16/04/2012 – بانوراما التأمين
تعول الحكومة المصرية على نظام التأمين التكافلي لإنعاش سوق التأمين المصرية، بعد التراجع الذي ضرب القطاع منذ ثورة يناير بسبب سداد مبالغ تعويضات ضخمة مقابل حوادث سرقة ممتلكات أو توقف مصانع عن التشغيل.
وطالب خبراء بضرورة التحول عن نظام التأمين التقليدي الذي تراه بعض القوى السياسية الصاعدة يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، وانعكاس حالة تراجع النمو الاقتصادي العام على المراكز المالية لشركات التأمين الكبرى.
وتطالب القوى الإسلامية بضرورة التحول نحو نظام التأمين التكافلي والخروج تدريجيا من المنتجات التقليدية مما وضع الشركات في مأزق صعب.
الوعي التأميني
وزاد من حدة هذا المأزق تنامي آثار عوامل سلبية أخرى يواجهها قطاع التأمين المصري منذ فترة طويلة، مثل ضعف الوعي التأميني وقصور الشركات عن اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لزيادته من خلال أدوات التسويق المختلفة وإخفاق القطاع في تلبية احتياجات المجتمع.
وهناك خلل هيكلي داخل القطاع أدى الى عجز الشركات عن الوصول الى شرائح اجتماعية واسعة، أو تلبية الاحتياجات المتزايدة للشركات وتعثر الخدمات التأمينية المستحدثة ومنها خدمات التأمين الطبي وبرامج الادخار المستندة لخدمات تأمينية وتأمين التمويل البنكي، عبر تحالفات شهدتها السوق بين البنوك وشركات التأمين قبل فترة وتعرضت هذه التحالفات للانتكاسة في الفترة الأخيرة، بسبب العجز عن خلق طلب حقيقي عليها مع ضعف الوعي التأميني العام.
ورغم أن نظم التأمين التكافلي قد تشكل مخرجا أمام قطاع التأمين المصري من أزمته الراهنة فإن المشكلات الهيكلية للقطاع وأبرزها اعتماد استراتيجيات توظيف لحصيلة الأقساط التي تجمعها الشركات من العملاء، على نظم استثمار تقليدية تحول دون التحول السريع الى النظم التكافلية الى جانب اشتداد المنافسة بين شركات التأمين التي تقدم منتجات تقليدية، وتلك التي تقدم منتجات تأمين تكافلي منذ عدة سنوات في حالة تحول كافة الشركات الى المنتجات التكافلية.
ويزيد من حدة التحدي الذي تواجهه الشركات اتجاه قوى سياسية إسلامية ذات نفوذ في البرلمان لاصدار تشريعات تعزز أوضاع التأمين التكافلي المتوافق مع أحكام الشريعة الاسلامية، على حساب نظم التأمين التقليدية، يفرض على الشركات التقليدية ضرورة التوصل الى حلول سريعة لاسيما في ظل استمرار النزيف المالي الذي تعانيه الشركات جراء ارتفاع فاتورة التعويضات وتراجع حصيلة الأقساط والضغوط التي تواجهها سياسات الاستثمار بها.
ورغم الحصة النسبية المتدنية التي تمثلها خدمات التأمين التكافلي في السوق المصرية التي تتراوح بين 5 و8% حسب أرقام الاتحاد المصري للتأمين، فإن زيادة هذه الحصة تواجه محدودية خدمات التأمين التكافلي خاصة في مجال خدمات الأفراد التي تؤمن فرصا للنمو على المدى البعيد، ومن ثم تجد شركات التأمين التكافلي نفسها مطالبة بضرورة ابتكار منتجات جديدة تلبي احتياجات الأفراد وتزيد الحصة السوقية لهذا النوع من المنتجات.
فاتورة التعويضات
ويرى خبراء قطاع التأمين المصري أن القطاع يواجه مأزقا تاريخيا لم يتعرض له من قبل يتمثل في خسائر مالية وانتقاد اجتماعي وبيئة تشريعية قد تكون غير مواتية في المستقبل، مما يفرض أهمية البحث عن حلول سريعة خاصة أن خسائر الشركات سوف تزداد خلال العام الجاري والعام القادم، على خلفية تراجع النمو في الاقتصاد العام وارتفاع فاتورة التعويضات التي تضطر الشركات لسدادها.
وقال الخبراء إنه رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الشركات في استثمار حصيلة الاقساط لضمان أعلى عائد ممكن على هذه الاستثمارات لصالح حملة الوثائق، فإن تدهور مؤشرات الاقتصاد المصري بصفة عامة في الشهور الأخيرة يحول دون حصول هذه الشركات على التوازن لمراكزها المالية على الأقل في المدى القصير، ومن ثم تزداد الضغوط التي تواجهها سوق التأمين بصفة عامة.
واعتبر الخبراء أن الحل يجب أن ينطوي على مجموعة من الإجراءات التشريعية الى جانب تحركات تسويقية من جانب الشركات تعتمد أساليب غير تقليدية، بهدف الوصول الى شرائح جديدة من العملاء ليست عازفة عن طلب خدمات التأمين ولكنها لاتجد منتجات تأمينية تلبي الاحتياجات لاسيما على صعيد المنتجات الشخصية التي تتعامل مع مجالات التأمين الطبي، وتأمين السفر والممتلكات وتأمينات الحياة التي يجب أن ترتكز على أحكام الشريعة الاسلامية حتى لاتصطدم بثوابت عقائدية لدى العملاء.
مالية الشركات
ويؤكد عبد الرؤوف قطب رئيس الاتحاد المصري للتأمين أن القطاع التأميني المصري يواجه ضغوطا كبيرة في هذه المرحلة، ولكن القوة المالية للشركات والتي تراكمت عبر السنوات الماضية وحسن توظيف المحفظة والنمو الجيد الذي أحرزته السوق على خلفية نشاط اقتصادي متزايد في العديد من القطاعات الإنتاجية المهمة، كلها عوامل ساعدت الشركات على الصمود في هذه الفترة الحرجة التي تعاني فيها الشركات من نزيف مالي يتمثل في تعويضات هائلة قامت بسدادها وتجاوزت المليار جنيه خلال العام المالي الماضي وحده وانكماش حجم السوق.
وأضاف أن استمرار هذه الضغوط لفترة قادمة ربما يؤثر على قدرة الشركات على الصمود ويتعين عليها مواجهة هذه التحديات عبر آليات غير تقليدية على صعيد التسويق أو ابتكار منتجات جديدة تلبي احتياجات السوق.
وقال إن تحول “مزاج” العملاء نحو منتجات التأمين التكافلي لايمثل تحديا للشركات التي تقدم منتجات تقليدية، حيث تستطيع هذه الشركات التحول نحو التأمين التكافلي عبر اعتماد عدد من الآليات المعروفة وفي مقدمتها إخضاع المنتجات للرقابة الشرعية.
وأشار الى أن خدمات التأمين التكافلي أثبتت نجاحا في السوق المصرية في السنوات القليلة الماضية وتحرز هذه المنتجات كل يوم مساحة أكبر، حيث تكاد تقترب حصتها من 10% وهو نجاح كبير مقارنة بالمنتجات التقليدية التي تعرفها السوق المصرية منذ أكثر من مئة عام.
ومن جانبه، قال أحمد عارفين العضو المنتدب لإحدى شركات التأمين “إن الأزمة الحالية هي الأكثر تأثيرا على مدى تاريخ سوق التأمين، ومع ذلك لاتزال الشركات صامدة والسوق تمنحنا كل يوم أملا جديدا في امكانية التحسن والتعافي السريع في وقت قصير، لاسيما أن انتعاش سوق التأمين في أي بلد في العالم يأتي تاليا لانتعاش حركة الاقتصاد الكلي”.
وقال “إن حجم التعويضات الكبير الذي جرى سداده سوف يؤثر على المراكز المالية للشركات على المدى البعيد، ولكن ذلك يمكن تعويضه عندما تتحسن أوضاع الاقتصاد وما نلمسه الآن هو إمكانية حدوث تحول جذري في سوق التأمين لتصبح أكثر اتجاها نحو خدمات التأمين التكافلي”.