25-01-2018 – بانوراما التأمين

أبدت صناعة التأمين التقليدية قدرة عالية في المرونة، لكنها بدأت اليوم تشعر بأثر الثورة التكنولوجية الرقمية، وبالفعل غيّرت هذه التكنولوجيا في صناعات أخرى غير التأمين، كما غيرت في طريقة توصيل المنتجات والخدمات، وستغيّر قريبا منظومة العمل بأكملها (Business Model).
وسينسحب هذا الأمر على صناعة التأمين التي أظهرت تحركاً خجولاً في هذا الاتجاه. وبلا أدنى شك، فإن الشركات الرابحة هي التي ستتحرك في اتجاه التكنولوجيا الرقمية بسرعة وحزم.
وللتكنولوجيا الرقمية منافع عديدة تخدم صناعة التأمين، أولها تلبية احتياجات العملاء، ويبقى الهدف اليومي والرئيسي في شتى مجالات الأعمال هو تلبية احتياجات العملاء وتوقعاتهم. وبسبب التكنولوجيا الرقمية فقد تغيرت توقعات العميل، فالعميل يطلب اليوم على سبيل المثال لا الحصر:
1 – التبسيط في إنجاز المعاملات.
2 – السرعة في إنجاز المعاملات.
3 – توفير الخدمة على مدار الساعة.
4 – توفير معلومات واضحة وبسيطة عن المنتجات والأسعار.
وهذه التوقعات تنسحب على عملاء شركات التأمين، وبالتالي لا مفر من أن تواكب صناعة التأمين تطورات التكنولوجيا الرقمية لتقديم أفضل الخدمات والمنتجات لعملائها، وبالتالي سينعكس هذا الأمر إيجابيا على ربحية شركات القطاع والأثر الإيجابي الإضافي للتكنولوجيا الرقمية هو تخفيض المصاريف الإدارية، فعلى سبيل المثال استطاعت إحدى الشركات أن تخفض مصاريف إدارة المطالبات بنسبة 30 في المئة عندما اعتمدت المكننة.
وهناك أيضا فرص في تحسين المداخيل، فالاعتقاد السائد في صناعة التأمين بأن المنتج التأميني يلزمه وسيط يفهم احتياجات العميل ومتطلباته لم يعد له وجود في ظل التكنولوجيا الرقمية. إذ بتوفر قاعدة بيانات غنية وصحيحة عن العملاء يمكن للشركة أن تعرف أكثر عن العميل وعاداته، ورغباته، واحتياجاته، وأن تقدّم له حلولاً تأمينية تناسبه، والمثال عقود تأمين السيارات التي تحتسب أقساطها على كل كيلومتر استهلاك.
ومن الممكن لشركة التأمين أن تقدّم خدماتها التأمينية بسرعة، وبالتوقيت الصحيح. فلو عرض المؤمن عقاره للبيع، فإن هذه المعلومة تصل اليوم لشركة التأمين بعد عملية البيع لإبطال وثيقة التأمين المبرمة. إما في عالم التكنولوجيا الرقمية، فإن المعلومة قد تصل للشركة مما يهيئها لأن تعرض وثيقة جديدة للعقار، وللسيارة وعلى حياة المقترض لشراء العقار في المستقبل.
وعلى الرغم من أن شركات التأمين هي الأكثر كفاءة للتحول في الصناعة التأمينية من «تقليدية» إلى «رقمية»، فليس هناك ما يضمن ذلك، وقد تترك الفرصة لمهاجمين جدد متحمسين لتطبيقات التكنولوجيا الرقمية أن يدكوا سياج صناعة التأمين. فليس هناك ما يمنع شركة أن تطرق باب صناعة التأمين من بوابة التكنولوجيا الرقمية كما فعلت «أوبر» في صناعة المواصلات، وتحول عدد هائل من الركاب إلى استخدام تطبيقها حول العالم.
لكن بالتأكيد، هناك تحديات كثيرة، وهذه التحديات ساهمت بدورها في عدم تحرك شركات التأمين الحالية بالسرعة المتوقعة لمواكبة أو اللحاق بالثورة التكنولوجية الرقمية. وتكمن التحديات التي تقف بوجه المهاجمين الجدد بما يلي:
– قوانين التأمين المعقدة.
– كميات الاحتياطي الهائلة في أيدي شركات التأمين.
– عدم رغبة العملاء بتغيير الشركات الذين يتعاملوا معها.
– تفوق شركات التأمين في خبرة الاكتتاب.
ولكن هذا الوضع القوي لشركات التأمين بدأ يتآكل لأن أموال المستثمرين بدأت تضخ في هذا المجال. ففي العام 2015 تم ضخ 2.6 مليار دولار عالميا في «إنشورتكس» تبعها 1.7 مليار دولار في العام 2016، ولا نخفي أن معظم التركيز الحالي لـ «إنشورتكس» على التوزيع، ولكن لا يوجد ما يمنع توسع الـ «إنشورتكس» في المجالات الأخرى كالاكتتاب والمطالبات والمنتجات والتسعير، ولقد بدأت بالفعل.
وهناك 3 عوامل تهدد شركات التأمين الحالية في المستقبل:
1 – التحول من تأمين المخاطر إلى تجنب المخاطر، ففي صناعة تأمين السيارات مثلا يتوقع أن تنخفض الأقساط في الولايات المتحدة بنسبة 25 في المئة مع قدوم العام 2035 نظراً لما ستتمتع به السيارات الجديدة من وسائل حماية مثل تفادي التصادم الأمامي، وكشف البقع العمياء وغيرها. ولا نتحدث بعد عن تكنولوجيا السيارات بدون سائق.
2 – قوة المعلومات وتحليلها، وهي خاصية تمتلكها الشركات المهاجمة بالتكنولوجيا الرقمية. فنحن لسنا بعيدين عن توفير جهاز يزرع داخل السيارة، ويجمع معلومات كاملة عن طريقة وسلامة قيادة السائق، ثم تصل هذه المعلومات للشركة التي تقوم بتحليلها، وبالتالي مكننة الاكتتاب والتسعير. هنا تقف شركات التأمين خلف المهاجمين.
3 – المؤسسات الاستثمارية التي تبحث عن فرص بعائد جذاب خصوصاً في أجواء معدل فائدة منخفض. ولقد ضخت هذه المؤسسات نحو 70 مليار دولار من رؤوس الأموال في العام 2015، وركزت على جزء من إعادة التأمين الخاص بالممتلكات في حالات الكوارث الطبيعية. وليس هناك ما يشير إلى أن قابليتها لن تتوسع لتشمل التأمين المباشر.
ولكن ما زلت أعتقد أن شركات التأمين الحالية بخبراتها الاكتتابية، ومحافظها الكبيرة هي الأكفأ لأن تقوم بالتحول نحو التكنولوجيا الرقمية خصوصاً لو تشاركت مع الشركات المختصة في هذا المجال. فهذا أفضل من أن نرى صناعة التأمين تتعرض لما تعرضت له صناعة بيع الكتب، والموسيقى، والسفر، وغيرها.

* الرئيس التنفيذي لشركة «الكويت للتأمين» وخبير إكتواري