19-12-2012 – بانوراما التأمين
كون التأمين الصحي الخاص يزيد من تكلفة تقديم الخدمات الصحية بشكل كبير ويترك شريحة واسعة دون غطاء صحي ويقلل من كفاءة النظام الصحي يحتم علينا إجراء مراجعة عاجلة للتوسع الحالي في التأمين الصحي الخاص ويجعل من الضروري جدا استفادتنا من تجربة العديد من الدول المتقدمة التي استطاعت بناء أنظمة صحية تتصف بالاستدامة الاقتصادية والمالية ونجحت في ضمان أن يكون الوصول للخدمة الصحية غير مرتبط بالقدرة على الدفع من خلال تبنيها لخيار التأمين الصحي العام أو الحكومي وتقييد التأمين الصحي الخاص بشكل كبير، ويمكن إيجاز أهم خصائص النظام الصحي الذي نقترحه في التالي:
1 – إقامة نظام تأمين صحي عام شامل مماثل لما هو قائم في العديد من الدول المتقدمة يتم تمويله من قبل الدولة دون الحاجة لفرض ضريبة خاصة بذلك إلا عندما يصبح مثل هذا الإجراء ضروريا، كأن يحدث تراجع في إيرادات الدولة النفطية بصورة تجعل من اللازم تحصيل إيرادات بديلة للصرف على مختلف الخدمات الحكومية والتي سيكون من بينها الخدمات الصحية.
2 – تصبح مراكز العناية الصحية الأولية الحكومية والخاصة نقطة الاتصال الأولى بين المريض والنظام الصحي بحيث لا تتم مراجعة المستشفيات إلا بعد الإحالة من مراكز الرعاية الصحية الأولية أو من خلال أقسام الطوارئ فقط. وتقدم مراكز الرعاية الصحية الأولية الحكومية خدماتها للمواطن مجاناً أما مراكز الرعاية الأولية الخاصة فتتحمل الدولة 85% من تكلفة خدماتها التي تقدمها للمواطن وفق لائحة بتكاليف الخدمات Schedule Fees محددة مسبقاً يتم الاتفاق على قيمتها من خلال التفاوض مع مؤسسات الخدمات الصحية الخاصة التي تتأهل لتقديم هذه الخدمات فيما يتحمل المريض أو تأمينه الخاص، إن كان يحمل تأمينا خاصاً، بقية التكلفة. على أن يوضع سقف أعلى لما يمكن أن يتحمله كل فرد من تكلفة الخدمات الصحية في العام الواحد، بحيث تتحمل الدولة كامل التكلفة بوصول المريض لهذا السقف وحتى نهاية العام، كما يوضع استثناءات لغير القادرين ماليا بحيث تتحمل الدولة كامل تكلفة الخدمة الصحية المقدمة لهم في وحدات الرعاية الصحية الخاصة.
3 -تقدم الخدمات الصحية في المستشفيات الحكومية مجاناً للمواطن الذي يتلقى خدمة هذه المستشفيات كمريض عام، أما من يرغب في تلقي خدماتها كمريض خاص أو يتلقى العلاج في مستشفى خاص فتتحمل الدولة 85% من تكاليف هذه الخدمات وفق لائحة تكاليف الخدمات التي تحدد رسماً لكل خدمة، ويتحمل المريض أو التأمين الصحي الخاص التكميلي الذي يحمله بقية التكاليف وأي تكاليف أخرى تترتب عليه لقاء حصوله على خدمات إضافية لا تدخل ضمن نطاق الخدمات التي تتحملها الدولة بموجب لائحة تكلفة الخدمات.
4 -يوضع حد أعلى لما يتحمله المواطن من تكلفة كل وصفة طبية سواء كان صرفها من قبل وحدة صحية حكومية أو خاصة في حال كون الدواء المصروف ضمن قائمة الأدوية المدعومة، حيث نوصي بوضع نظام دعم للأدوية مماثل لنظام الإعانات الصيدلانية الاسترالي (PPS)، مع وضع سقف أعلى لما يمكن أن يتحمله المواطن من تكاليف الدواء في العام الواحد بعده يصبح الدواء مجاناً وحتى نهاية العام.
5 -يحظر على شركات التأمين الصحي إصدار بوليصة تأمين صحي شامل للمواطن، ويجب أن يكون التأمين الصحي الخاص بالنسبة للمواطنين تأمينا صحيا تكميلياً، أي أنه يغطي فقط المبالغ التي لا يتحملها التأمين العام الشامل والخدمات الصحية الأخرى التي لا ترد في قائمة الخدمات الصحية المشمولة في نظام التأمين الصحي العام.
6 -بالنسبة لغير السعوديين تُلزم الجهات الموظفة لهم بالتأمين عليهم وعلى من يعولونهم تأمينا صحياً خاصاً شاملا ولا يتحمل التأمين الصحي العام أي من تكاليف علاجهم، وفي حال رغبتهم الاستفادة من خدمات المستشفيات الحكومية فيتم ذلك وفق لائحة تكاليف الخدمات الصحية وتتحمل تكاليفها كاملة شركات التأمين أو يتحملها المريض نفسه في حال عدم امتلاكه لتأمين صحي خاص لأي سبب كان. مما يعني أنه سيكون هناك ميزة إضافية لتوظيف العمالة السعودية تتمثل في تحمل الدولة معظم تكاليف علاجهم من خلال التأمين الصحي العام وسيكون صاحب العمل مطالب فقط بتوفير تأمين صحي تكميلي لهم، في حين أنه سيتحمل كامل تكلفة توفير تأمين صحي خاص شامل للعمالة الأجنبية، ما يزيد من تنافسية العمالة المواطنة ويخلق حافز أكبر لتوظيفهم في القطاع الخاص.
7 – تدار الخدمات الصحية الحكومية وفق تنظيم مشابه لنظام السلطات الصحية الاستراتيجية والأمانات المطبق في المملكة المتحدة من خلال وضع كل مستشفى أو مجموعة من المستشفيات مع عدد من مراكز الرعاية الصحية الأولية في مجموعة واحدة تدار بصورة مؤسسة عامة مستقلة إداريا وماليا خاضعة لحوكمة الشركات لكل منها مجلس إدارة يمثل فيه مسئولين تنفيذيين وغير تنفيذيين يمثلون المجتمع المحلي ويعتمد تمويلها على ما يخصص لها في ميزانية وزارة الصحة إلى جانب إيراداتها الذاتية التي تحصل عليها لقاء خدماتها الصحية للمواطنين غير المشمولة في نظام التأمين العام وخدماتها الصحية لغير السعوديين التي يتحمل تكاليفها المريض نفسه أو تأمينه الصحي الخاص.
ويمكن إيجاز ما سبق أنه بموجب هذا النظام الصحي سيصبح لكل مواطن الحق في الحصول على خدمات المستشفيات الحكومية مجاناً دون قيود كما تتحمل الدولة معظم تكلفة علاجه في المستشفيات الخاصة وسيكون التأمين الصحي الخاص بالنسبة للمواطنين تكميلي فقط، بينما لا تتحمل الدولة تكلفة تقديم الخدمة الصحية لغير المواطنين وتتحملها بشكل كامل الجهات الموظفة لهم التي ستكون ملزمة بتوفير تأمين صحي خاص لهم يغطي ما يقدم لهم من خدمات صحية سواء كان ذلك في مستشفيات الحكومية أو الخاصة