مزاياها.