08-06-2013 – بانوراما التأمين

عمان – ما أن أعلن مجلس النواب أمس عن قراره إلغاء هيئة التأمين وإلحاقها بوزارة الصناعة والتجارة، حتى بدأت تطفو على السطح أسئلة عدة حول تبعات هذا الإلغاء سواء سلبا أو إيجابا على قطاع التأمين الذي يشهد أصلا انحدارا في أدائه منذ سنوات ليست ببعيدة.
ورغم أن أداء هيئة التأمين ( الرقابي والتشريعي) قد شهد تراجعا أيضا خلال السنوات العشر الماضية، إلا أن الخصوصية التي تمتعت بها الهيئة منذ إنشائها في العام 1999 جعلت منها أنموذجا اقتبس وتم تطبيقه في دول عربية أخرى، فهل سيترك غياب هذه الهيئة فراغا تشريعيا في سوق التأمين المحلي؟ وهل ستتمكن وزارة الصناعة والتجارة المثقلة أصلا بالعديد من الواجبات والمهام من القيام بالدور الذي أنيط بهيئة التأمين على أكمل وجه؟ ماذا عن حماية حقوق المؤمنين ؟ وما هو مصير أصحاب التخصصات والكفاءات في الهيئة ؟ .
إلا أن السؤال الأهم الذي يطرحه مراقبون ..ما هي الإنجازات التي حققتها الهيئة طيلة وجودها ككيان فعلي مستقل ماليا وإداريا على مدار 14 عاما ونيف؟
لا يخفى على أحد أن عوامل عدة مجتمعة أو منفردة أحدثت خللا في سوق التأمين المحلي وجعلته «هشا» و»ضعيفا»، مقارنة بقطاعات اقتصادية أخرى ، إذ لم تتجاوز مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي 2.1% ، رغم أن استثماراته قد بلغت لنهاية النصف الأول من العام الماضي نحو463.6 مليون دينار،و بلغت رؤوس أموال الشركات 295.7 مليون دينار، فيما يبلغ مجموع العاملين فيه نحو 2918 موظفا (ويشمل عدد العاملين في هيئة التامين والاتحاد الأردني لشركات التامين والشركات الأعضاء) إضافة إلى وكلاء التامين والوسطاء وخبراء المعاينة وتسوية الأضرار العاملين في شركات إدارة التامين الطبي ويعمل (2602) موظفا من المجموع الإجمالي للقطاع في شركات التامين.
وعلى مدار سنوات ما بعد الأزمة المالية العالمية التي كشفت الخلل الفعلي في أداء سوق التأمين المحلي وأظهرته كقطاع متهالك، تبادل الطرفان «اللدودان» – هيئة التأمين والشركات- الاتهامات حول الحال التي وصل إليها هذا القطاع.
فشركات التأمين تقول إن التشريعات التي أصدرتها الهيئة والتي ناهزت 120 تشريعا متواترا على امتداد عشر سنوات ، جعلتها « مكبلة» و لم تأت ثمارها إلا سلبا، فأغرقت تشريعات فرع التأمين الإلزامي وأنظمته القطاع في « مستنقع» من الخسائر المتراكمة التي بلغت 150 مليون دينار خلال الأعوام ( 2002- 2012)، حيث نجمت هذه الخسائر والتي من المرجح لها أن تستمر في الارتفاع، عن وجود خلل في تطبيقات نظام هذا الفرع من التأمين و الذي حددت أسعاره من قبل الدولة، وقابله زيادة في الحماية والمزايا التي وفرها النظام للمؤمن له.
السبب الثاني الذي أوردته شركات التأمين في تبرير أوضاعها المالية المتردية هو حجم الغرامات التي دفعت خلال عامي 2008-2010 وبلغت قيمتها نحو 548.5 ألف دينار وهي غرامات « مرتفعة» وضعت مهام «الجباية» في قائمة مهام الهيئة بدلا من مهام الأشراف والتنظيم .
كما أشارت شركات التأمين الى حجم الضرائب والرسوم ( ضريبة الدخل 24% وضريبة المبيعات 16%) الى جانب رسوم الهيئة والبالغة (6.5 بالألف) من إجمالي أقساط التأمين، ورسم صندوق تعويض المتضررين (1%) من أقساط التأمين الإلزامي والكلف المالية الباهظة المتحققة نتيجة الحوادث المفتعلة ، والتي ساهمت جميعها في زيادة الأعباء المالية على الشركات.
ورغم هذه الأسباب التي تستدعي إلغاء هيئة التأمين ، لم يعف مراقبون، شركات التأمين من مسؤولياتها تجاه نفسها أولا وتجاه المؤمن لهم ثانيا، فبعد تراجع العائد الاستثماري والهامش الربحي في السنوات الثلاث الأخيرة الى 2,7%، 0.4%، 2.9% وجب على القائمين والمدراء التنفيذيين في العديد من هذه الشركات استشراف المستقبل من خلال تطوير منتجاتها والوصول الى اكبر عدد من المؤمنين وتأهيل وتدريب العاملين فيها، الى جانب العمل على إعادة الثقة بهذا القطاع التي تراجعت في السنوات الأخيرة بسبب ممارسات وسلوكيات انتهجتها بعض الشركات وأثرت بدورها على الشركات الأخرى الملتزمة.
هذا التخبط الذي عايشه قطاع التأمين خلال السنوات الماضية، إما بسبب هيئة التأمين وتشريعاتها أو بسبب «تخاذل» بعض الشركات عن القيام بواجباتها، قد دفع بالاتحاد الأردني لشركات التأمين في وقت سابق الى إعداد دراسة أشار فيها الى عدد من الأسباب الموجبة لإيجاد تشريع دمج الهيئات الرقابية المتصلة بالقطاع المالي.
وأفردت الدراسة التي حملت عنوان « دمج الهيئات الرقابية المتصلة بالقطاع المالي وخاصة قطاع التأمين»، هذه الأسباب الموجبة بترسيخ والحفاظ على الثقة بالنظام المالي ووجود مرجعية واحدة للقطاع المالي وعدم تضارب او تنازع التشريعات والقوانين الموجودة حاليا ورفع مستوى الكفاءة للقطاع المالي بشكل عام وقطاع التأمين والبنوك بشكل خاص واختلاف وتضارب المعايير الموجودة تحت التشريعات والقوانين الموجودة حالي وتطوير وتحسين المعرفة العامة والوعي العام بالنظام المالي وتعدد المرجعيات تحت النظام الحالي والذي يؤدي الى البطء بمنهجية سير العمل واتخاذ القرارات .
إلا أن «رياح» البنك المركزي لم تأت كما تشتهي «سفن» الاتحاد، إذ رد الأول بصعوبة إجراء هذا الدمج نظرا لطول الإجراءات الإدارية والقانونية التي تحتاجها عملية نقل مهام هيئة التامين .
وقال في رده أيضا إن « هذه الإجراءات ستؤدي إلى تفاقم وضع قطاع التامين الذي يعاني أصلا من صعوبات عدة, وتؤدي إلى خلق مخاطر إدارية تؤثر على سمعة البنك المركزي الأردني مما يؤثر في قدراته في القيام بمسؤولياته»
وشدد « المركزي» في رده في ذلك الوقت على أن «وجود هيئة مستقلة للتامين هو نموذج متبع في العديد من الدول, ولا يوجد ما يدل على البديل المقترح بجمع الرقابة بين قطاعي التامين والبنوك سيؤدي إلى نتائج أفضل حيث أن الظروف القائمة لقطاع التامين قد تجعل مخاطر هذا البديل عالية جدا».
خلاصة القول، إذا تجنبت أقوى هيئة مالية في الأردن الدخول في الصعوبات والمعيقات التي يعاني منها قطاع التأمين، فهل ستتمكن مديرية مراقبة الشركات في وزارة الصناعة والتجارة من مواجهة هذه الصعوبات ؟ والدخول في معترك تشريعي وإداري هي أصلا في غنى عنه؟