10-11-2025- بانوراما التأمين
بقلم: الأستاذ
محمد الميسّاوي، الرئيس التنفيذي لبوبا للرعاية المتكاملة
يشهد القطاع الصحي في المملكة العربية السعودية تحولًا نوعيًا نحو نموذج أكثر شمولًا واستدامة، مدعومًا بمستهدفات رؤية المملكة 2030 لبناء نظام صحي قائم على الجودة والوقاية والابتكار.
ويهدف هذا التحول إلى نقل الخدمات الصحية من الإطار التقليدي إلى منظومة رقمية متكاملة تُعزز التكامل بين مقدمي الرعاية الطبية وشركات التأمين والجهات التنظيمية، بما يحقق كفاءة أكبر في الخدمة وتحسينًا ملموسًا في تجربة المستفيدين.
وفي ظل هذه الجهود الوطنية لتطوير البنية الصحية وتوسيع نطاق الوصول إلى الرعاية، تبرز تجربة شركة بوبا للرعاية المتكاملة كنموذج تطبيقي يعكس ملامح هذا التحول، إذ تمكّنت الشركة من الجمع بين الطب الميداني والخدمات الرقمية ضمن إطار موحّد، يسهّل حصول الأعضاء على الاستشارات الطبية، والتحاليل الميدانية، والرعاية المنزلية، وصرف الأدوية إلكترونيًا، ما يمثل انتقالًا تدريجيًا من مفهوم التأمين الصحي التقليدي إلى مفهوم الرعاية المتصلة المعتمدة على البيانات والتحليل التنبؤي.
وتكمن أهمية هذا النموذج في اعتماده على تقنيات الذكاء الاصطناعي لرصد المؤشرات الصحية المبكرة وتخصيص البرامج العلاجية بناءً على الحالة الفعلية لكل عضو، وهو ما أسهم في تحسين نتائج المرضى وتقليل الحاجة إلى التدخلات الطارئة، كما أظهرت التجربة نتائج ملموسة في إدارة الأمراض المزمنة وتعزيز الممارسات الوقائية، بما يؤكد فاعلية الدمج بين التقنية والطب الإكلينيكي في رفع كفاءة الخدمات الصحية.
ومن هذا المنطلق، جاءت مشاركة بوبا للرعاية المتكاملة في ملتقى الصحة العالمي 2025 الذي أقُيم مؤخرًا في الرياض كجزء من الحوار الوطني حول مستقبل التحول الصحي في المملكة، حيث ركزت مشاركتها على استعراض التوجهات الحديثة في التأمين القائم على البيانات الواقعية، ودور الرقمنة في تطوير تجارب المستفيدين، بما يعكس انسجام التجربة مع المسار الوطني نحو نظام صحي ذكي ومترابط يعتمد على التحليل التنبؤي والوقاية الاستباقية.
ومن أبرز محاور هذا المسار الوطني توجه المملكة نحو تعزيز مفهوم الرعاية القريبة من الموظف من خلال إنشاء عيادات داخل مقار المؤسسات الوطنية الكبرى، وتدير بوبا للرعاية المتكاملة حتى اليوم 15 عيادة في بيئات العمل بالتعاون مع جهات رائدة مثل صندوق الاستثمارات العامة، وسابك، والشركة الوطنية للإسكان، ومجموعة كافد، لتقديم تجربة رعاية متكاملة داخل بيئة العمل نفسها، تُسهّل الوصول إلى الخدمة وتُسهم في تعزيز الإنتاجية وجودة الحياة.
كما وقّعت الشركة 11 اتفاقية تعاون جديدة مع جهات حكومية وشركات وطنية كبرى، لتوسيع نطاق نموذج العيادات الميدانية وتغطية قطاعات إضافية في مختلف مناطق المملكة، في خطوة تُرسّخ مفهوم «الرعاية في مكان العمل» كأحد ركائز برنامج جودة الحياة ضمن رؤية 2030، الذي يهدف إلى تعزيز الصحة المهنية ورفع الوعي الوقائي بين الموظفين.
ومن خلال هذا الدمج المتوازن بين الخدمات الرقمية والميدانية، أصبحت الرعاية المتكاملة وسيلة عملية لتحسين إنتاجية المؤسسات وتعزيز جودة حياة الأفراد في آنٍ واحد، ويمثل هذا التوجه نقطة تحول في مفهوم التأمين الصحي، حيث يدفع إلى تبني نماذج قائمة على الأداء والنتائج بدلاً من الاقتصار على تغطية التكاليف، بما يفتح المجال أمام علاقة أكثر تكاملًا وفاعلية بين شركات التأمين ومقدّمي الخدمات الصحية.
وختامًا، فإن تجربة بوبا للرعاية المتكاملة تضع أسسًا لمرحلة جديدة في سوق التأمين الصحي السعودي، وتمثل نموذجًا عمليًا للتحول الصحي في المملكة، فهي تجسّد انتقال القطاع من مرحلة الرقمنة إلى الرعاية الذكية المبنية على البيانات والابتكار، وتدمج التقنيات الحديثة مع الخبرة الطبية ليصبح القطاع الصحي أكثر كفاءة واستدامة.
إنها تجربة تُترجم رؤية 2030 إلى واقع ملموس، وتؤكد أن مستقبل الرعاية الصحية في السعودية يتجه بثبات نحو كفاءة أعلى، ووقاية أعمق، وحياة أكثر جودة.




