25-11-2015 – بانوراما التأمين

تعدّ عمليات إعادة التأمين بنوعيها "الإلزامي" والإختياري" إحدى أهم عمليات تحويل الأخطار التي تقوم بها شركات التأمين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالتعاون إما مع شركات تأمين أخرى، أو مع شركات إعادة تأمين ذات قدرات مالية قوية. وقد بلغ إجمالي أقساط إعادة التأمين المسندة في قطاع التأمين على "غير الحياة" لسنة 2013 لشركات التأمين في المنطقة (بما فيها تركيا وإيران) 12.6 بليون دولار أمريكي ، وهو ما يعادل 30 بالمئة من مجموع أقساط التأمين المباشر المكتتبة.
تمتلك منطقة دول مجلس التعاون الخليجي النسبة الأكبر من هذه الأقساط، حيث بلغت أقساط إعادة التأمين المسندة في قطاع التأمين على "غير الحياة" 5.6 مليار دولار أمريكي للسنة نفسها، وهو ما يمثل 37 بالمائة كنسبة إسناد عن أقساط التأمين لهذا القطاع لشركات إعادة التأمين، وهي تعتبر واحدة من أعلى النسب مقارنة مع بلدان أخرى من الحجم والثقل الإقتصادي نفسه.
قد تشّكل هذه النسبة معدلًا متوسطًا في المنطقة، فهي تتفاوت من بلد لآخر، حيث بلغت أعلاها في الكويت والإمارات حوالي 45 بالمئة وأدناها في المملكة العربية السعودية لتصل إلى 21 بالمائة لكل أنواع التأمين التي تشمل التأمين على "غير الحياة". مع العلم أنه من الملاحظ أن مستوى إسناد الأقساط لإعادة التأمين في المنطقة يتراجع منذ بضع سنوات، ويعود ذلك إلى النمو المهمّ في حجم أقساط التأمين الصحي وعلى المركبات اللذان يتميّزان بمستوى منخفض من حيث لحصة إعادة التأمين من مجمل أقساط التأمين .

كما تتفاوت نسبة الأقساط المسندة لأسواق إعادة التأمين من نوع لآخر، حيث تبلغ أعلى مستوياتها في قطاعات التأمين البحري و الطيران وتأمين الطاقة والتأمين الهندسي، بينما تسجل أدناها في قطاعات التأمين الصحي والتأمين على المركبات.
تتفاوت نسب الإحتفاظ بالأخطار بين شركات التأمين، حيث تختار بعض الشركات الاعتماد على مستوى منخفض من الاحتفاظ بالأخطار التي تؤمن عليها، بينما تعتمد أخرى على مستوى أعلى، وذلك حسب القدرة الإكتتابية لكل شركة و رأس مالها من جهة، و كذلك حسب خططها و سياساتها المتبعة.
تلجأ شركات التأمين إلى أسواق إعادة التأمين لإيجاد التغطية اللازمة لتأمين الأخطار ذات الحجم الكبير، مما يساعدها على الإستجابة لحاجة عملائها والإيفاء بإلتزاماتها المالية تجاههم عند مطالبتهم بتعويضات ناشئة عن حوادث. و يجدر بالذكرأن حسن اختيار المعيدين له أهمية كبرى في حالة إعادة تأمين مثل هذه الأخطار.
بالإضافة إلى العوامل المذكورة أعلاه، فإن منظومة العرض والطلب على خدمة إعادة التأمين تتأثر بالظروف الإقتصادية للبلدان المعنية، لذا وفي هذا الإطار، فإن للانخفاض المتواصل لأسعار النفط الذي تشهده الأسواق العالمية في هذه الفترة تأثير كبير ومباشر على عمليات التأمين وإعادة التأمين. فقد شهد الأداء الإقتصادي في بلدان الشرق الأوسط تغييرات كبيرة نتيجة الانخفاض الحاد في أسعار النفط خاصة منذ أواخر سنة 2014..

يشير تقرير "مستجدات الآفاق الاقتصادي الإقليمي"، الذي أصدره صندوق النقد الدولي، إلى أنه وبالرغم من التأثير السلبي الذي يترافق مع إنخفاض أسعار النفط، فإن الهوامش الوقائية الكبيرة وموارد التمويل المختلفة والمتوفرة لدى معظم دول مجلس التعاون الخليجي ستسمح لها بتجنب اللجوء الى تخفيضات حادة في الإنفاق الحكومي، مما يحدّ من الأثر على النمو قريب الأمد وعلى استقرارها المالي.
إن كان لتراجع أسعار النفط أثر سلبي على الدول المصدرة له، فإن له أثر إيجابي، وإن كان نسبيًا، على الدول المستوردة له، إذ تسجل فواتير استيراد الطاقة لهذه الدول انخفاضًا مهمًا، ومن المفترض أن تكون تبعاته تخفيض في تكاليف الإنتاج المحلي من جهة، ورفع الدخل المتاح لإنفاق المستهلكين من جهة أخرى، مما سيؤدي إلى رفع قدرتهم الشرائية. وهنا تجدر الإشارة الى أن هذه المكاسب قد تواجه عوامل معاكسة تحدّ من تأثيرها الإيجابي، كتباطىء الطلب المحلي وضعف نسبة النمو الإقتصادي في منطقة اليورو والصين واليابان وروسيا، وبدرجة أقل منطقة دول مجلس التعاون الخليجي.

ودائمًا حسب صندوق النقد الدولي، تتراجع أسعار السلع الأولية غير النفطية التي تصدّرها بعض البلدان، مما يؤثر سلبًا أيضًا على نموّها وعلى رفع نسبة العجز في ماليتها العامة. فبالإجمال تتباين انعكاسات انخفاض اسعار النفط بين البلدان المصدرة للنفط والبلدان المستوردة له، وقد بدأت نسبة النمو الإقتصادي في منطقة اليورو واليابان والصين وروسيا تشهد تراجعًا ملحوظًا. كما ومن المنتظر أن تشهد بلدان المغرب العربي تراجعًا في توقعات التصدير نتيجة تباطىء النمو في منطقة اليورو، بينما قد تتأثر بلدان المشرق العربي نتيجة إنخفاض تحويلات العاملين في الخارج وعائدات الإستثمار الأجنبي المباشر والسياحة.
كل هذه العوامل ستدفع معظم البلدان المصدرة للنفط التي تتناقص هوامشها الوقائية إلى إعادة تقييم خطط إنفاقها القصيرة والمتوسطة الأجل، وإلى الإعتماد على بعض الإصلاحات الإقتصادية لتنويع الأنشطة الإنتاجية لتقليص التركيز على النفط وخلق فرص عمل وإنتاج في مجالات مختلفة.
ويشير تقرير صندوق النقد الدولي، إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي تحتفظ بهوامش أمان كبيرة تسمح لها بتجنب أي تخفيضات مفاجئة في الإنفاق العام وذلك من خلال أصول مالية ضخمة تمنحها طاقة اقتراضية كبيرة تساعدها على التخفيف من أثر ذلك على النمو في المدى القريب.
بالرغم من ذلك، من المتوقع أن يتباطأ نمو الإنفاق العام في أغلب دول المنطقة خلال سنة 2015، لكن من شأن تحديد وإيجاد مصادر إضافية للإيرادات غير النفطية أن يدعم جهود احتواء وترشيد الإنفاق.

في حال استمرار تراجع أسعار النفط، قد تحتاج معظم البلدان المصدرة له في المنطقة إلى موائمة أوضاعها المالية مع الحقائق الجديدة في سوق النفط العالمي وذلك لضمان الحفاظ على إستمرارية أوضاعها المالية العامة عند مستوى مقبول.
وقد بيّنت بعض الإحصائيات الخاصة بمتابعة المشاريع الممنوحة في المنطقة، خلال الفترة الممتدمة من 1 يونيو 2014 إلى 30 ابريل 2015، وجود تراجع بأكثر من 30 ملياردولار أمريكي في قيمة هذه المشاريع بالمقارنة مع الفترة نفسها من السنة التي سبقتها. كما بيّنت الدراسة نفسها أن عدد المشاريع الملغاة في الفترة نفسها قد فاق عدد المشاريع الممنوحة.
ومن المؤكّد أن لكل هذه المتغيرات في أداء اقتصادات الدول المصدرة أو المستوردة للنفط على حد سواء أثر مباشر على أداء وإيرادات شركات التأمين وإعادة التأمين الناشطة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، حيث سيؤدي التراجع في الإنفاق على إنشاء مشاريع جديدة في الفترة القادمة وبدون شك إلى تقلّص الطلب على التغطية التأمينية، وبالتالي إلى نقص في إيرادات شركات التأمين خاصة في مجال التأمين الهندسي والتأمين البحري والتأمين على الطاقة المرتبطة ارتباطًا مباشرًا بالقطاعات الأكثر تأثّرًا بانخفاض أسعار النفط.
و نظرًا لارتباط مجالات التأمين المذكورة أعلاه بخدمة إعادة التأمين، فمن المتوقع أن تتراجع الطلبات على تغطية إعادة التأمين "الإختياري" في مرحلة أولى، وسيتبعها تراجع في تقديرات أقساط التأمين المسندةلمعيدي التأمين في إطار معاهدات إعادة التأمين "االاتفاقي".
وإن كان من الصعب تقديم تقديرات في الظروف الحالية حول تراجع الأقساط المسندة لإعادة التأمين، فمن المؤكّد أن يشهد الطلب على خدمة إعادة التأمين خاصة "الإختياري" منها تراجعًا ملحوظًا، مما سيرفع من مستوى المنافسة بين معيدي التأمين في المنطقة التي تشهد منذ فترة فائضًا في القدرات الاكتتابية المتوفّرة في أغلب فئات التأمين.
هذا سيؤدي إلى تخفيض إضافي في مستوى تسعير الأخطار وبالتالي الى تقليص في القيمة الإجمالية لأقساط التأمين.
يبقى أن نشير إلى أنه في هذه الظروف الإستثنائية قد يلجأ معيدو التأمين إلى أسواق تأمين جديدة عن طريق توسيع الرقعة الجغرافية التي يعرضون فيها قدراتهم الاكتتابية وذلك لتعويض النقص المتوقع لإيراداتهم المتأتية من منطقة الشرق الأوسط و الناتج عن الوضع الإقتصادي الحالي وتأثيراته السلبي على أداء أسواق التأمين وإعادة التأمين.

بقلم نبيل بن عزوز