29/11/2011
أكثر ما يشغل خبراء التأمين التعاوني هذه الأيام في ظل بلوغ مساهمة سوق التكافل العالمي بـ12 مليار دولار نهاية العام الحالي، وتوقعات ببلوغ حجم النمو في سوق التكافل 25 مليار دولار بنهاية عام 2015، كيفية تأسيس الأساس الصلب الذي تحتاجه سوق التكافل في الدول الإسلامية والأسواق الناشئة، الذي يمكّنها من تحقيق المزيد من المكاسب والنمو بشكل مطرد، بعيدا عن الهزات الاقتصادية ذات الصلة التي تشغل العالم الآن، والتي تسهم بخلق تحديات متعاظمة في اتجاه ازدهاره.
وقال بعض خبراء التأمين لـ«الشرق الأوسط»: «إن هناك الكثير من التوصيات التي خرجت بها بعض الملتقيات، التي عقدت بشأن صناعة التأمين، ولكنها ما زالت غائبة، وتحتاج إلى عزيمة وإرادة اقتصادية وسياسية تدفع بها نحو الأمام»، في إشارة إلى توصيات الملتقى الأول والثاني للتأمين التعاوني، في حين يؤمل أن ينطلق الملتقى الثالث له غدا الأربعاء، بالعاصمة السعودية، الرياض.
وفي هذا السياق، أكد جون ساندويك خبير إدارة الثروات الإسلامية بسويسرا، أنه على الرغم من أن شركات التأمين في الخليج تمتلك ثروات وودائع كبيرة تصل إلى تريليونات الدولارات، ولكنها لم تستطع توظيفها بالشكل الأكفأ، وفي غالبيتها تتستر بالقوانين الإسلامية، وهي منها براء.
وأشار إلى أن هناك تقارير تفيد بأن مساهمة سوق التكافل العالمي بلغت 12 مليار دولار نهاية العام الحالي، مع توقعات جازمة بأن يبلغ حجم النمو في سوق التكافل 25 مليار دولار بنهاية عام 2015، ومع ذلك يعتقد ليس هناك آليات تدفع بهذه المليارات تجاه المزيد من المنعة والقوة والزيادة، مشيرا إلى أن الاستثمارات فيها ما زالت ضعيفة.
وعزى ساندويك هذا الضعف في الاستثمارات الخاصة بمجال التأمين التعاوني، لعدم وجود الخبرة الإدارية المحترفة الكافية، التي بمقدورها توفير كل عناصر السلامة من وقوع أي نوع من خسائر الفادحة، والتي أخذت تتكبدها خلال السنوات الخمس الماضية تراوحت ما بين 50 إلى 60 في المائة.
وقال ساندويك: «إن قطاع التأمين في الخليج يشهد نموا سريعا، لكنه لا يزال مجزأ للغاية، مع عدد كبير من شركات التأمين، ذلك لأن الكثير من هذه الشركات تمر بظروف ضعف الكادر، وظروف السوق ونقص الخبرة في مجال مهارات الاكتتاب، ومهارات إدارة المحافظ الاستثمارية والاعتماد الكبير على شركات إعادة التأمين، على ربحية شركات التأمين الخليجية، حيث سجلت معظمها انخفاضا في العائد على الموجودات، بالإضافة إلى أن شركات التأمين تجد صعوبة في تنفيذ استراتيجية استثمارية سليمة، نظرا لطبيعة الاستثمار المتقلبة في المنطقة.
ووصف المجالات التي تستثمر فيها شركات التأمين حاليا، غير موفقة وغالبا ما تؤدي إلى وقوع خسائر كبيرة، تماما كتلك التي حدثت في عقارات دبي وفي الاستثمارات المحلية الأخرى داخل المنطقة الخليجية، للأسف، ولذلك فإن أغلب شركات التأمين التعاوني، أي شركات التكافل، يعمل عمل شركات التأمين تحت غطاء إسلامي، وهذا نتج عن أنها غير محترفة في طريقة استثمارها.
ومع إقراره بأن الأزمة المالية أثرت بشكل متفاوت في صناعة التأمين في منطقة الخليج العربي، فإن الدكتور فهد بن حمود العنزي، يرى أن وتيرة التسارع بلغت أقصاها قبل عام 2007، قبل أن يتوقف هذا التسارع بفضل أسعار النفط التي انخفضت إلى أدنى مستوى لها، وانحسار النشاط العالمي، وانكماش أسواق الائتمان، مشيرا إلى أن القطاع بشكل عام سجل نموا متواضعا عندما كانت معظم الأسواق في المنطقة الحمراء، وإن تعافي المنطقة من الانكماش والنمو الاقتصادي في دول الخليج، بالإضافة إلى الحكومات الداعمة والعوامل السكانية المواتية، كلها خلقت بيئة مواتية للنمو، متوقعا نموا أعلى للقطاع في الفترة ما بين 2012 و2015.
وعاد العنزي وقال: «إن هناك حزمة من التحديات تواجه شركات التأمين في الخليج، مع الاعتبار أن المنطقة تعتمد اعتمادا كبيرا على شركات إعادة التأمين، وفي الوقت نفسه، نرى المحافظ الاستثمارية لشركات التأمين تعتمد على العقارات والأسهم، مما يجعلها عرضة لسوق متقلبة».
ومع ذلك، توقّع العنزي أن تدفع منتجات التأمين التكافلي الإسلامي المتزايدة، صناعة التأمين في اتجاه النمو بقوة، مبينا أن النماذج الجديدة للتوزيع، بما فيها تلك المرتبطة مع البنوك تلعب دورا بارزا في دفع عجلة النمو هذه السوق، مشيرا في نفس الوقت إلى أن السوق المحلية مشبعة بمجموعة كبيرة من اللاعبين البارزين في قطاع التأمين بأحجام مختلفة، متوقعا حدوث اندماجات بين بعضها لخلق بنية قوية تمكنها من تحقيق مكاسب كبيرة، مشيرا إلى أنه من شأن توطيد التسعير أن يقلل من الجشع وزيادة هامش الربحية، في الوقت الذي تتوفر فيه فرصا للاعبين آخرين بدخول السوق من خلال عمليات الاستحواذ.
وكانت ألبن كابيتال قد كشفت في تقرير صدر لها مؤخرا أن صناعة التأمين في دول مجلس التعاون الخليجي، تمرّ بمرحلة انتقالية، ومن المتوقّع ازدهارها نتيجة نمو الناتج المحلي الإجمالي والزيادة الديموغرافية»، بالإضافة إلى التوسع في الإنفاق الحكومي وتنويع الاقتصاد بالإضافة إلى ظهور منتجات متوافقة مع الشريعة الإسلامية»، مشيرة إلى أن النظرة الشاملة لقطاع التأمين في الخليج إيجابية، كما أن التقييمات الإقليمية جذابة، الأمر الذي يعكس انخفاض انتشار التأمين الفرص المتاحة للشركات في هذا القطاع لوضع أنفسهم استراتيجيا لفترات من النمو المرتفع.
وقدرت ألبن كابيتال حجم صناعة التأمين في دول الخليج وصل مع انتهاء عام 2011 إلى 18 مليار دولار. وسيستمر في الصعود إلى أن يصل إلى 37 مليار دولارا بحلول عام 2015 بمعدل نمو سنوي مركب نسبته 20 في المائة.
وأشار التقرير إلى أن الإمارات والسعودية تتصدران سوق التأمين بحصة إجمالية تقدر بـ75 في المائة في 2015، ومن المتوقع أن تكون قطر في الفترة ما بين 2011 و2015 الأسرع نموا بمعدل سنوي مركب نسبته 30 في المائة.
وتوقعت أن تواصل بقية القطاعات عدا قطاع التأمين على الحياة، نموها لتشكل نحو 86 في المائة من إجمالي إيرادات التأمين بحلول عام 2015، موضحة أنه بسبب لتنوع الطرق لتحقيق نمو قوي في قطاع التأمين، فإن المشاريع الكبيرة التي تجري حاليا في هذه القطاعات، من شأنه العمل على ازدياد الطلب باطراد على الخدمات المالية والتأمين بشكل خاص، خلال السنوات المقبلة، كما توقعت أن يرتفع قسط التأمين (غير التأمين على الحياة) من 1.12 في المائة في عام 2011 إلى 1.81 في عام 2015.
وأكدت أن نمو الناتج المحلي الإجمالي، المحرك الرئيسي لنمو قطاع التأمين، كما سيكتسب التأمين على الحياة مزيدا من الزخم مع ارتفاع عدد السكان، وزيادة نصيب الفرد من الدخل العام، في حين تواصل الدول الخليجية تنويع وتطوير قطاعات جديدة، الأمر الذي يجعل من المشاريع الجديدة التي ستزيد الطلب على التأمين غير التأمين على الحياة محركا آخر لنمو هذا القطاع. بالإضافة إلى إدخال التأمين الصحي الإجباري والتأمين على السيارات، الذي كان له أثر بارز في نمو هذا القطاع.
من ناحيته، أكد الدكتور عبد الله العمراني أستاذ كرسي الشيخ راشد بن دايل لدراسات الأوقاف بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أن العناية بسوق التكافل تستدعي تخصيص هيئة خاصة بهذا القطاع في كل دولة بحيث تركز على دعمه ومراقبته وتطويره، والتعاون المشترك مع الهيئات الدولية المماثلة، مشيرا إلى ضرورة الاستفادة من الملتقى الثالث للتأمين التعاوني الذي ينعقد غدا بالرياض، كونه فرصة سانحة وذهبية للوقوف على واقع التأمين التعاوني وتحدياته وكيفية صناعة آليات كفيلة بالنهوض به إلى الأمام.
وقال: «هناك عدة أسس مهمة لنمو سوق التكافل في الدول الإسلامية: الأساس الأول: هو الأساس الشرعي بحيث تكون صيغة التأمين وسائر منتجاته واستثماراته وعملياته متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، ومتى ما كان التأمين على أساس شرعي متين كان أدعى لاستمراره ونموه والوثوق به من الشريحة الراغبة في هذا النوع من التأمين».
وزاد بأن الأساس الثاني هو الأساس التشريعي والتنظيمي، الذي يكفل لهذه الصناعة الاستقرار والاعتراف، ويسهل على الشركات في سوق التأمين التكافلي إجراء تعاملاتها وفق بيئة تنظيمية مثالية.
في حين يرى أن الأساس الثالث هو الأساس الفني والاستثماري، بحيث يتم توفير أحدث التقنيات والنظم اللازمة لتعاملات سوق التكافل المعاصر، وتوفير الموارد المالية والبشرية المؤهلة للعمل في هذا السوق، وتوظيف أحدث الصيغ الاستثمارية الآمنة والمتوافقة مع الشريعة الإسلامية، إضافة إلى أدوات التسويق المثالي لهذه الصناعة الواعدة.
وأشار العمراني إلى أهمية التزام شركات التأمين التكافلي بتطبيق مبادئ الحوكمة التي تتضمن حماية متوازنة للأطراف ذات العلاقة، معتبرا أن البيئة التشريعية الملائمة لعمل شركات التكافل أمر في غاية الأهمية، وذلك لأنها تدفع إلى نمو صناعة التكافل.
واستدل على ذلك بالتجربة الماليزية، مبينا أن قانون التكافل الماليزي صدر عام 1984م، وفتح المجال أمام 0.01 في المائة من مسلمي العالم للاستحواذ على27 في المائة من سوق التكافل العالمي، مؤكدا أنه متى ما وجدت الأنظمة واللوائح المعتمدة دوليا لسوق التكافل والمتناغمة مع طبيعته وأسسه كان ذلك طريقا قويا لتماسكه ونموه، وفي المقابل فإن التباطؤ في تلك التشريعات يمثل تحديا من أبرز التحديات لسوق التأمين التكافلي.