23 -01- 2012 بانوراما التأمين
لم تكن صناعة التأمين على مرّ العصور بمنأى عن التأثر نتيجةً للتغيرات السياسية، بل إنها أحد أهم روافد الاقتصاد الذي اتفق معظم العاملين في حقله على أنه المحرك الرئيس لتسيير عجلات المصالح السياسية، لكن ما يحدث في الآونة الأخيرة على الجبهات السياسية زاد من قلق ممتهني هذه الصناعة، وهو الأمر الذي دفعهم ليزيدوا أقساطه طردياً مع معدلات القلق نتيجة هذه المتغيرات.
فالممتلكات الثمينة في بلد الثورات حظيت بالنصيب الأعلى من هذه الزيادة، و نقالات النفط هي الأخرى قد بدأت في سحب البساط في الارتفاع بعد التهديدات السياسية مؤخراً. كل هذا يحدث على الرغم من أن شركات التأمين لا تغطي ما يعرف بأعمال السلطة العامة مثل قرارات التأميم والهدم والإزالة، فهذه الاعمال تصنف على أنها أحد اعمال السيادة ذات الطابع السياسي
الخبير في صناعة التأمين وعضو مجلس الشورى السعودي الدكتور فهد العنزي يؤكد لـ"إيلاف" أن التأمين يُعد أحد أهم مقاييس الاستقراء السياسي، لا سيما الاستقراء السياسي الأمني أو ما يٌعرف بالعنف السياسي.
وحول آلية التعاطي من قبل شركات التأمين مع المتغيرات السياسية يقول العنزي: "مع أن الأصل هو قيام شركات التأمين باستبعاد أية تعويضات أو تغطيات للخسائر المرتبطة بالمتغيرات السياسية وما ينتج منها من اضطرابات أو أحداث سياسية معينة من وثائقها؛ والسبب في ذلك هو أن هذه الأحداث أو المتغيرات السياسية لا يمكن التنبؤ بحدوثها، كما لا يمكن التنبؤ بالنتائج المترتبة عليها. وذلك تماماً مثلما حصل في بعض البلدان العربية أو ما يعرف بأحداث الربيع العربي، حيث إن أحدا لم يكن يتوقع أن تتحول هذه الاحداث (دراماتيكياً) بالشكل الذي آلت إليه، وخصوصاً في بلدان كتونس ومصر . فعلى سبيل المثال، فإن التأمين على المباني المحيطة بميدان التحرير هو الأعلى سعراً في الوقت الحالي من أية مبانٍ أخرى يمكن التأمين عليها في مدينة القاهرة".
وحتى لا تكرر شركات التأمين وإعادة التأمين الخطأ ذاته مع أحداث 11 سبتمبر الشهيرة والتي زجّت ببعض شركات التأمين في نفق الإفلاس فقد حرصت الشركات على الدقة والوضوح في معظم تعاقداتها، وهو الأمر الذي قال عنه العنزي: " كما أن شركات إعادة التأمين العالمية غالباً ما تتشدد في إدراج كثير من المصطلحات والمفاهيم الامنية في وثائقها التي تفرضها على شركات التأمين المحلية، حيث تدرج كثيراً من الأحداث الأمنية تحت مصطلح العنف السياسي وذلك مثل احداث الشغب على إطلاقها والإضرابات والاحتجاجات والتمرد والعصيان وما إلى ذلك من احداث قد لا يكون البعض منها ذا دوافع سياسية".
ويضيف: "وكذا الشأن في ما يتعلق بالإرهاب رغم كون هذا المصطلح ما زال يحتاج إلى ضبط دقيق من الناحية القانونية إلا أن التأمين ساهم بشكل كبير في ترسيخ المفهوم السياسي للإرهاب الذي قد لا يتطابق بالضرورة مع ما ينبغي أن يكون عليه من دقة في المعنى من الناحية القانونية، كأن يكون هناك تفريق على سبيل المثال بين الإرهاب وبين الحق الشرعي للشعوب في المقاومة المسلحة للمحتل، أو حتى العصيان المدني".
وحول منهجية تلك الشركات تحت بنود الاستثناءات يقول عضو الشورى السعودي: "إن شركات التأمين حينما تقوم بتغطية هذه المخاطر استثناءً فإنها تكون متيقظة بشكل كبير لهذه لما يحصل نتيجة وجود هذه المتغيرات السياسية وتقوم بعمل استقراءات دقيقة ودورية لهذه المتغيرات، وتكون ردة فعلها سريعة بشكل كبير. وهي تعتبر هذه الأحداث من المخاطر الجسيمة والمتغيرة، ولعلي أضرب على ذلك مثالا بسيطا في ما يخص التأمين على ناقلات النفط في الخليج، وما يحصل من أحداث يومية متتابعة بشأن الملف النووي الإيراني ومنها تهديدات إيران بإغلاق مضيق هرمز، وما قد يستتبع ذلك من أعمال حربية قد تحصل. فشركات التأمين هي الأكثر يقظة والأكثر استجابة لأي تطور يحصل بهذا الخصوص، وأول ردة فعل لشركات التأمين هي إما إلغاء تغطياتها التأمينية وإشعار عملائها بذلك، أو اعطاؤهم تعليمات مشددة بخصوص ما ينبغي اتخاذه من احتياطات بهذا الشأن، أو رفع اسعار التأمين بشكل يوازي الخطر السياسي الذي قد يحصل".
من جهته، قال عبدالله القبيلي المتخصص في شؤون التأمين إن مثل هذه الاضطرابات السياسية قد تنعكس سلباً على وضع حسابات الميزانية للشركات؛ حيث يقول: "بشكل عام، تتأثر صناعة التأمين بتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية في الدولة نفسها أو في المنطقة المحيطة حيث تتأثر تبعاً لذلك محافظ شركات التامين من حيث حجم الأعمال او الفائض السنوي نسبةً لعدم قدرة الأفراد أو الشركات على سداد أقساط التأمين أو عدم قدرة الشركات على الوفاء بالالتزامات تجاه المؤمن لهم".
لكن القبيلي يؤكد أن لذلك زوايا إيجابية، فيقول: "من الناحية الإيجابية لتأثير الأوضاع السياسية على صناعة التأمين فيتمثل في زيادة الوعي والثقافة لدى المجتمع بأهمية التأمين وزيادة الطلب على التأمين بشكل عام وظهور الحاجة لوثائق جديدة لم تكن ذات أهمية لدى العملاء في السابق مثل تأمين الممتلكات والمباني".
واختتم القبيلي حديثه عن وضع تأمين المركبات في التماشي مع مثل هذه الاضطرابات قائلاً: "بالنسبة إلى وثائق تأمين المركبات ( الشاملة وضد الغير ) في السعودية مثلاً يُستثنى من التغطية أي مسؤولية مباشرة تنشأ أو تترتب عن أعمال التخريب أو العنف أو الإرهاب وجميع ما ينتج من أضرار بسبب الإضطرابات المدنية او العمالية".