04-01-2021 – بانوراما التأمين
عمان- لم يخل أي بيان أو خطة حكومية لنيل ثقة مجلس النواب، من وعود بإقرار التأمين الصحي الشامل لجميع المواطنين، وهو حلم يداعب أحلام الأردنيين منذ عقود.
غير أن الواقع يختلف تماما، رغم نجاح الحكومات المتعاقبة بتضييق الفجوة نحو الوصول الى تأمين صحي يستهدف غالبية الأردنيين، إلا أن مشكلات جوهرية بعضها إدارية وأخرى تشريعية، يتوجب تذليلها لإنجاح فكرة التأمين الصحي الشامل، وتحسين جودته، تتشارك فيها القطاعات الصحية الحكومية والعسكرية والضمان الاجتماعي والنقابات المهنية الصحية وشركات التأمين، فضلا عن ارادة سياسية بإنجاز استحقاق التأمين الصحي بشكل حقيقي يوفر العدالة والمشاركة في العبء مع الحكومة.
فما تحدث به رئيس الوزراء بشر الخصاونة أمام مجلس النواب أمس، بأن حكومته شكلت لجنة من وزارتي الصحّة والماليّة، والمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي لوضع خريطة طريق واضحة، لتنفيذ التأمين الصحي الشامل، لم يأت بجديد، فالحكومة السابقة وضعت ذات الخطة وتعهدت بتأمين صحي شامل مع نهاية العام 2024.
وكان أعلن وزير الصحة السابق، سعد جابر، عن إقرار نظام التأمين الصحي الشامل، بحيث يتم في خطوات تدريجية لتأمين جميع المواطنين بحلول 2025، موضحا أن “السماح لغير المؤمنين بدخول نظام التأمين الصحي، وتجميعهم في شبكة الأمان الاجتماعي”.
وأضاف، أنه “سيتم منح تأمين صحي لكل من يقل دخله عن 300 دينار، ومن يزيد على ذلك، تتحمل الدولة 80 % من كلفة التأمين”.
وقدّم جابر شرحاً حول قرار مجلس الوزراء المتعلّق بإقرار الخطة التنفيذية لبرنامج التأمين الصحي الشامل والتي أوعز المجلس بالسير في إجراءات تنفيذها ضمن الأطر الزمنية المحددة.
ولفت إلى إقرار خطّة التأمين الصحي الشامل والذي سيأخذ خطوات تدريجية نحو الوصول إلى تأمين صحي لجميع المواطنين في الأردن مع نهاية العام 2024.
وقال إنه تم وضع خطة تنفيذية للتأمين الصحي وإقرارها، لافتاً إلى أنه سيتم تعديل بعض التشريعات، ومنها المادتان 30 و31 من نظام التأمين الصحي، بحيث يسمح لغير المؤمنين وغير المعفيين بالدخول إلى نظام التأمين الصحي.
وأوضح جابر أنه تمّ دمج الفئات المتفرقة التي تحصل على إعفاء بحيث يتم تجميعها في شبكة أمان اجتماعي واحدة تشمل من هم فوق 60 عاما والأطفال تحت 6 أعوام والمعونة الوطنية والمناطق الأشد فقراً وغيرها من خلال دمجهم بفئة واحدة، وسيتم إصدار بطاقات موحدة لهذه الجهات.
ووفق جابر، وبعد تعديل التشريعات سيصبح كل مواطن دخله أقل من 300 دينار وبعد دراسة من وزارة التنمية الاجتماعية وصندوق المعونة الوطنية، مؤمنا بالكامل من الدولة، أما من تتراوح دخولهم الشهرية بين 300 دينار وألف دينار، فسيتم دعم أقساط التأمين من الحكومة بنسب تتراوح بين 30 إلى 90 %، وحسب الدخل، ومن يزيد دخله على ألف دينار سيدفع الأقساط المقررة.
وأكد جابر أن الهدف من هذا الإجراء أن يكون المواطن محميّاً صحياً عبر حصول كل واحد على بطاقة تأمين صحي، ما يجعل تأمين الخدمات الصحية أسهل وأسرع خصوصاً ما يتعلّق بالأمراض الطارئة.
إلى ذلك، تساءل خبراء، “ما المقصود بالتأمين الصحي الشامل؟.. هل هو تأمين صحي بكل مستويات الخدمة الصحية الأولية والثانوية والمتقدمة وبالغة التخصص، ام اننا نعمل على شمول المواطنين المحتاجين للرعاية الطبية الاساسية، بما في ذلك الرعاية الاولية والثانوية (السريرية)، التي توفر لهم الصحة وتقدم لهم الخدمة الطبية اللازمة دون النظر الى الخدمات الفندقية، وهل سيحتاج مشاركة المنتفع من هذه الخدمة بدفع جزء من التكلفة؟”.
وقالوا، “فكرة التأمين الصحي الشامل وان جاءت بالتدرج، فهي ناجعة، ذلك أن ملايين الدنانير تذهب لشراء الخدمة الصحية من قطاعات أخرى كالمستشفيات الجامعية، ومراكز ومستشفيات متخصصة ذات أنظمة خاصة، إضافة إلى القطاع الخاص، ما يزيد من الأعباء المالية على الموازنة”.
وأشار هؤلاء الخبراء الى “دور الضمان الاجتماعي الذي يتضمن نصا واضحا بالتكفل بالرعاية الصحية لمنتسبيه وهو نص غير مفعل منذ أعوام، وانه لا يمكن انجاح فكرة التأمين الصحي الشامل دون إعادة تنظيم وهيكلة القطاع الصحي في كل مؤسساته وإنشاء هيئة عليا للتأمين الصحي تجمع الأطراف كافة”.
كما تساءلوا “هل هناك ازدواجية بالتأمين الصحي، وهل لدينا قواعد بيانات يمكنها رصد أعداد المؤمنين صحيا بكل القطاعات؟”.
فوزارة الصحة مثلا، لديها تأمين صحي مدني، والخدمات الطبية لديها تأمين صحي عسكري، والجامعات الرسمية لديها تأمين صحي خاص بها، والمؤسسات المستقلة المحولة لديها تأمين صحي جامعي خاص بها، والشركات الحكومية والخاصة لديها تأمينها الخاص بها ايضا، وخزينة الدولة تمول عدة جهات تأمينية تعمل بشكل منفرد وبتنسيق متواضع بينها.
وتبلغ نسبة التغطية بمظلة التأمين الصحي المدني نحو 40 %، والتأمين الصحي العسكري نحو 27 %، وتأمين وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) نحو 9 %، فيما بلغت نسبة التأمين الجامعي نحو 2 %، وتأمين الشركات نحو 6 %، فضلا عن تأمينات النقابات والمؤسسات الخاصة لتبلغ نسبة المؤمنين صحيا حوالي 87 %، تشملهم مظلات التأمين الصحي المدني والعسكري والجامعي و”الأونروا” وغيرها من مظلات التأمين الصحي في القطاع الخاص.
الحكومة ورغم محاولاتها من خلال إقرار تأمينات مجانية، توسعت فيها مثل تأمين كبار السن فوق 60 عاما والأطفال دون ستة أعوام وبرنامج المناطق الأشد فقرا، والمناطق النائية، وشبكة الأمان الاجتماعي، والتأمين الصحي الاختياري المدعوم، وتأمين النساء الحوامل، والأطفال من أبناء قطاع غزة دون ستة أعوام، فضلا عن الإعفاءات الطبية والتحويلات للمستشفيات في القطاعين الخاص والجامعي، إلا أنها جميعا وفق الخبراء، “بقيت دون تنظيم وتأكل من كتف المالية العامة وهو أمر يتوجب تغييره لتخفيف الكلفة من جهة وتحسين جودة الخدمة من جهة أخرى”.
وأضاف الخبراء، “جميع الخطط الحكومية والحلول التي قدمت سابقا باءت بالفشل لأنها حلول مكلفة وغير منظمة ولا تحمل صبغة التشاركية فيها، والمطلوب هيئة عليا للتأمين الصحي تتشارك فيها كل اطراف معادلة التأمين وتساهم الحكومة في جزء من كلفتها ويتحمل المواطن المقتدر كلفا معقولة تتناسب مع مستوى دخله، اضافة الى توفر معايير العدالة والشفافية في التعاطي معها”.
محمود الطراونة